. لا تصلِّ والناس ينتظرونك لحاجة، اقضِ حاجتهم ثم صلِّ:
إذا قمت إلى الصلاة وكان هنالك أشخاص ينتظرونك لتقضي لهم حاجة، فإن فكرك سوف يكون مشغولاً بحاجتهم فلا صفاء ذهني ولا تركيز، وربما تدفعك رغبتك بقضاء حاجتهم إلى الانتهاء من الصلاة بسرعة دون تركيز أو خشوع، فتخسر بذلك خشوعك وصلاتك، وربما يحدث العكس؛ فيدفعك وجودهم إلى التحسين في صلاتك على غير ما تؤديها عادة لو كنت وحدك، فيدخل بذلك الرياء إلى قلبك، فينعكس الخشوع إلى نفاق ورياء، ولربما يكون من بين المنتظرين أشخاص لا تربطهم بالصلاة علاقة ( لا يصلون )، فينظرون إلى قيامك للصلاة على أنه تهرب من قضاء حاجتهم، وأنك اتخذت من الصلاة مهرباً، فيزرع ذلك أثراً سيئاً في أنفسهم عنك وعن الصلاة وعن كل المصلين، وليس هذا هو الأثر الذي نسعى لأن نتركه في نفوس الناس عن الصلاة والمصلين وخاصة عند مثل هؤلاء.
18. إذا تأزمت بالوقت فلا تسرع في الصلاة، صلِّ بتأنٍ وأجِّل أو الغِ السنة:
لا يخلو الإنسان من الانشغال أحياناً أو النسيان فيقوم إلى الصلاة وقد أدركه الوقت ولم يبق على الصلاة التي تليها شيئاً يذكر، لذلك نراه يسرع في صلاته رغبة في إدراكها قبل حلول الصلاة التي تليها متخلياً بذلك عن السكينة والطمأنينة، وهذا التصرف ليس صحيحاً، فحتى في مثل هذه الحالات لا تسرع في صلاتك وتؤديها دون خشوع، فتنقرها نقراً رغبة في إدراك الوقت؛ لأنه في مثل هذه الحالة لا يسجل لك من صلاتك شيء، وتكون قد خسرت ثواب الصلاة كلها وليس الخشوع فقط، لذلك تأن وصل الفرض منها فقط واترك السنة، ولكن مقابل الطمأنينة والخشوع في أداء الفرض منها، فيكتب لك بذلك من صلاتك أكثر مما لو صليت الفرض والسنة دون تركيز وخشوع، ورب معترض يقول كيف نلغي السنة، فأقول إن هذا ليس هو المبدأ الذي ندعو إليه، وإنما الذي ندعو إليه هو حل لحالات خاصة قد تضطر إليها، ونريد فيها إخراجك من حالة الخسارة التامة إلى حالة خسارة جزئية، فلا خير في صلاة لا تعطيها حقها، تكون فيها قد أضعت الفرض والسنة، وإنما الخير في الصلاة التي تؤديها بخشوع ولو اقتصرت على الفرض منها فقط.
19. إذا كنت مسافرا فاقصر الصلاة، فالقصر لا يعني عدم الخشوع:
يعتقد البعض أن قصر الصلاة يفقدها الخشوع، لذلك لا يلجؤون لهذه الرخصة التي منحنا إياها الله رغبة في الخشوع في الصلاة، وكأن قصر الصلاة يعني عدم الخشوع، والواقع أن قصر الصلاة لا يعني أبداً هضم حقها من الخشوع أو عدم إتمامها حسب الأصول دون طمأنينة، فصلاة الظهر عندما تقصر تصبح ركعتين، مثلها مثل صلاة الصبح، فهل كون صلاة الصبح ركعتين يفقدها الأهمية أو حقها في الخشوع؟ لا بالطبع، لذلك لا تنظر للأمر على أنه عدد من الركعات يجب أن تؤديها فتربط أهميتها بعدد الركعات فيها، فالله هو الذي منحنا هذه الرخصة والصلاة هي لله، فهي سواء إن كانت ركعتين أو أربع ركعات، وإنما هو تخفيف من الله ورحمة، لذلك انظر إلى الصلاة على أساس أنها وحدة من العبادة، واسأل نفسك كم خشعت فيها، فالأمر ليس بالعدد، وإنما بمقدار الخشوع الذي تم فيها، والذي بمقداره سوف تثاب، فقصر الصلاة ليس ضد الخشوع.
