55. تأمل معنى التعهد (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الذي تردده في كل ركعة:
في سورة الفاتحة التي نكررها في كل ركعة تعهد يصدر منا مع كل ركعة نركعها لله، هذا التعهد هو (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ، ونحن نمر على هذا التعهد دون تركيز يذكر، وذلك بسبب جهلنا بمعانيه، ولو أننا فهمنا بمعناه لكان مروره على قلوبنا يهزنا هزاً لما يحمله من معنى والتزام، وإذا أردت الاستزادة عن هذا التعهد فعليك بكتاب ابن القيم (مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين) ، الذي يقع في ثلاثة أجزاء تتجاوز عدد صفحاتها (1500) صفحة تتحدث كلها عن معنى " إياك نعبد وإياك نستعين "، فتصور لو أن شيئاً من هذه المعاني حضرك وأنت في الصلاة، لأثر على خشوعك ولما استطعت أن تمر عليه ساهياً كما يمر الكثير منا، اجعل معانيها تمر على قلبك، واستشعر بالمسؤولية التي عليك عندما تنطق بهذا التعهد ففيه كل المعاني إن لم يكن كل القرآن.
56. ثق بكلمة آمين ودعها تملؤك خشوعاً:
بعد انتهاء الإمام من قراءة الفاتحة نقول جميعاً آمين، بمعنى اللهم استجب، وذلك رداً على طلب اهدنا الصراط المستقيم، وهذا الطلب ليس بالطلب الهين البسيط، وإنما هو طلب للجنة بعينها فيما لو هدانا الله، لذلك يجب أن نكون واعين كل الوعي حين نقول اللهم استجب، مختصرة بكلمة آمين، بل يجب إخراجها من القلب وبنية صادقة لتلقى الاستجابة من الله العزيز الكريم، أما إن صدرت هذه الكلمة من اللسان فقط دون أن تمر على القلب فلا معنى لها ولا استجابة، لذلك أخرج كلمة آمين من أعماق قلبك، مليئة بالأمل بالله، ليكون لها الأثر في زيادة خشوعك في الصلاة، ولا تجعل هذه الفرصة في الاستجابة وفي الخشوع تفوتك، ولنتذكر قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم : " إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه".
57. قبل الركوع اسأل نفسك عن ما قرأت، فإن لم تعِ ما قرأت أعد القراءة:
نحن نسعى لصلاة فيها خشوع، وحيث أن هدفنا واضح فإننا نستطيع قياس ما تحقق منه أولاً بأول، فإذا ما أتممت القراءة وهممت بالركوع اسأل نفسك عما قرأت، وهل وعيت ما قرأت، فإن كان الجواب بالنفي، أعد القراءة بوعي، فنحن لا نريد أن نضيع أية ركعة دون خشوع، ونريد أن ندرب أنفسنا عليه، وبهذه الطريقة لن تمر ركعة إلا وقد حصل فيها الوعي المؤدي للخشوع، أعد القراءة إذا لزم الأمر مرات ومرات فالهدف هو الوعي والخشوع، وبعد قليل من التركيز فانك لن تحتاج إلى أي إعادة أن، لأن من طبيعة الإنسان أنه إذا علم أن عليه إعادة أن هو اخطأ، فانه سوف يركز منذ البداية كي لا يخطئ فيتوجب عليه الاعادة، والتجديد في الآيات التي تتلوها يبعد عنك السهو ويجعلك أكثر انتباها لما تقرأ ويبعد عنك الآلية في القراءة فتعي ما تقرأ، ولا تعود بحاجة إلى الاعادة، بل سيزيدك هذا التركيز خشوعا.
58. عند الرفع من الركوع أو السجود اسأل نفسك هل سرحت:
كما تقدم في النصيحة السابقة، هدفنا واضح ويمكن قياسه في مراحل التنفيذ، وعليه افحص نفسك عند الركوع والسجود والرفع، هل سرحت؟ حتى تعيد لنفسك التركيز والوعي بما تفعل حرصاً على الخشوع، وقبل الانتهاء من الصلاة، بمعنى آخر اجعل هم الخشوع موجوداً معك في الصلاة، حتى تعيد لنفسك الخشوع في أية لحظة تسهو بها، فلا تسمح لها بالغياب لحظة عن الخشوع، وهذا الفحص مطلب في البداية فقط، ثم بعد ذلك يصبح الخشوع عندك شيء قد تعودته ، يجري عندك في الدم، فلا حاجة لتفقده إلا فيما ندر، ولتعلم أن مجرد اهتمامك بالخشوع والتنبه إليه ومحاولة قياسه أثناء الصلاة لدليل عن وجود الرغبة في الحصول على الخشوع، ومن كانت هذه رغبته وقد وضعها في مركز تفكيره فسوف يحصل عليه بلا شك.
