التعصب كمفهوم واسع تندرج تحته أشياء كثيرة فقد تكون العصبية للمال وقد تكون للاولاد وقد تكون للعائلة أو العشيرة أو الجماعة أو الفكر والرأي... الخ وعادة ما تنشأ العصبية السياسية ويستبد صاحبها بالأخر من عصبية فكرية وهذا ما تثبته مسيرة الاستبداد على طول التاريخ، فالاستبداد بالرأي منشأ لقهر الآخر سياسياً أو عقائدياً ـ وما تكفير الآخر وقهره على ترك عقيدته إلا دليل على ذلك واكثر المشانق والمقاصل التي نصبت للآخر منشأها هذا الآخر ومحنة القرآن جزئية شاهدة.
ومن هنا يكون الغلو والتعصب للرأي منشأ لأمور أخطر وأفدح، ، ولذا توجهت الخطابات والنصوص الشرعية ضد هذا المفهوم السلبي، ورفضت التعامل مع الآخر من هذا المنطلق.
فقد ورد في القرآن ذم لإبليس وطرد من ساحة القرب الإلهي لأنه أصيب بهذا المرض (قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)، وبهذا أستحق أن يكون مبدعاً للعصبية وإماماً للمتعصبين كما ورد عن الإمام علي… في خطبته الموسومة بـ(القاصعة) في ذم ابليس (فافتخر على آدم بخلقه وتعصب عليه لأصله فعدوّ الله إمام المتعصبين وسلف المستكبرين الذي وضع أساس العصبية..)25 ومن هنا جاء الذم للعصبية ووصفها بالمقيتة فقد ورد في القرآن قوله تعالى (إذ جعل في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية... )26 (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً)27 وقوله تعالى على لسان فرعون (أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين)28.
وورد في الحديث عن الرسول(ص) (من تعصب أو تُعصب له فقد خلع ربق الإيمان من عنقه)29.
(من كان في قلبه حبة من خردل من عصبية بعثه الله يوم القيامة مع اعراب الجاهلية)30.
وأيضا (ليس منا من دعا إلى عصبية وليس منا من قاتل على عصبية وليس منا من مات على عصبية)31 هذا كله للتعصب بما هو مفهوم عام تندرج تحته مصاديق كثيرة، وعن التعصب للرأي والتقليد الأعمى بما هو مفردة جزئية ورد قوله تعالى (إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون)32.
وفي آية أخرى مشابهة لها (...إنا على آثارهم مهتدون)33 وقوله تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما وجدنا عليه آبائنا.. )34.
والسؤال المهم ما هو منشأ التعصب للرأي؟
لماذا يصل الحال بنا في الغلو إلى حد التقديس الأعمى للجهة التي ننتمي إليها ونعتبر سيئتها حسنة وحسنة الآخر سيئة خلافاً للمفاهيم الدينية القائمة على أن الحكمة ضالة المؤمن يأخذها أين يجدها؟
يمكن ذكر بعض الأسباب