20. لا تقم للصلاة وأنت في حالة غضب:
نعم، ارقد قليلاً حتى يذهب غضبك أو جزء منه، جدد وضوءك، استعذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قم إلى الصلاة، لأنك لو قمت إلى الصلاة وأنت في حالة من الغضب فإنك لن تخشع في صلاتك ؛ لأن ذهنك وقلبك غير خاليين، وإنما يملؤهما الغضب، فلا سكينة ولا وقار، وبذلك تخسر الخشوع، بل ربما يوسوس لك الشيطان وأنت في مثل هذه الحالة من الضعف فيقودك إلى الكفر عندما يدفعك للتساؤل لماذا أنا أصلي، وأين العدل، ولماذا يحدث ذلك معي وحدي، إلى غير ذلك من التساؤلات التي لا تقود إلا للكفر، لذلك إذا كنت واقفاً فاجلس، وإذا كنت جالساً تمدد قليلاً، اصبر قليلاً حتى يزول جزء من غضبك ثم قم وجدد وضوءك، فيزول بقية غضبك مع الوضوء، لأن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، ولا يطفئ النار إلا الماء فأطفئ غضبك بالوضوء بالماء ثم استعذ بالله من الشيطان الرجيم، فيزول عنك ما تبقى من غضبك، ويزول ما في قلبك وتصبح جاهزاً للصلاة، وإذا ما اضطررت بعد ذلك للانتظار فلا بأس وفي هذه الحالة ننصح بتكرار الوضوء، وفي حالة وجود إنسان أمامك في حالة من الغضب، وقد حان موعد الصلاة، فربما من شدة غضبه ينفجر بك قائلاً: لا أريد أن أصلي، لذلك فالتصرف السليم والكيس في مثل هذه الحالة هو أن يقال له: قم وجدد وضوءك.
21. لا تقم للصلاة مباشرة من جلسة ضحك ولهو، اصبر قليلاً ثم قم للصلاة:
ما زلنا ننطلق من أن الخشوع عبارة عن صفاء ذهني أولاً، يتبعه قلب متعلق بالله فإذا ما قمت إلى الصلاة من جلسة ضحك ولهو، فسوف تقوم وذهنك عامر بما قيل من الضحكات، وقلبك ممتلئ باللهو، وسوف تدخل إلى الصلاة وذهنك لم يصف بعد ولا قلبك، وربما تنهي صلاتك ولم يصف بعد، هذا إن لم تكن تصلي والابتسامة تعلو شفتيك من أثر الضحكات التي قيلت، والتي تطفو على سطح تفكيرك فتدفعك إلى التبسم وأنت في الصلاة، وعليه فلا خشوع حتى يصفو الذهن مما قيل ويفرغ القلب من هواه، ويعود إلى صفائه، ثم قم إلى الصلاة، وسوف يكون أفضل لو أنك جددت وضوءك؛ لتعيد لنفسك شعورها الديني بالعبادة، وتذهب عنك الشيطان.
ومن ناحية القلب فإن استحضاره للخشوع من جلسة لهو وضحك يتطلب فترة من الوقت، قد تطول أو تقصر بحسب شدة اللهو الذي كان فيه القلب، لذلك إن كنت راغباً وباحثاً عن الخشوع فلا تقم إلى الصلاة مباشرة من جلسة لهو، بل أعط كل شئ حقه، وانتظر الفترة التي تشعر أنك بحاجة إليها؛ ليفرغ قلبك من اللهو استعداداً للصلاة بخشوع، والأسلم من ذلك الإقلال من مثل هذه الجلسات لأن أثرها لا يزول سريعاً.