59. احفظ عدداً من الأدعية لتدعو بها في الركوع والسجود والقيام:
الخشوع لحظات تذلل لله سبحانه وتعالى، هذه اللحظات يجب أن تستغل في الدعاء إلى الله، فإن كنت جاهزاً حافظاً لعدد من الأدعية، فإن ذلك سوف يساعد على استمرار عملية الخشوع لديك، بل سوف يعززها الدعاء المتواصل والتذلل لله تعالى عندما تدعوه طالباً رحمته طامعاً في جنته، وأكثر ما يكون الدعاء مستجاباً في السجود وحين الخشوع، فإذا ما اجتمعا معاً ( السجود والخشوع )، فهي قمة الاستجابة، وفي ذلك يعلمنا الله : (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (الانبياء:90) ، فكان من أسباب الاستجابة له الدعاء في لحظات الخشوع رغبة في ما عند الله من رحمة، ورهبة من عذابه، مع الخشوع التام لله، ونذكر بدعاء ذي النون ( النبي يونس ) عليه السلام، إذا نادى ربه وهو في الظلمات بالدعاء العظيم: (أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)(الانبياء: من الآية87) ، فهو ناء مضمون الاستجابة، إن خرج من قلب مؤمن صادق راغب في الله وفي الخشوع له، ودليل ذلك في بقية الآية الكريمة التي تقول: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) (الانبياء:88) ، ركز على فهم معنى (وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
60. جلسة التشهد فيها مجال للسهو، افهم معانيه لتحافظ على خشوعك:
إن حرصنا على الخشوع حرص ممتد على كل لحظة من لحظات الصلاة، لذلك نبحث عن أية نقطة ضعف يمكن للشيطان أن يدخل منها ليوسوس فيها للإنسان كي نعالجها، ومن بين هذه النقاط لحظات جلسة التشهد، التي قد يسهو فيها الإنسان، لذلك افهم واستوعب معنى التشهد والصلاة الإبراهيمية، كي تستطيع التفاعل معهما حين قراءتهما، كي نستذكر فيهما حب الرسول صلى الله عليه وسلم وأهمية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى الصحابة أجمعين كما وردت في التشهد، وسوف تلمس في التشهد معاني السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم، فكلما صليت على النبي صلى الله عليه وسلم كلما صلى عليك الله، وكلما سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم كلما رد عليك النبي صلى الله عليه وسلم السلام، فأي شيء أعظم في هذه الدنيا من صلاة الله عليك وسلام نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
61. إذا أنهيت التشهد قبل الأمام أشغل نفسك بالدعاء حتى ينهي الإمام بالسلام:
قد لا ينهي الإمام قراءة التشهد بسرعة، وتنتهي أنت منه قبل الإمام، فلا تدري ماذا تفعل، فتكون فرصة للشيطان ليوسوس لك بأشياء كثيرة، ويسلب منك الخشوع، لذلك أشغل نفسك بمجموعة من الأدعية تدعو بها الله حال الانتهاء من قراءة التشهد، وبذلك تفوت الفرصة على الشيطان في وسوسته، وهذا ما علمنا إياه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: "إن الله هو السلام، فإذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإنكم إذا قلتموها أصابت كل عبد لله صالح في السماء والأرض، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ثم ليتخير من المسألة ما شاء".
62. اجعل من دعاء القنوت فرصة لك لمزيد من الخشوع والبكاء:
الحاجة سبب للدعاء، والدعاء فاتحة لحسن الأداء، والسنة الشريفة فاتحة لكمال الأعمال، وجمال الكلمات سمو في الدعاء، ودعاء القنوت من الأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يدعو به في النوازل ووقت الحاجة وهو: " اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا برحمتك واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، فلك الحمد على ما هديت، ولك الشكر على ما قضيت، نستغفرك اللهم من جميع الذنوب والخطايا ونتوب إليك، اللهم ..، اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك،اللهم.. ، اللهم إني أسألك.."، اجمع كل هذا مع بعضه في قلبك، وأخرجه بنية صادقة صافية؛ لتجد أنك قد خشعت تفاعلاً مع معاني هذا الدعاء الذي كان يدعو به الرسول في النوازل.
