ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) (لأعراف:17) ، هذا ما توعد به الشيطان ابن آدم، بأن يأتيهم من كل الجهات، والشيطان لا يأتي للإنسان وهو قائم على معصية؛ لأنه في الوضع الذي يريده الشيطان أن يكون فيه، فهو قائم على معصية، ولا توجد لإبليس أهداف أكثر من ذلك عند هذا الشخص، وهو ليس عدواً لإبليس بل هو عون لإبليس على نفسه وعلى عباد الله المؤمنون، وتبدأ مساعي الشيطان عند الشخص الذي ليس لديه ميول للعبادة، ولا للمعصية، وهذا لا يريح الشيطان؛ فهو يريد أن يراه قائماً على معصية، فيحاول أن يكمل انحرافه بجره إلى المعاصي، وهذا إنسان سهل على الشيطان؛ لأنه ليس لديه من الإيمان ما يمنع الشيطان من طغيانه، إنما تشتد المعركة مع المؤمن القائم على العبادة، التارك للمعاصي، والذي لديه من الإيمان ما يشق على الشيطان اختراقه، ولكن إبليس لا يستسلم، بل يبقى يحاول ويحاول ويغير من أساليبه وخططه حتى يتمكن من اختراق هذا الإنسان من نقطة ضعف لديه، تكون مدخلاً إلى نفس هذا الشخص ليوسوس له بما يريد محولاً طغيانه.
وبداية هذه الوساوس تأتي لفك روابط هذا العبد مع الله، ليبعده عن العبادة أولاً، ثم ليتمكن منه بتزيين المعاصي له، وأعظم روابط العبد مع ربه هي الصلاة،فإن كانت الصلاة بحق وخشوع فهي بل شك مانعة وحامية له من ارتكاب أية معصية، فليس من المعقول أن يقوم شخص من الصلاة إلى المعصية مباشرة أو بعد ساعات، وليس من المعقول أن يقوم شخص بارتكاب معصية وهو يعلم ويقدر أنه عائد للقاء ربه بعد ساعات، فكيف سيقف بين يدي الله وهو محاط بصلاة قد انتهت وصلاة آتية.
والشيطان يدرك ذلك، ويعلم أنه لن يتمكن من هذا الشخص إلى بعد إفساد خشوعه عليه، لذلك فإن أعظم وساوس الشيطان تأتي في الصلاة، وبالذات للشخص الخاشع، لإفساد لحظات خشوعه عليه، حتى يكون إنساناً سهل المنال، ويحاول أن يفسد عليه ركوعه وسجوده، لأن السجود لله هو عقدة إبليس الكبرى؛ لأنه رفض السجود لآدم بناءً على طلب من الله، واستكبر وأبى وقال أنا خير منه، لذلك لا يطيق إبليس أن يرى إنساناً من بني آدم ساجداً لله سبحانه، في حين أنه امتنع عن ذلك، فكان له ما كان من الجزاء عقاباً له على تأبيه على أمر الله، لذلك فهو لا يطيق أن يرى ساجداً، ويبكي إذا سجد المؤمن ويقول أمر ابن آدم بالسجود ففعل فله الجنة، وأمرت بالسجود فصيت فلي النار، حسب ما جاء في الحديث الشريف.
فإذا علمنا كل هذا عن إبليس وعن أهدافه، فهل نستسلم له أم نكون حذرين من عدونا، ونكون حريصين على خشوعنا، فلا نفتح له الطريق ليوسوس لنا في صلاتنا، ولا حتى في غيرها، فإذا ما استطاع أن ينفذ إلينا وبدأ بوسوسته فلنعلم أنه الشيطان. تمهل قليلاً، استعذ بالله من الشيطان الرجيم، ليعينك عليه، اتفل يساراً واستأنف صلاتك عائداً إلى خشوعك، ومركزاً فكرك في ما تقرأ وتقول، وموجهاً قلبك إلى العزيز الجبار، وهذا ما علمنا إياه رسولنا صلى الله عليه وسلم ، عن أبي العاص رضي الله عنه قال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ذاك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه واتفل على يسارك ثلاثاً"، قال: ففعلت ذلك فأذهبه الله عني. ويعلمنا أيضاً سجود السهو: "إن أحدكم إذا قام يصلي جاء الشيطان فلبس عليه -يعني خلط عليه صلاته وشككه فيها- حتى لا يدري كم صلى، فإذا وجد ذلك أحدكم فليسجد سجدتين وهو جالس".
67. لا تعر من حولك اهتماماً أثناء صلاتك، فيتحول اهتمامك لإرضائهم:
نحن بهذه النصائح نريد أن نرقى بدرجة خشوعنا لأعلى الدرجات، فإن لم نستطع ذلك، فليس أقل من أن نحمي أنفسنا من الهبوط إلى درجة الشرك بالله، وذلك عندما نحسن صلاتنا إذا صليناها ونحن في حضرة مجموعة من الأشخاص حولنا تمعن النظر إلينا، فنحسن من الوقوف،ومن القراءة والركوع والسجود، فنطمئن فيما بين الحركات، ونلبس أنفسنا لباس الخشوع، بإظهار التعبير اللازم على وجوهنا، وهذا كله خطأ، وهذا من الشرك بالله؛ لأنك أصبحت تصلي لله ولمن حولك، والله غني عن الشركاء، وغني عن الشرك به، وغني عن مثل هذه الصلاة التي تؤدي إلى غضب الله عليك، ونحن نريد رحمته ومغفرته، وعليه فلنحذر من أن نعير أياً ممن حولنا أي اهتمام، أو أي شيء من صلاتنا، فلا ندخل عليها شيء لم نكن نفعله مسبقاً، ولا ننقص منها شيئاً كنا نفعله سابقاً، بل نبقي عليها كما هي دون زيادة أو نقصان، حتى لا يترك أي ممن حولنا أي أثر علينا ي الصلاة، فتبقى خالصة لوجه الله تعالى، وأي زيادة أو تحسين يجب أن نؤديه بعيداً عن الناس، حتى يصبح جزءاً من سلوكنا في صلاتنا، فنؤديه بعدها بحضور الناس أو بغيابهم ونحن مطمئنين إلى ما نفعل,
ومن زاوية ثانية، فغن تحسين الصلاة لاستمالة قلوب من حولنا سوف يخرجنا من الخشوع لله؛ وذلك لأن الفكر قد شغل بغير ذكر الله عندما أصبح متجهاً لافتعال الحركات والهيئات للتمثيل على الناس، فلم يعد القلب صافياً لعبادة الله، فقد ذهب الوعي الذي يتبعه القلب.