22. لا تصل وأنت يغالبك النوم، ارقد حتى يذهب النعاس ثم صل:
النعاس لا يجتمع مع الصفاء الذهني، ولا يجتمع مع الوعي في الصلاة، فواحد منهما فقط تستطيع الحصول عليه، فإما أن تصلي بلا خشوع وأنت يغالبك النعاس، أو ترقد قليلاً فيذهب عنك النعاس ثم تصلي بخشوع، وحيث أن الشخص الذي يغالبه النعاس شخص لا يعي ما يقول فتكثر أخطاؤه في الصلاة، وربما تصل إلى حد خروجه من الصلاة دون أن يدري، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "إذا نعس أحدكم وهو يصلي فليرقد حتى يذهب عنه النوم، فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لا يدري لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه"، وسب النفس ليس هدف من يريد الخشوع في الصلاة، لذلك ينصح بشدة في هذه الحالة بتجديد الوضوء، فالماء ينشط الدورة الدموية، ويذهب النعاس، فيكون سبباً في الحصول على الخشوع في الصلاة، كما ينصح عند انتظار الصلاة بعدم الاستسلام للنوم بتمديد الجسد وأخذ هيئة النوم؛ فهذا يجلب النعاس، بل ينصح بالجلوس جلسة صحيحة،وهذا يساعد على طرد النعاس.
23. ضع أمام عينيك عظم ثواب الخاشعين وعظم خسارة المردودة صلاتهم:
للصلاة بخشوع أجر كبير عند الله، يصل لدرجة عدم قدرة البشر على تصورها أو إحاطتهم بها علماً لعظم هذا الأجر وثوابه العظيم، وهذا واضح في الآية الكريمة في قول الله تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ(15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون(َ16) فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة:17) ، وهذا الأجر العظيم سوف يتناسب مع درجة الإيمان والخشوع القائم عليها المصلي، لذلك فإننا نسعى للوصول لأعلى الدرجات في الخشوع، لنحصل على أعظم الثواب.
ولقد مدح الله الخاشعين أناء الليل، ولم يساو بينهم وبين غير الخاشعين، بل فضل الخاشعين واعتبرهم كما جاء في الآية الكريمة هم الذين يعلمون لقيامهم بما أوجب الله عليهم، ولخشيتهم منه، واعتبر الذين لا يعلمون هم الذين لم يعلموا حق الله وقدرته فلم يخشوه، فقال في كتابه العزيز : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9) ، وفي الحديث الشريف يبين لنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن الله أخذ على نفسه عهداً بأن يغفر لمن صلى وخشع له، ومعلوم أن من غفر له الله دخل الجنة، وذلك في الحديث الشريف: "خمس صلوات افترضهن الله عز وجل، من أحسن وضوءهن وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن،كان له على الله عهد أن يغفر له، ومن لم يفعل، فليس له على الله عهد، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه"، وفي حديث آخر يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من امرئ مسلم تحضره صلاة مكتوبة فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب، ما لم تؤت كبيرة، وذلك الدهر كله".
24. ضع أمام عينيك أن ركعتين تخشع فيهما تدخلانك الجنة وأنه عندما يحين موعد الصلاة ، يحين موعد توزيع الثواب:
الجزء الأول:
جاء في الحديث القدسي: "يعجب ربك عز وجل من راعي غنم، في رأس شظية بجبل، يؤذن للصلاة ويصلي، فيقول الله عز وجل: انظروا إلى عبدي هذا، يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني، قد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة". واضح من الحديث أن ركعتين يصليهما المرء بحسن أداء وخشوع لله خوفاً وطمعاً يمكن أن تدخلانه الجنة، فلم لا نحاول أن نصلي مثل هاتين الركعتين في يوم ما، ولو تطلب الأمر منا عدة محاولات نؤديها في أيام تالية عسى الله أن يوفقنا في الوصول إليهما.
الجزء الثاني:
لو علمنا أن هنالك جوائز توزع على شيء نتقنه، فإننا ننطلق لذلك ولو كان في أي مكان، رغبة في الحصول على هذه الجوائز، وثواب الخشوع وجائزته أعظم عند الله، وهي على قدر المعطي، فلم لا نسعى للخشوع، وكأنها مسابقة نريد أن نثبت فيها حسن أدائنا ونفوز بأكبر جائزة يمكن أن تمنح، ومن كرم الله أنه لا يرد أحداً، بعكس المسابقات الدنيوية، فإن لم تكن الفائز الأول أو الثاني عند رب العالمين، فهنالك جوائز ترضية لكل من تقدم للمسابقة، كل على قدر جهده المبذول فيها، فاحرص على بذل كل ما تستطيع من جهد، ونحن في الحياة الدنيا نسعى لزيادة أرصدتنا من كل شئ، فلم لا نسعى إلى زيادة أرصدتنا لدى رب العالمين من خلال إتقان كل صلاة نصليها.