63. إذا شعرت بأنك أسرعت في صلاتك دون خشوع، أنقذ ما تبقى منها بخشوع:
قد يسهو الإنسان في لحظة من اللحظات أثناء الصلاة، وليس أدل على السهو من الإسراع في الصلاة، فهو المؤشر على السهو وفقدان الخشوع، فإذا ما حدث لك ذلك، تنبه إليه، وترو بما تبقى من الصلاة، وحاول إكمال صلاتك بخشوع للفوز بما تبقى منها بخشوع؛ فالصلاة التي تفوتك دون خشوع خسارة لا تعوض، لذلك احرص على أن تؤدي كل جزء منها بخشوع، فغن فاتك جزء فهو دعوة لك للتركيز أكثر على ما تبقى منها حتى تعيد لنفسك الخشوع، فلا تفرط منها بشيء، بل زد من حرصك على ما تبقى لتعوض به ما فاتك، فإذا ما انتهت الصلاة كلها وأنت مسرع ولم تشعر إلا بعد انتهاء الصلاة، فلا بأس من إعادة مثل هذه الصلاة.
64. وزع خشوعك على جميع أجزاء الصلاة من تلاوة وركوع وسجود:
الخشوع ليس في القراءة فقط ولا في الركوع فقط ولا في السجود فقط، وإنما هو في الصلاة كلها، من لحظة التكبير حتى لحظة التسليم، بل قد يسبق الخشوع التكبير، ويستمر معك بعد انتهاء الصلاة، ولكن لحظات عظمته في داخل الصلاة، وهذا الفهم الصحيح يقودنا إلى أن يكون اهتمامنا بالخشوع اهتماماً بكل أجزاء الصلاة، من قراءة وركوع وسجود، فلكل جزء طعمه الخاص من الخشوع، بل إن الفهم يشكل عاملاً مساعداً على الخشوع، وذلك بمعرفة طعم الخشوع لكل جزء من الصلاة، ومحاولة تذوق هذا الطعم عند الوصول إليه، وإن فاتك تناول جزء منه فلا يفوتك تناول بقيته، وهذا التنوع في طعم الخشوع ولذته لا يأتي في المرحلة الأولى من الخشوع، وإنما في المراحل المتقدمة منه، وسوف تكتشف أيضاً أن لكل صلاة لذة خشوع خاصة بها.
إذن فلنحاول الوصول إلى الخشوع أولاً، وليكن خشوعنا موزعاً على كل أجزاء الصلاة؛ كي نستمتع بلذة أطعم الخشوع المختلفة في المراحل المتقدمة.
65. احرص على سجود التلاوة، فهو لحظة خشوع وخضوع تام ودعاء:
"أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"، هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، ورب العزة يقول: (وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) (العلق:19) ، والقرآن الكريم يحوي ستة عشرة موضعاً، ومن السنة إن مر القارئ على أي منها أن يسجد لله تعالى، لذلك يسمى سجود التلاوة، ومختصرا "سجدة" وقد وصف الله عباده الصالحين في الآية بأنهم: (إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً) (مريم:58) ، وفي أية أخرى أكد أن هذا السجود سبب لزيادة خشوعهم: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (الاسراء:109) .
وسجود التلاوة سبب لدخول الجنة، بدليل أن العكس ( وهو عدم الخشوع) كان سبباً في دخول النار، قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : "إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد، اعتزل الشيطان يبكي، يقول: يا ويله، أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار".ولنتأمل الحال عندما تكون جبهتك، وهي أشرف شيء منك وأعلاه، ملاصقة للأرض، ويداك ملتصقتان في الأرض، وبقية أعضاء السجود كذلك،كلها تنحط عبودية لله، ملتصقة بالأرض التي خرجت منها، والتي سوف تعود إليها، فلا خروج عن الأصل بالتكبر وحقيقة التراب أمامك، وأنت تقول سبحان ربي الأعلى وبحمده، وتكرر ذلك،خاضعاً متذللاً لله، تعظم خالقك وتقول سبحانه هو الأعلى في شأنه، جل في علاه، وكل ما عداه مستواه التراب، وعائد إلى التراب،فإن كنت صادق النية فيما تقول وتفعل،فأنت مستحق - بإذن الله - أن يستجاب لك، ومستحق لمغفرته لأنك أقررت وميزت بين مقام عبوديتك لله وأنت في مكانك الملتصق في الأرض، ومقام الألوهية لله في علاه، أفلا تكون مثل هذه اللحظات- إن فهمناها - لحظات سكينة وخشوع.
66. إذا وسوس لك الشيطان في الصلاة تمهل، استعذ بالله ثم أكمل صلاتك:
يتبع