الانفتاح بين الواقع والمبادئ
لعل مفهوم «الانفتاح» من المفاهيم التي أصبحت دارجة في كل قطر من أقطارنا العربية وبالأخص منذ
السنوات الخمس الأخيرة، مما دعا الكثير من وسائل الإعلام إلى احتضان هذا المفهوم والإسهاب في
تعريفه وتوصيله إلى أذهان الشعوب العربية الإسلامية «بوجه الخصوص»، ولعل الكثير من شعوبنا
العربية تسأل نفسها ما هو هذا الانفتاح؟ وهل هو فرض علينا وواجب؟ وكيف يكون هذا الانفتاح؟ وهل الانفتاح ظاهرة صحية؟؟؟
حقيقة إنه موضوع كبير ويحتاج للكثير من الدراسات والتحليلات قد تأخذ وقتاً كبيراً لكي نستطيع أن
نجيب عند هذه الأسئلة؟ ولكن هذا المفهوم الذي «للأسف» استغل ضدنا نحن المسلمين استغلالاً خاطئاً
وخبيثاً بل وأصبح «تهمة» وكأننا من عالم آخر وكوكب غريب كل من يسكنونه عبارة عن أمة متخلفة
متحجرة متقوقعة تعشق الدهاليز المظلمة وتعيش في انحطاط وضياع أقوام غجرية بربرية شرسة لا
تفقد شيئاً من العلم والتعلم، لذلك أتت تلك الدعوات عبر سياسة السماوات المفتوحة التي تتزعمها
الدول الأوروبية الغربية العظمى بقيادة أبناء العم سام وتطالب مشكورة الأمة العربية «بالانفتاح» عبر أبواق لها موجودة بين ظهرانينا.
الدارس للتاريخ الإسلامي جيداً يرى ما لا يراه غير الدارس فهو يعرف ويعلم أن ديننا الإسلامي منذ
1400 عام كان من أكثر الحضارات انفتاحاً على الشعوب كلها، تلك الحضارات التي مارست الانغلاق
على شعوبها وعملت على قطع كل وسيلة من شأنها العمل على تبصير وتنوير تلك الشعوب خوفاً من أن يأتي يوم فتثور عليها وتستأسد.
ومع ذلك واصل العرب انفتاحهم على الغرب فانتشر الطب والفلك والرياضيات والفنون والموسيقى وكل
علم يحترم الملل والعادات والمبادئ ويكفي أننا كنا في الأندلس نمشي في شوارعها وهي مضاءة
بمصابيح بينما كانت شوارع باريس معتمة مظلمة أليس هذا دليلاً على أننا أصحاب «حضارة منفتحة»؟.
إذا ما هو «الانفتاح» الذي نحن مطالبون به؟ ومفروض علينا؟ هل بمعنى الإذعان والتقليد ومسايرة
سلوكيات ومبادئ ومعاملات فرضت علينا فرضاً كي لا نغرد خارج السرب؟ لذلك لابد لنا الانغماس بهذا
الواقع الذي أصبح كأساً لابد لنا أن نشربه حتى تأمن المكر والخديعة ونسلم من الاتهامات الموجهة إلينا وأتساءل فقط.
لماذا تظل الدول العربية تفتح أبوابها وبيوتها بكل ترحيب وكرم حاتمي للكثير من الفضائيات الغربية
التي عملت على تهديم مبادئنا وتمييع شبابنا والقضاء على ما بقي من غيرتنا؟ بينما نجد في الدول
الغربية التي تدعي الانفتاح أنها تعمل على اتباع سياسة التعتيم الإعلامي الموجه والمقصود لشعوبها
وذلك لضمان عدم وصول بث برامج أي محطة عربية وهل الانفتاح المقصود أن تخلع المرأة المسلمة
حجابها وتلبس القصير من الثياب ونرى بعض شبابنا يلبسون الحرير ويعلقون السلاسل برقابهم فلم نعد نفرق بين الرجل والمرأة؟
هل الانفتاح جلوس الفتاة والشاب بمكان واحد؟ هل الانفتاح تغيير مفرداتنا العربية والانسلاخ من عاداتنا وتقاليدنا.
أخيراً.. إن كان ذلك هو الانفتاح المطلوب فمرحباً بالعزلة والعيش في العتمة أفضل من أن أعيش في النور عارياً من مبادئ ديني وعادات وتقاليد أجدادي