68. لا تتلفت حولك وأنت في الصلاة، ولا حتى بعينيك:
عندما سئل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه عن الخشوع قال: " الخشوع خشوع القلب، وأن لا تلتفت يميناً ولا شمالاً "، فاعتبر التلفت سبباً رئيسياً لعدم الخشوع، فعندما يتلفت الإنسان حوله فإنه يحرك بصره باتجاه الأشياء التي يعطيها أهمية أكبر، وكلما زاد اهتمام الشخص بما ينظر إليه أطال النظر إليه، وكلما خفت رؤيته لما حوله وصل إلى درجة أن يمر أخاه من أمامه فلا يراه، لأن تركيزه البصري على شيء آخر، وفي ذلك يقول الله عز وجل: (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (الحج:46) ، فهو يشعر أن شخصاً مر من أمامه، ولكنه لا يميزه لأن قلبه منشغل بشيء آخر طغى على تفكيره، حتى أعدم لديه تحليل ما يراه، وحيث أن الخشوع التام انشغال قلب وتعلق بالله، فعليه يكون الخاشع خشوعاً تاماً منشغلاً إلى درجة لا يرى فيها من يمر أمامه، على الرغم من أن عينيه مفتوحتان، لأنه لا مجال لتحليل الصور في الذهن، فالذهن مشغول بحب الله والخشوع له، فإذا ما نزلنا درجة أو درجات من الخشوع التام إلى الأقل يصبح هنالك متسع بسيط في الذهن لتحليل الصور ومعرفة من أمامك، وإذا نزلنا درجات أكثر يصبح هنالك متسع ليس لتحليل الرؤية فقط ، وإنما لتحليل السمع أيضاً، فيتابع ما يجري حوله صورة وصوتاً، فإذا ما انتهت كل درجات الخشوع وجدت أن هذا الشخص يصلي شكلاً، وهو حقيقة يتابع رؤية وسماع ما حوله، بل يحلل كلامهم ويهيئ الردود الناسبة لهم ليقولها لهم بعد الصلاة، وإذا تأزم الأمر معه، ولم يصبر، تجده قد ترك الصلاة ليقول ما في نفسه، فعلى أي درجة من الخشوع تقف، اسأل نفسك، وراقبها.
فإن أردت نصيحة في هذا المجال، فما عليك إلا أن تذكر جيداّ أنك في الصلاة تقف بين يدي الله، وكأنك تراه، فهل تلتفت لغيره، وهل هناك من هو أعز وأجل من الله لتلتفت عنه وتنظر إلى غيره، واعلم أن كل لحظة تسهو بها عن هذا المفهوم ( أنك تقف أمام الله ) هي لحظة خاسرة، يكون الشيطان قد ظفر بها منك، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن لحظات الالتفات هذه في الحديث الشريف: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد".
69. ابتعد عن الحركات النادرة في الصلاة، فليس فيها خشوع:
الخشوع محله القلب، ويسبقه الوعي، فإذا ما اتفقنا على ذلك، فكيف يمكن لأي حركة مهما كانت وكيفما كانت أن تأتيك بالخشوع، لا تصدق ما يروج له البعض من ان بعض الحركات يمكن أن تزيد من خشوعك، افهم معنى الخشوع حتى لا تصبح ضحية لأحد قد يزين لك بعض الحركات، ويؤكد عليها حتى يصورها لك وكأنها الصلاة كلها إن أنت أتيت بها أتيت بالصلاة كلها، وإن تركتها كأنك لم تصل.
أكرر لا تكن ضحية لأحد، واعلم أن الوقوف في الصلاة والركوع والسجود والجلوس إلى التشهد، كل ذلك هيئات نأخذ منها ما هو ثابت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، نبتعد عن الحركات النادرة؛ لأنها لن تجلب لنا المزيد من الخشوع، ولا المزيد من الحسنات، وتركها أولى، وذلك بسبب "إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن إنما ينظر إلى قلوبكم و أعمالكم"، هذا ما علمنا إياه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، وكثرة الحركات مذهبة بالخشوع، ولننظر إلى قول الله تعالى في كتابه العزيز: (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ)(فصلت:39)، فإضافة لمعناها العام في الإحياء أنظر إلى الوصف؛ فالأرض كانت خاشعة، فلما نزل عليها الماء واهتزت زالت عنها حالة الخشوع، فاهتزازها دل على تغيير الحالة، وأنها كانت خاشعة عندما كانت ساكنة، فلم لا نتعلم من القرآن الكريم؟.
