48. رتل القرآن ترتيلاً، سواء في الصلاة الجهرية أو السرية:
ترتيل القرآن هو تلاوته على غير عجلة، مفسرة حرفاً حرفاً، وفي ذلك يأمرنا الله سبحانه وتعالى: (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً)(المزمل: من الآية4) ، وهذا الترتيل والتأني سبب للتفكير المؤدي إلى الخشوع، والقرآن غني عن التعريف والحديث عنه في هذا الكتاب، وإنني أكتفي بتذكير إخواني بتأمل الآية الكريمة التالية، تأملاً يفضي إلى فهم معانيها قدر المستطاع: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ)(الزمر:23) ، فقراءة القرآن الكريم بتمعن سبب للخشوع في الصلاة بدليل قوله تعالى في الآية الكريمة: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(الحشر:21) ، فإذا كان الجبل يخشع ويتصدع من خشية الله، فالقلوب أولى بهذا التأثر، وأولى بالخشوع لله، فهي أكثر رقة وشفافية.
49. جدد باستمرار في الآيات التي ترددها في صلاتك:
إن تكرار قراءة نفس الآيات الكريمة في كل صلاة يحول صلاتك من عبادة إلى عادة، ويحول أداءها إلى شكل آلي، فلا تعلم ولا تعي شيئاً مما قرأت، وهذا يحرمك من التفكر في معانيها لتكرارك لها في كل صلاة، وبذلك تفقد الوعي الذهني لما تقول وهو الذي يبنى عليه الخشوع، فتدخل الصلاة وتخرج منها لا تعلم عنها شيئاً، والتكرار يحرمك من المرور على بقية آيات القرآن الكريم والتنعم بمعانيها، لذلك جدد ونوع في الآيات التي تقرؤها؛ حتى تحافظ على نشاطك وخشوعك في الصلاة، فالتنويع من السنة، وعكسه سبب في عدم الخشوع، ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينوع في الآيات، فكان يقرأ آيات معينة لمناسبات معينة ولصلوات معينة، ويمكن الرجوع إلى صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم .
50. احرص على لفظ الكلمات كاملة، واضحة، وتامة في موقعها:
الصلاة ليست مسابقة في سرعة قراءة القرآن، فمن أراد الخشوع في صلاته عليه بالتأني، والتأني لا يعني الإطالة دون داعٍ، وإنما يكون بإخراج أحرف الكلمات كاملة غير منقوصة، متأملاً معانيها واقفاً عند حدودها، متجنباً نواهيها، مستعظماً قائلها، أما السرعة في لفظ الكلمات وسرقة أحرف منها وعدم لفظها، فليس فيه شيء من تعظيم الصلاة، أو الرغبة في الخشوع، وهل يأتي الخشوع لإنسان لا يرغب فيه أو لا يبحث عنه، اربط رغبتك بالخشوع بحسن التنفيذ، وتذكر أن الصلاة ليست مسابقة في التلاوة، وإن كان فيك هذا العيب فاعلم أنه لا خشوع لك.
51. حاول الاستفادة من المناسبات بقراءة الآيات الذاكرة لها والدالة عليها:
تمر مناسبات دينية كثيرة على طول السنة، منها الكبيرة كشهر رمضان، ومنها العابرة كذكرى معركة والإسراء، عزز هذه المناسبات الدينية في قلبك، واختر الآيات الدالة عليها من القرآن الكريم لترددها في صلاتك، ولتربط هذا الدين مع الواقع الذي تعيشه وبين المناسبة بتلاوة آياتها في صلاتك، والتفكر بها لتقودك إلى مزيد من التفاعل والتقارب مع الدين الذي تؤمن به، فتزداد به محبة وتعلقاً وإقبالاً وحتى فهماً، فتستشعر عظمة المناسبة.إن هذا الربط والاستشعار بعظمة المناسبة وعظمة هذا الدين لا شك بأنه سوف يحرك عواطفك نحو المناسبة، فتزداد إيماناً يقودك إلى الخشوع بإذن الله.
