العمل الإسلامي يرتكز على عدة عوامل تمثل وجهاً مشرقاً للإسلام نفتخر به، ومن أهم تلك الركائز الانفتاح على فكر الآخر وثقافته.
والانفتاح مفهوم واسع يشتمل على كثير من الجدل، لأنه يحتوي على جانبين أحدهما مطلوب والآخر مرفوض إلا أننا نقصد الانفتاح الإيجابي على الرأي الآخر، وهو أمر عايشه الناس منذ الفترة الأولى لظهور الإسلام واستمر بشكل ملحوظ في زمن الخلافة الإسلامية الأولى مع اعترافنا بمرور فترات عصيبة على الأمة حيث سياسات الانغلاق والتحجر على الرأي الواحد، وكان الأمر بين مد وجزر مرة نحو الاستبداد الفكري وأخرى إلى الانفتاح مما كان له الأثر السلبي على مسيرة الأمة ونموها وتطورها، فمتى ما ساد الانفتاح ساعد على التقدم، ومتى تراجع تراجعت مسيرة الأمة.
وفي واقعنا المعاصر يعتبر الانفتاح على الآخر من أهم عوامل نجاح الدول والتجمعات والجماعات المتمثل في التجمعات الكبيرة والاتصالات الدائمة ـ سواء على شكل لقاءات قمة أو عقد مؤتمرات أو جلسات أو ندوات مختلفة ـ المباشرة وغيرها، حتى أصبحت الاستفادة والاستعانة بالآخر سمة من السمات البارزة التي تميّز هذا العصر عن العصور السابقة وبات تبادل الخبرات والتجارب المختلفة سمة التجمعات المتحضرة.
وبالرجوع إلى واقعنا الإسلامي المعاصر لأجل استشراف هذا الأمر نجد جهتين.
1 ـ جهة التنظير لهذا المفهوم والدعوة إليه وانزاله منزلة الضرورة التي ينبغي أن يتمتع بها الجميع وقد بلغ الحال ببعضنا أن يلوم الآخر على عدم توفير هذا الجانب في أدبياته وفكره.
والأدبيات الإسلامية جميعاً لا تكاد تخلو من إعداد التنظير والتأصيل لهذا المفهوم فنحن من هذه الناحية أعطيناه حقه، وافضنا عليه الصبغة المطلوبة ولكن:
2 ـ جهة التطبيق والسلوك وتحقيق ما ندعو إليه على ارض الواقع، وهي المشكلة التي تفصل بين النظرية والتطبيق، بعبارة صريحة الازدواجية التي أوقعت ما نهى عنه الدين.
إذ ليست الأزمة في العقل إنما في التعقل ـ فكل منا يدعو إلى وضع الجرس ولكن المطلوب من يعلق الجرس.
ولهذه الحالة صور عديدة يمكن للمتتبع تشخيصها من خلال سلوكياتنا الحركية اليومية مع فكر الآخر ونظريته، وهي انعكاس لما نؤمن به وليس ما نكتب فيه، لأن البون شاسع والفارق واضح بين الجهتين ـ جهة الدعوة وجهة العمل ـ.