70. افهم واستوعب معنى " سبحان ربي العظيم " و " سبحان ربي الأعلى ":
نضيف هنا ضرورة فهم واستيعاب معنى ما يتلفظ به الإنسان عندما يكون راكعاً أو ساجداً، فكلما وعى الإنسان ما يقول كلما كان على قناعة أكثر بما يفعل وبما يقول، فكيف إذا كانت هذه الكلمات مما علمنا إياها رب العالمين " سبحان ربي العظيم " و " سبحان ربي الأعلى " ففيهما من الأسرار ما يملأ الصفحات ولكنه ليس موضوع كتابنا هذا، لذلك نكتفي هنا بذكر القليل وباختصار شديد:
- معنى "سبحان الله" : تنزيه الله تعالى عن كل نقص، وإثبات الكمال له.
- معنى "ربي العظيم": الأعظم شأناً في هذا الكون، الوحيد المستحق للسجود.
- معنى "ربي الأعلى": العلي في كل شيء، علو رفعة ومنزلة، فسبحانه في علاه.
- معنى "وبحمده" : أن كل تسبيحنا هو لحمد الله على نعمه؛ فبحمده ولحمده نسبح.
تذكر أنك تسجد لله وأن هناك أناساً دعوا إلى الركوع فلم يستجيبوا، وأنت دعيت فاستجبت فما أعظم أجرك : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لاَ يَرْكَعُونَ) (المرسلات:48)
إن لحظة السجود ووضع الجبهة على الأرض قمة لحظات التذلل لله سبحانه وتعالى؛ لأن جبة الإنسان هي أشرف شيء لديه وهو تمثل كرامته، فعندما يلصقها في الأرض ويمرغها في التراب تذللاً لله وحباً لله ورغبة في الله ورهباً من الله، فإنه يكون قد أدى ما عليه لله، فكان حقاً على الله تعالى أن يكرمه ويستجيب له بإذنه.
إن كل ما يسبق السجود من تلاوة وركوع ورفع هو تهيئة للوصول لهذه اللحظة العظيمة، لحظة السجود لله في خشوع، فحاول ألا تصل إليها إلا وأنت خاشع لله.
71. حافظ على خشوع جسمك كله، وصبر نفسك على الحكة وغيرها:
كلما ارتقى الإنسان في خشوعه في الصلاة كلما زاد انشغال ذهنه بما يؤديه، حتى يصل إلى درجة انشغال جملته العصبية كلها فيما يخص العبادة فقط، فلا يعود هنالك مجال للشعور بالبرد أو الحر، أو لزوم الحكة أو غيرها، لذلك وجد أحد التابعين أن أفضل طريقة لبتر قدمه التي أصيبت بالغرغرينا دون أن يتألم هي أن يدخل في الصلاة، ثم بعد ذلك يقوم الطبيب ببتر ساقه، وقبل أن ينهي صلاته يكون الطبيب قد أنهى عمله، ولكننا لسنا على مثل هذه الدرجة من الخشوع فنحن نصلي وننهي الصلاة ونحن ما زلنا نشعر بكل ما حولنا، ولا نزال عرضة لحك أجسامنا أو التثاؤب أحياناً، وهذا دليل واضح على ضعف خشوعنا في الصلاة، فهل نستسلم؟ لا، إذن صبر نفسك على الحكة وغيرها، ولا تستسلم لها، فإن طاوعتها ازداد طلب جلدك لها، بل وربما تصبح عندك عادة، فكلما دخلت إلى الصلاة جاء وقت الحكة، فإن أنت أهملتها منذ البداية ارتحت منها حتى النهاية، ولا يعد جسدك يطلبها، بل إن هذا الكبت تدريب يمتد أثره إلى كل الصلوات، بعدها لا تعد تشعر بحاجة إلى الحكة أو غيرها، ولا تصبح عندك عادة.
72. لا تجعل صلاتك تصبح عادة، بل جدد لها في كل شيء حتى تبقى عبادة:
إذا كرر الإنسان فعل شيء عدة مرات في اليوم ولعدة سنوات كالصلاة، فمن المؤكد أنها سوف تصبح عادة، وفي هذا فقدان للخشوع وخسارة للثواب العظيم، وهو قتل للأثر الذي يجب أن تتركه الصلاة في النفس، وعليه فلنحذر من أن نجعل عباداتنا تصبح عادة فتفقد بريقها ونفقد الإحساس بها، احرص على حمايتها من أن تصبح عادة، وذلك بالتجديد فيها دائماً بتجديد في الآيات التي تتلوها، تجديد وتغيير في المسجد الذي تؤدي فيه الصلاة، والإمام الذي تصلي خلفه، تغيير في المكان الذي اعتدت الصلاة فيه في المسجد، تجديد في اللباس الذي تؤدي به الصلاة، وتعديل بكل ما تستطيع حتى الطريق المؤدي للمسجد عدل عليها، اذهب من طريق وعد من طريق أخرى، ولا تستهن بشيء، فكل ذلك حرصاً على صلاتك من أن تصبح لديك عادة، بل نريدها أن تبقى عبادة.