52. تابع قراءة الإمام وتأمل معاني الآيات، واسأل وابحث عن معاني الكلمات:
تقدم أن التلاوة الجيدة من قبل الإمام سبب للخشوع في الصلاة، ولكن حتى تتم هذه الاستفادة لا بد من متابعة هذه القراءة وفهم معانيها واستيعابها، والحاصل أن كثيراً من المأمومين تراهم قد سرح تفكيرهم نتيجة عدم القراءة وعدم متابعة الإمام، فيكون ذلك سبباً في فقدان الخشوع، لغياب الوعي الذهني، والأمر لا يتوقف على الاستماع فقط وإنما يتعداه إلى فهم المعاني الواردة في الآيات فهماً يقود إلى التفكير والبحث عن كل ما هو غريب من كلمات تمر أثناء القراءة، وقد مدح الله الذين أوتوا العلم بأنهم أقرب من غيرهم للخشوع (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ)(صّ:29) ، والتدبر يحصل بالعلم بمعاني الكلمات والتفكر فيها، لذلك اشغل نفسك بالقرآن في معرفة معانيه من خلال ما تتلو أو يتلى عليك ولا تجعل المعاني الغامضة عليك تمر هكذا دون أن تولد لديك شعوراً بالمسؤولية في وجوب معرفة معناها حتى نكون ممن وصفهم الله في كتابه العزيز: (وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمّاً وَعُمْيَاناً)(الفرقان:73) ، تابع الإمام وتابع قراءته وتابع المعاني ففي هذا انشغال لك، وخشوع بإذن الله.
53. لا تشغل نفسك بثيابك، أو بمكان الصلاة، فتخسر الخشوع:
بعض الملابس لا تتناسب مع الركوع والسجود والخفض والرفع، فربما تكون ضيقة أو واسعة، فيلزم رفعها في كل مرة، وتسويتها وحفظها من السقوط، وهذا كله انشغال فيما لا يجب الانشغال به في الصلاة، فلماذا نقدم على الصلاة في مثل هذه الملابس ونحن نعلم أنها سوف تشغلنا عن الصلاة، فإذا كنا حقاً مهتمين بالخشوع فإن هذه الملابس سبب في غيابه، فلِمَ نبقي عليها أو نقدم على الصلاة بها، ونضحي بالخشوع، وقد يكون في موضع السجود شيئاً ما فتنشغل به في كل مرة تريد أن تسجد فيها، بل إن تفكيرك سوف يسبق سجودك، فينشغل ذهنك في كيفية تسوية موضع السجود قبل السجود، وفي هذا تشتيت للفكر الذي هو أساس لخشوع القلب، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد: "لا تمسح وأنت تصلي، فإن كنت لا بد فاعلاً فواحدة تسوية الحصى"، وحتى هذه المرة الواحدة المسموح بها إنما هي للأمر الطارئ فقط، أما الأصل فهو تسوية موضع السجود قبل الدخول في الصلاة.
54. توسع في فهم معاني الفاتحة، توقف عندها لتستشعر فيها الخشوع كله:
الفاتحة هي أم الكتاب، ومعنى أم الكتاب أنها تحوي من كل ما تحدث عنه القرآن الكريم، فهي شاملة لجميع المعاني التي تتناولها بقية آيات القرآن الكريم، لذلك جاءت قراءتها في كل ركعة من الصلاة بمثابة مرور على كل معاني القرآن الكريم، وهذا العمق في الفهم لها ولآياتها لا يأتي إلا بعد تأمل شامل كامل لمعانيها من كتاب أو أكثر من كتب التفسير للقرآن الكريم، فإن كنت حريصاً على فهم أكثر سورة ترددها في حياتك وفي كل ركعة من صلاتك فكتب التفسير أمامك تنتظر جهدك.
جاء في الحديث القدسي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ، قال الله: حمدني عبدي ، فإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) ، قال الله: أثنى علي عبدي ، فإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، قال: مجدني عبدي، فإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، قال هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيم ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) ، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل" ، فتأمل هذه المحادثة بين المصلي الخاشع وبين رب العالمين، ألا تطمع في أن تكون العبد الخاشع الذي يحادثه الله ويستجيب له.
يتبع