الصراحة
ليست مقترنة بالوقاحة ، مع أن الكثير من الناس يقرنهما ببعض , فالصراحة فن
, والصراحة هي تسمية الأشياء بأسمائها والتوجه إلى المقصود بدون التفاف
ولا تلميح ولا تعريض , فالتلميح والطريقة الغير مباشرة لا تقدم حواراً
مفيداً لذلك الصراحة دائما تحتاج شجاعة وتحتاج تمكناً وتأكداً من المعرفة
والمعلومات والمنطق بل تدفع إلى ذلك .
الصراحة تعني القوة في الأخلاق وحتى الاعتذار والتراجع يحتاج إلى قوة ,
فالحوار الصريح المحترم الخالي من الالتفافات هو دليل على التوكل على الله
والرضا بالنتائج , ومن فوائده العظيمة اختصار المجهود والوقت والكلام
والطاقة والفهم أيضاً .
أعمارنا تُضيّعها قلة الصراحة , فلا تغيير حقيقي يأتي بدون صراحة ووضوح
وحوار صريح , الحوار الصريح يختصر السنة في ساعة ويجعل الكلام عالقاً في
الذهن ويأخذ حقه من الدراسة حتى بعد الابتعاد , الكلام الصريح يقطع المجال
على الشكوك التي تتوه عن الأصل , ويريح الطرف الآخر في موضوع التحديد
والفهم ويوقفه على القرار فقط .
الحوار الصريح إذا كان يتعلق بالشخص فهو يحتاج إلى كلمة (أنت) ، لا أن يلف ويدور ويشبه الحالة بحالة شخص آخر ..
ومن ضمن هذا الحوار الصريح إذا كنت تخاف أن تكون قاسياً على الطرف الآخر ,
فهذا لن يكون، لأن هناك مشاعر جيدة له يجب أن تخرجها الصراحة من ضمن ما
تخرج , فالصراحة لا تعني إبراز العيوب فقط دون المحاسن بل كليهما , حينها
تقدم صورة واضحة عن رؤيتك للشخص , بل تقدم صورة واضحة ليس فقط عن الطرف
الآخر بل وعنك أنت أيضا , فما أحوجنا للحوار الصريح الصادق المحترم الخالي
من المداراة وتغيير الأشياء عن أسمائها وتحريف الكلام عن من يدور حوله .
فكرة تكبير موضوع الشخصنة لا يسمح بتقديم حوار صريح ومفيد , الاكتفاء
بالعيوب فقط يثير النرفزة والأعصاب ويشوش على الفهم , لأنه ناقص بصراحة ,
الحوار الصريح المتكامل لا يثير الغضب بل يدفع إلى التقارب دائما ويزرع
المحبة لأنه معتمد على الفضيلة ، ففيه فضيلة الشجاعة وتحمل مسؤولية الكلام
وفيه الصدق وفيه التراجع وفيه القدرة على اكتشاف محاسن الآخرين وكذلك
القدرة على اكتشاف أخطائهم وفيه دعوة مستمرة للتقارب , إذا هو ما نحتاج
إليه .
صاحب هذا النوع من الحوار هو المريح دائما والجذاب دائما وهو الذي يترك
أثراً في الآخرين وهو الأشجع والأصدق والأكثر احتراما للحقيقة والأكثر
محافظة على وقت الآخرين أيضا , والأكثر توكلا على الله ورضا بما يأتيه
والأبعد عن النفاق والمجاملة الزائدة , وقد يبدو خشناً لكنه هو الأنعم
والأجمل , وقالوا قديما : (في الصراحة راحة) .
أما البذاءة والوقاحة فليست من الصراحة , لأنها ليست هي حقيقة ما يحسه
الشخص , وغالبا ما يفعلها المهزوم وفاقد الحيلة , ولو كان صريحاً لقال :
إني مهزوم وفاقد الحيلة . إذاً الوقح غير صريح لأنه يستعير الوقاحة للتعويض
عن انفعاله وضيق حيلته , الصريح هو من يعبر عما يحسه فعلاً بأدق تعبير (أو
بأدق تعريف) والدقة بحد ذاتها ليست إلا جمالاً , ودائما نسمع عبارة (هات
من الآخر) بعد الملل من التمهيدات غير المفيدة والمتوهة، فنحن في عصر
السرعة ! والصراحة المحترمة هي سرعة وجودة في التواصل .