73. لا تهتم بالحركات والتصرفات الشاذة لبعض المصلين في صلاة الجماعة:
كثرت في هذه الأيام الفرق الدينية، وكل فرقة منها تتبنى من الحركات والهيئات في الصلاة ما يدل عليها، وليت الأمر توقف عند ذلك، بل إن كل فرقة من الفرق تحاول أن تفرض الهيئات والحركات التي تؤمن بها على بقية المصلين، مما يسبب البلبلة بين صفوف المصلين، وتكون النتيجة شحنة من الغضب والألم تصيب كل إنسان مؤمن حقاً بالله، حريص على المسلمين وعلى وحدة صفهم، فيدخل الصلاة وهو متوتر الأعصاب، مشوش الفكر، فيخرج منها دون خشوع، ومثله الكثير من المصلين، لذلك لا تهتم بمثل هؤلاء ولا تناقشهم، فهكذا قال لهم مشايخهم، وهذه تعليماتهم ولن يخالفوها أبداً مهما قلت وأعدت وبينت، فاختصر الطريق على نفسك ولا توتر أعصابك، وادعُ الله أن يهديهم، واظفر بالخشوع بنسيانك لأمرهم، واحسب نفسك أنك ما رأيتهم.
74. معظم السرقة من الصلاة تكون من الركوع والسجود، فاحذر ذلك:
إذا كنا مهتمين حقاً بالخشوع، فإننا سوف نعطي الصلاة حقها من الوقت، ولا داعي للتحدث عن السرقة من صلاتها، فهي ليست صفة من يريد الخشوع، ولكننا نتحدث عنها للمبتدئين الراغبين في الخشوع، فيما لو كانت هذه الصفة لديهم، للخروج منها إلى الكمال، فإن كانت لديك هذه الصفة فعليك التخلي عنها كمقدمة للخشوع، وذلك بالتأني في أداء كل حركة وإتمامها قبل الانتقال للحركة التالية، وعدم التلفظ بـ " سبحان ربي .. " قبل اطمئنانك في الركوع أو السجود، وعدم رفع رأسك قبل الانتهاء منها، وليس كما يفعل البعض فيقول واحدة وهو نازل وواحدة وهو ساجد وواحدة وهو رافع، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته، لا يتم ركوعها ولا سجودها ولا خشوعها"، وقال أيضاً "لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطمئن في ركوعه وسجوده حتى يرجع كل عظم إلى موضعه.
75. لا تفهم الخشوع على أنه الإطالة في الصلاة فقط:
بعض الناس تفهم الخشوع على أنه الإطالة في الصلاة، الإطالة في القراءة والإطالة في الركوع، والإطالة في السجود، وهذا ليس من الخشوع، بل ربما تؤدي إطالتك إلى سرحان فكرك، فتكون النتيجة عكسية، وسبباً لفقدان الخشوع، والسبب في هذا الاعتقاد هو نقر البعض للصلاة نقراً، فتكون أولى النصائح التي توجه لمثل هؤلاء التأني في الصلاة، والتأني لا يعني الإطالة، وإنما هو ضد النقر فقط، وإذا عدنا إلى تعريف الخشوع فإننا لا نجد فيه للزمن أي ذكر أو عامل، فالأمر متروك للمصلي يتصرف به كما يشاء، ولكن هنالك حدود للحد الأدنى من الركوع والسجود، وليس هنالك حدود للحد الأعلى لها، فتجاوز الحد الأدنى بالاطمئنان، ثم كن صادقاً مع نفسك، وأطل ما شئت ما دمت منسجماً وخاشعاً، وإذا ما شعرت أن الإطالة سوف تخرجك من الخشوع فلا تطل، بل اكتف بما استطعت، وتذكر بأن الخشوع يحتاج إلى وعي ذهني وتركيز، فإذا علمنا أن الإنسان لا يستطيع استدامة التركيز الذهني لمدة طويلة وخاصة في بداية تعلمه للأمور، فإنه ينصح في بداية تعلمه للخشوع في الصلاة الاكتفاء بالوقت العادي الذي يطمئن فيه إلى ركوعه وسجوده.
76. لا تفكر بالأعمال التي عليك بعد الصلاة، ولا تحاول حلها وأنت تصلي:
وقت الصلاة هو وقت للوقوف بين يدي الله عز وجل وليس هو الوقت المخصص لحل المشكلات والتفكير في أمور الدنيا، فهذا كله يتعارض نع الخشوع، فإذا انشغلت بشيء من أمور الدنيا وأنت في الصلاة، فاعلم أنها وسوسة من الشيطان دخل عليك في صلاتك ليزين لك حلاً من عنده للمشكلة التي تواجهك، ويحاول أن يلبس عليك هذا الحل، فاحذر حلول الشيطان، ولا تحمل همومك ومشاكلك إلى الصلاة حفاظاً على الخشوع وخوفاً من حلول الشيطان، ونحن لا ننكر رحمة الله بنا عندما يوحي لنا حلاً لمشكلة نواجهها، ولكن عادة ما يأتي هذا الحل خارج وقت الصلاة، وإن أتانا في الصلاة فإنه أغلب الظن يأتي في آخرها، ولا يشغل تفكيرنا ونحن في الصلاة، فيأتي فجأة دون تفكير مسبق ودون سابق إنذار، إن كان رحمة من عند الله.
77. لا تطلق العنان للتثاؤب وأنت في الصلاة، حاول كبحه قدر المستطاع:
التثاؤب من الشيطان، ولا يأتي الإنسان وهو في حضرة أشخاص مسؤولين عنه، يشعر بالهيبة في حضورهم، بل لا يخطر التثاؤب على باله في تلك اللحظات، فإذا ما اتفقنا على ذلك، فسوف نتفق على أن الله أحق أن نشاه، وعليه فكيف يخطر التثاؤب على بالنا في الصلاة إن كنا خاشعين، إذن فالتثاؤب مقياس عكسي للخشوع، وعليه فلنتذكر عظمة الله جل جلاله ونحن نقف بين يديه، لتزول عنا أية رغبة في التثاؤب، والرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا ما نفعل؛ ففي الحديث الشريف: " إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع فإن الشيطان يدخل "، وفي حديث آخر: "إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه، فإن الشيطان يدخل مع التثاؤب".