25. لا تكن سبباً في فقدان غيرك للخشوع كي لا تفقده أنت أيضاً:
قد يرغب الإنسان أحياناً في الصلاة في الصف الأول فيحاول اجتياز المصلين، وقد يرغب في توجيه مصل آخر إلى خطأ ما، أو غير ذلك من الأسباب التي تدفعه إلى الاحتكاك مع المصلين، فيخطئ في الأسلوب، فيكون سبباً في توتر مصل آخر أو أكثر، فلا يعد هذا المصل قادراً على التركيز فتكون أنت السبب في فقدانه الخشوع، وربما تتطور الأمور، فيرد عليك بما يوترك أو يغضبك، فتفقد أنت الآخر القدرة على التركيز والخشوع في الصلاة، وربما يتعدى الأمر فيمتد إلى أكثر من مصلي فتتوتر أحوالهم، وبذلك تكون أنت الذي جنيت على نفسك وعلى الآخرين، وليس هذا ما نسعى إليه، فلنحذر إذن من الوقوع في مثل هذا الأمر بزيادة صبرنا وسعة صدرنا على المصلين الآخرين.
26. إن كنت مريضاً أو بك رشح فاستعن مسبقاً بالمحارم أو الأدوية:
الرشح يتطلب استخدام المحارم وبكثرة ، وعليه سيكون الحال سيئاً جداً إذا لم تكن تحمل مَحارماً في جيبك، ومحرجاً في نفس الوقت ، وسوف تنشغل بمدافعة السيلان من أنفك بطرق غير لائقة، وهذا بمجموعه لن يكون في صالح عملية الخشوع، لأن الخشوع سكون للجوارح وصفاء ذهني ، فإن كنت حريصاً على الخشوع جهز نفسك بما يلزم من المحارم أو الأدوية الخاصة بك إن كنت مريضاً بمرض يتطلب منك تناول الدواء باستمرار ، وذلك حرصاً على أن تكون عند تأدية الصلاة في أحسن أحوالك الصحية، غير متأخر عن أخذ الدواء ، فلا يشغلك ذلك ولا يتعبك أثناء الصلاة ، وإذا كان الأمر بهذه البساطة فلم نضحي بالخشوع طالما أن الأمر بأيدينا ويمكن معالجته بسهولة ويسر.
27. توقف عن النظر إلى المحرمات مباشرةً أو من خلال التلفاز أو الأفلام:
ذكرنا أن أكل الحرام مانعاً من موانع الخشوع؛ لأنه يتناقض مع تعظيم الله والخوف منه، ونضيف الآن أن النظر إلى المحرمات يضعف من الخشوع لديك؛ لأن كثرة النظر إلى المحرمات يوقظ فيك حب الدنيا والرغبة في قضاء الشهوات، ولأن من طبيعة الإنسان أنه يتولد لديه رغبة في امتلاك ما يرى، خاصة إذا كان شيئاً جميلاً فتشتهيه النفس وتطلب منه، بل وتبدأ في السعي في امتلاكه، وهذا كله لا يتعارض مع صفة القلب الخاشع الذي سكنت فيه نار الشهوات وخرج منه حب الدنيا والتعلق بها، واتقدت فيه محبة الله والرغبة في جنته والخوف من عقابه.
كما أن تزاحم هذه الصور في ذهن الإنسان يجعل فكره وقلبه مشغولاً ومتعلقاً بها، مما يشكل عائقاً أمام صفاء فكره وفراغ قلبه لربه، بل أكثر من ذلك، ربما تطفو إحدى هذه الصور أو المواقف على سطح تفكيره أثناء تأديته للصلاة، فبدل أن يسرح في حب الله وملكوته، فإنه يسرح في هذه الصور أو المواقف، ولك أن تتخيل حينها شكل الصلاة التي تؤديها.
يتبع