78. لا تمزج التثاؤب بأي صوت في محاولة لإخفائه،فإن ذلك يصل لدرجة الحرام:
التثاؤب يتناسب تناسباً عكسياً مع الخشوع، ولكن البعض لا يكتفي بالتثاؤب، بل يحاول أن يمزج تثاؤبه مع ذكر الله في محاولة لإخفاء تثاؤبه، وهذا لعمري يصل عندي إلى درجة الحرام، وخاصة عندما ينغم ذكر الله مع تثاؤبه تنغيماً، فهل مستوى رب العالمين أن تناجيه بتثاؤب؟ إذن فلنترك هذه العادة السيئة جداً ولنكظم التثاؤب من أصله، فإن داهمنا ولم يكن من ذلك بد فلنضع أيدينا على أفواهنا، ولنمرره بصمت تام، ففي الحديث الشريف: "التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا قال: ها، ضحك منه الشيطان".
79. إذا تثاءب من بجانبك فأغمض عينيك فوراً؛ فالتثاؤب ينتقل بالعدوى:
نحن نبحث عن الخشوع ولا نريد لأي كان أن يفسد علينا خشوعنا، والتثاؤب نوع من الكسل الذي يعبر به الإنسان عن عدم رغبته بالاستمرار بما هو فيه، وانتهاء اهتمامه بالأمر، لذلك نلاحظ أنه إذا تثاءب شخص ما فسرعان ما تجد الآخرين قد بدؤوا في التثاؤب مثله، وليس هذا إلا مشاركة منهم في نفس التعبير، وهو عدم الرغبة في الاستمرار، وفقدانهم للاهتمام بما يؤدونه، وحيث أن مثل هذا التعبير لا يجوز أن يكون في الصلاة، وحرصاً على حماية أنفسنا من الوقوع في مثل ذلك، علينا إغماض أعيننا في اللحظة التي نشاهد فيها أحداً بدأ يتثاءب؛ خوفاً وحرصاً على ألا ينتقل شعوره إلينا فنفقد الرغبة والاهتمام بالصلاة التي نؤديها، وبالتالي نفقد الخشوع.
نصائح ما بعد الصلاة:
ما مر من نصائح نكون قد تعدينا المرحلة التي يمكن أن نخشع بها، وما تبقى من نصائح فهي لما بعد مرحلة الخشوع، فإن لم نكن قد خشعنا في الصلاة فهذه النصائح لن تعيد إلينا الخشوع، وإنما هي استكمال لأمر الخشوع في أنفسنا إن كنا قد حصلنا عليه في صلاتنا، وهذه النصائح هي محاولة لتثبيت أمر الخشوع في أنفسنا ومد أثره على حياتنا العامة، ولاستدامته فيها قدر الإمكان، ليصبح الخشوع جزءاً من حياتنا وسلوكنا اليومي، وليس مقصوراً على وقت الصلاة فقط.
80. استغفر ربك بعد كل صلاة، فهو كفارة لأي تقصير حصل فيها:
لماذا نقول عادة بعد الانتهاء من الصلاة: " أستغفر الله العظيم " ثلاثة مرات، لماذا ونحن نعلم أن الاستغفار يكون عادة بعد ارتكاب سيئة وليس بعد أداء عبادة، والصلاة عبادة ورغم ذلك نستغفر الله بعدها، فما الحكمة من ذلك؟ الحكمة هنا هي أننا نطلب الاستغفار من الله سبحانه وتعالى عن أي تقصير حصل من قبلنا في أداء الصلاة ، فالأصل أن نؤديها لله على الوجه الأكمل ، ولكن التقصير لا بد حاصل في الأداء ، فنستغفر الله ، فيكمل الله لنا الأجر ويجبر لنا كل تقصير بهذا الاستغفار ، لذلك اجعل الاستغفار جزءاً من صلاتك ليكتبها الله لك تامة ،حتى ولو قصرت في ناحية من نواحيها ، وهذا الفهم لمعنى الاستغفار هنا ضرورة لتكون النية واضحة صادقة عند التلفظ بالاستغفار ، ولكي يزيدنا خشوعاً عند تكراره ولكي نتلفظ به وكلنا أمل في الله سبحانه وتعالى في أن تكون صلاتنا كاملة في الأجر حتى ولو لم تكن كاملة في الأداء .
81. اقرأ آية الكرسي دبر كل صلاة، وسبح الله وحمده وكبره:
بعد الانتهاء من الصلاة والاستغفار ثلاثاً أتبع ذلك بقراءة آية الكرسي ففيها من المعاني العظيمة التي لو أدركتها لعلمت سبب كونها أعظم آية في القرآن الكريم كما دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وآية الكرسي سبب للبركة لك في الحياة الدنيا وفي الصلاة التي كنت تؤديها، وهي طاردة للشياطين ومساعدة لك على استدامة خشوع القلب خارج الصلاة ، وكل ذلك لن تشعر به ما لم تتمكن من فهم معانيها، فعليك من فهم معانيها حتى تحصل على ما ذكر من فوائدها، وأتبع قراءتها بتسبيح الله ثلاثاً وثلاثين، وحمده ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، ثم أتممها بالمائة بـِ "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير". إن جو الذكر هذا الذي يلي الصلاة يعزز من عملية استدامة الخشوع ليمتد إلى الحياة الدنيا ليكن له الأثر على سلوكنا اليومي، ولكي نشعر أنفسنا بأننا كنا في عبادة تفرض علينا سلوكاً معيناً في الحياة الدنيا وليس مجرد حركات أديناها، نقوم بعدها إلى الحياة الدنيا بسرعة خاطفة وكأن شيئاً يطاردنا، وكأننا نريد أن نعوض خسارة الوقت التي لحقت بنا من القيام بالصلاة، وهذا التسرع في القيام من الصلاة إلى ممارسة الحياة يعني بكل وضوح أن القلب معلق بالحياة الدنيا أكثر من تعلقه بالآخرة، لأن القلب وما يهوى، فلو كان تعلقه بالآخرة لاستحب استدامة الصلاة ولما خرج من جوها بتلك السرعة، فلنعِ ذلك ولنقد تصرفاتنا إلى ما يجب أن تكون عليه.
82. اجعل فاصلاً زمنياً بسيطاً بين صلاة السنة والفرض لراحة الذهن والجسد:
تصور أنك خارج من امتحان من أي نوع كان فهل تقبل على الامتحان الآخر مباشرة أم تحتاج لفترة بسيطة لراحة الذهن من التركيز ، والصلاة بخشوع تحتاج إلى تركيز ذهني، وتحليق للقلب في رحاب ملكوت الله، لذلك يفضل أخذ لحظات من الراحة يتم فيها التسبيح ما بين صلاة الفرض والسنة، ورب قائل أن عدم أخذ قسط من الراحة أفضل كي يربط خشوعه بين صلاة السنة والفرض، ولكن الثابت أن فترة الخشوع تختلف من إنسان إلى آخر، وكلما طالت المدة قل عدد المستطيعين ، وإن استعادة الخشوع أسهل من مده لفترة طويلة ، إذن فلنأخذ بالأسهل ونترك الأصعب ، ولنجعل فترة راحة بسيطة بين السنة والفرض نريح بها العقل قليلاً، وذلك لمزيد من الشحن الإيماني .
83. اسعَ لمزيد من الخشوع وإياك من دخول العجب لقلبك نتيجة بدء الخشوع:
لا يساورني شك في أن هذه النصائح سوف تقدم لك شيئاً يزيد من خشوعك في الصلاة، فإذا ما حصل ذلك فقد تعجب بنفسك ويدخل العجب قلبك، وتصبح غير راغب في الأخذ بالمزيد من هذه النصائح وتستكفي بما وصلت إليه ظناً منك أن ما وصلت إليه هو قمة الخشوع، وأنك لست بحاجة إلى المزيد، وأن الله قد غفر لك، ولم يبق أمامك سوى دخول الجنة، فإياك ثم إياك من الوقوع في هذا المنزلق؛ فنحن مهما عبدنا الله ومهما خشعنا له سنبقى مقصرين، لا نوفيه حقه من العبادة، صحيح أن الله كريم ويعطي على القليل الكثير، ولكن لا يجوز لنا أن نقول يكفينا عبادة،فرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقلها وإنما قال: " أفلا أكون عبداً شكوراً ".
84. لا تستمع ولا تتحدث بأي ( نكتة ) عن الصلاة أو المصلين:
تنتشر النكتة بين الناس عن شتى المواضيع، وعن الصلاة والمصلين أيضاً، ويتناقلها الناس بينهم، وفي ذلك استهزاء بالصلاة والمصلين، حتى ولو كان بعضها على حق، فهي لا تروى عن حق، وإنما يراد بها الاستخفاف، فكيف نشاركهم بالاستخفاف بها وهي زمن ومكان خشوعنا الذي نسعى إليه، وكيف سيكون عليه أمر الخشوع ونحن نتبادل معهم الاستهزاء والاستخفاف بما ندعي أننا نحاول الخشوع فيه، وعليه فلا يصح ولا يمكن الجمع بين التعظيم والاستهزاء في قلب واحد عن شيء واحد وهو الصلاة، فإما التعظيم وإما الاستخفاف وعليه احفظ خشوعك بتعظيم الصلاة وبتعظيم الحديث عنها في كل زمان ومكان، بل رد كل مستخف إلى الصواب وانصحه بعدم الاستهزاء، ولنسأل أنفسنا إن كنا محبين لشيء فهل نسمح بالاستهزاء به لأي كان؟ الجواب معلوم، فكم من حادث قتل وتكسير للأضلاع نفذ حمية لما يحب الإنسان ولا يرغب في أن يهزئه أحد، ويدخل في التعظيم أيضاً القرآن الكريم وتلاوته والحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
85. حاول أن تعيش حياتك كما كنت في داخل الصلاة، كلك خشوع لله:
الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والفحشاء والمنكر يحدثان خارج الصلاة وعليه فإن لم ينتقل خشوعنا إلى خارج الصلاة أو جزء منه فلن يكون هناك نهي أو امتناع عن الفحشاء ولا عن المنكر، فثمرة الخشوع في أن يصبح سلوكنا خارج الصلاة كسلوكنا داخل الصلاة، كلنا خوف من الله وتذلل له، وطلب رحمة من الغفور الرحيم، فلا نؤذي أحداً ولا نأتي بأحد ولا نظلم أحداً، بل نغفر ونسامح الناس كي يغفر الله لنا ويسامحنا على ما نقترف من آثام، وكي تصبح كل حركة من حركات فيها سكينة وتسامح مع الناس، وليس تفحشاً أو تكبراً على الخلق، فهذه هي ثمرة الخشوع التي نريد أن نقطفها ونعيشها.
86. ابدأ بهذه النصائح بما تشعر أنه حقاً سوف يزيد من خشوعك:
النصائح كثيرة وأحوال الناس مختلفة ودرجات الإيمان لديهم أيضاً مختلفة، فما يناسبك لا يناسب غيرك، وما هو سهل عليك ربما يكون شاقاً على غيرك، وما يمكن أن يؤثر بك قد لا يؤثر على غيرك، لذلك كله خذ من هذه النصائح أولاً ما تشعر أنه سوف يخدمك وأنه قريب من قلبك وسوف يزيد من درجة خشوعك، واجعل ترتيب العمل بهذه النصائح هو نفس ترتيب قربها من قلبك، وهكذا.
87. نفذ ما تستطيع من هذه النصائح وبمقدار ما تنفذ ستزداد خشوعاً في صلاتك:
لقد تعددت النصائح وبلغت عدداً كبيراً، فإذا ما نظرت إليها كلها لتنفيذها ربما يصيبك شيء من الإحباط كونك لا تستطيع تنفيذها كلها، لذلك لا تنظر إلى هذه النصائح ككتلة واحدة يجب تنفيذها عن بكرة أبيها حتى تحصل على الخشوع، كلا.. تذكر ما قلناه في المقدمة من أن الخشوع درجات وأن كل نصيحة قائمة بذاتها وهدفها رفع درجة خشوعك درجة أو درجات، فنفذ من هذه النصائح ما تستطيع ولو واحدة تنفذها وتركز عليها حتى تصبح لديك سلوكاً يومياً ثم تنتقل إلى نصيحة أخرى، وهكذا حتى إتمام ما تستطيع من هذه النصائح، وكما تقدم أيضاً، فإن رغبتك في الخشوع هي التي سوف تشدك نحو تطبيق أكبر عدد ممكن من هذه النصائح، المهم هو أن تبدأ بالتنفيذ ولو بواحدة، لتجد نفسك قد بدأت بالثانية.
ليس كالخشوع شيء
الخشوع حالة نفسية تسمو بها النفس إلى أعلى مراتب الإنسانية؛ لأنه يمثل حقيقة الإيمان الصادقة التي يرتقي فيها الإنسان المؤمن إلى الأعلى وأشرف وأصدق حالاته النفسية، وأجملها وأطهرها، به يتحرر الإنسان من قيود الشهوات وغفلة الدنيا وأغلال الطين، ويحلق فيه لأسمى أنواع الفكر وأصدق العاطفة، ليبلغ الإنسان بذلك أعلى درجات الوعي والإدراك واليقظة، وينتقل للهفة اليقين وفرحته وحلاوة الصدق وعزة الأمل، فيقبل على الله عبداً نقياً تقياً لا يرجو إلا الدار الآخرة.
حين ينتقل الإنسان هذه النقلة الرائعة بالخشوع وتسكن جوارحه خاشعة لله، هذه السكينة والتذلل والتضرع والخشية والإنابة والاستسلام لله هي أعلى درجات العزة للمؤمن، إنها عزة لا يعرفها المجرمون المستكبرون في الأرض؛ فهم في أحط درجات الذل والهوان في دنس الجرائم والفواحش وأحوال الظلم والعدوان بين زخارف الدنيا ومتاعها، بين عرض زائل حسبوه واهمين أنه القوة والعزة، بل هم في غفلة وظلم، فالعزة لله ومن الله: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُه)(فاطر:10) .
والإنسان الخاشع إنسان مختلف عن بقية الناس فكراً واعتقاداً وسلوكاً، اختلافاً يظهر في سلوكه اليومي في الحياة وفي مواقفه مما يجري من حوله، وفي صبره على الناس ورده على الابتلاءات ؛ فهو إنسان من شرح القلب لأن قلبه معلق بالله، فلا يبدو الهم ولا الغم، لأن الدنيا كلها لا تساوي عنده شيء، فهو لا يغضب سريعاً، ولا يفرح كثيراً بأي من أمور الدنيا، لأنه يعلم أنها زائلة، فسعادته ليست معلقة على أي أمر من أمورها، وإنما معلقة برضا رب العالمين عليه لذلك هو إنسان كريم، كثير البذل والعطاء، يعفو ويسامح، ولا يمثل الخشوع عنده الضعف والهوان أمام الناس، ولا الجبن ولا البخل ولا الكسل عن أمور الدنيا؛ فهو يتناول منها كل ما أحل الله له، ويبذل فيها من جهده، فلا ينسى نصيبه منها، ويحسن كما أحسن الله إليه، لذلك قال الله سبحانه وتعالى عن هؤلاء: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) (الفتح:29) ، و سيماهم لا تعني تلك الرقعة السوداء التي تظهر على جبهة بعض المصلين، وإنما تعني ذلك النور الساطع من وجه الخاشعين لله، وذلك الانشراح الذي يبدو على وجوههم، فلا عبوس ولا قنوط من رحمة الله، وتعني تلك البصيرة الإيمانية التي يعالجون بها مشاكلهم بتسامح وتجاوز عمن يسيء إليهم، لذلك هم مميزون من بين خلائق الله، تعرفهم سرعان ما تراهم فتطمئن إليهم.
والخشوع حالة إيمانية مستمرة تمتد فيها الممارسة الإيمانية الصادقة إلى مختلف ميادين الحياة امتداداً متصلاً من العبادة الخاشعة المتعلقة بالله تغطي كافة نواحي الحياة : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ) (الأنعام:163) ، فهم (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)(النور:37).
وكون الخشوع يمثل حقيقة الإيمان الصادق فيه يجد الإنسان نفسه، لماذا خلق ولماذا يعيش وإلى أين هو سائر، فتطمئن روحه إلى كل ما يجري من حوله لأنه تدبير رب العالمين، وتسعد نفسه لأنه أصبح يرى كل شيء من حوله بوضوح ويعلم أنه سائر إلى رب العالمين، وهذه قمة السعادة والاطمئنان التي يمكن أن يحصل عليها الإنسان في هذه الحياة الدنيا، لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: " جعلت قرة عيني في الصلاة". ولكون صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة خاشعة، فقد كانت تمثل له قمة الرضا والسعادة عن نفسه المتعلقة بخالقها.
جدول بالنصائح
فيما يلي جدول بالنصائح دون شرح أو بيان، وضع بشكل مختصر لمن يرغب في الحصول على هذه النصائح بهذا الشكل، ولمن يرغب في أن يصور هذا الجدول ليضعه في جيبه أو في مكتبه، ليسهل عليه التعامل مع هذه النصائح، محاولاً تطبيق عدد منها في كل مرة يقرؤها، وربما يرغب أحد في تصوير الجدول ليوزعه على الأصدقاء ممن لا يستطيعون شراء الكتاب، فله ذلك وله الأجر عند الله.
الأسباب المانعة للخشوع:
1. عدم وجود الرغبة في الخشوع.
2. أكل الحرام.
3. الانشغال باللغو وفضول الكلام.
4. قسوة القلب والتكبر.
5. الاستماع للأغاني.
نصائح ما قبل الدخول في الصلاة
6. معرفة أسماء الله الحسنى.
7. الصلاة تحتاج لزمن يجب تخصيصه لها.
8. الوقت الذي تستغرقه صلاتك زكاة عن بقية وقتك، كزكاة الأموال.
9. الوضوء السليم جزء ومقدمة للخشوع.
10. استخدم السواك أو الفرشاة في الوضوء وقبل الصلاة.
11. كن دائماً على وضوء.
12. لا تقدم على الصلاة وأنت في شك من وضوئك.
13. لا تقبل على الصلاة وأنت تدافع الأخبثين.
14. اختر اللباس المناسب للصلاة.
15. اختر مكاناً مناسباً للصلاة خالياً من الصور والملهيات.
16. احذر من الصلاة في الممرات والأدراج وأمام الشبابيك المطلة.
17. عين ما تريد قراءته من القرآن الكريم قبل الدخول في الصلاة.
18. احرص على أن تصلي جماعة في المسجد.
19. احرص على الذهاب للمسجد قبل الإقامة بسكينة وداعياً الله.
20. احرص على أن تصلي في الصف الأول.
21. لا تصل وراء إمام لا تشعر بالخشوع خلفه؛ ابحث عن غيره.
22. قم بزيارات لبعض المساجد التي يشهد فيها للإمام بالكفاءة لتخشع خلفه.
23. إذا سنحت لك الفرصة أن تصلي إماماً فلا ترفض.
24. عين ما تريد قراءته من القرآن الكريم قبل الدخول في الصلاة.
25. ضع أمام عينيك عظم ثواب الخاشعين وعظم خسارة المردودة صلاتهم.
26. احرص على أن تستمع للأذان وأن تردد ما يقوله المؤذن ففيه تعظيم لأمر الصلاة.
27. اقرأ عن صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم واجعلها قدوة لك.
28. كن على علم بجميع الصلوات فالجهل يحرجك ويخرجك من خشوعك.
29. أكثر من الاستماع إلى تسجيلات قراءات أئمة المسجد الحرام والمسجد النبوي، ففيها النموذج لحسن التلاوة والخشوع.
30. لا تصلِّ بحضور الطعام، كل أولاً ثم صلِّ.
31. لا تصلِّ والناس ينتظرونك لحاجة، اقضِ حاجتهم ثم صلِّ.
32. إذا تأزمت بالوقت فلا تسرع في الصلاة، صلِّ بتأنٍ وأجِّل أو الغِ السنة.
33. إذا كنت مسافرا فاقصر الصلاة، فالقصر لا يعني عدم الخشوع.
34. لا تقم للصلاة وأنت في حالة غضب.
35. لا تقم للصلاة مباشرة من جلسة ضحك ولهو، اصبر قليلاً ثم قم للصلاة.
36. لا تصل وأنت يغالبك النوم، ارقد حتى يذهب النعاس ثم صل.
37. ضع أمام عينيك أن ركعتين تخشع فيهما تدخلانك الجنة وأنه عندما يحين موعد الصلاة ، يحين موعد توزيع الثواب.
38. لا تكن سبباً في فقدان غيرك للخشوع كي لا تفقده أنت أيضاً.
39. إن كنت مريضاً أو بك رشح فاستعن مسبقاً بالمحارم أو الأدوية.
40. توقف عن النظر إلى المحرمات مباشرةً أو من خلال التلفاز أو الأفلام.
41. صل الصلاة في وقتها، فذلك دليل حبك لها، ولا تؤخرها.
42. جهز مكاناً مناسباً للصلاة في بيتك أو عملك وطور فيه أسباب الخشوع.
نصائح في تأدية الصلاة
43. ادخل في الصلاة بنية الخشوع.
44. ابدأ بالخشوع بإحدى الصلوات كتجربة: نعم، ثم انتقل من هذه التجربة لبقية الصلوات بالتدريج.
45. قيام الليل المجال الأوسع لممارسة الخشوع.
46. اقرأ واختر من الآيات ما يساعدك على ترك المعاصي التي تمارسها.
47. أعط اهتماماً لصلاة الفجر فأجواؤها مهيئة للخشوع وهي متدربك للخشوع.
48. صل صلاة مودع لهذه الدنيا.
49. قم إلى الصلاة بقلب منشرح لقدوم وقتها ليساعدك ذلك على الخشوع.