حالة التعصب للرأي وعدم الانفتاح والتواصل مع الآخر لها صور عديدة ومنها:
* حالة العزوف والزهد في فكر الآخر المتمثل في الأدبية والصحيفة والكتاب... وجعلها من المحرمات والممنوعات لأنها تمثل فكر الرأي الآخر.
مع أنها قد تكون أكثر عمقاً وفائدة، ولكن لجهة الصدور أهمية في التعاطي وعدم التعاطي مع الصادر، وقد يصل الحال بنا إلى إدراج تلك الأدبيات في قائمة كتب الضلال التي يحضر التعامل معها.
* منع انتشار الرأي الآخر، وذلك عن طريق نشر الدعايات ضد هذا الكتاب أو ذاك أو هذه الجهة وتلك والعمل على وضع العقبات والعراقيل مما قد يخرجنا عن حالة كوننا دعاة يجب أن نتحلى بأكبر قدر من الرويّة والرؤية والتشبع والرصد التام لأي حالة من الحالات نريد محاكمتها فكرياً أو ثقافياً.
مع أننا قد نجد في واقعنا الإسلامي المعاصر من يلقي التهم جزافاً ضد هذا الطرف أو ذاك، فقط لأنه الآخر ـ المختلف أو المخالف.
استخدام النفوذ الجهوي والشخصي أحيانا للحيلولة دون إخراج هذه المطبوعة أو تلك، وبذل الجهود في سبيل ذلك، ولأجل حب هذه الصحيفة وتلك الأدبية وذاك المهرجان أو الاحتفال...
هذه وغيرها قد تكون مشخصات تفشي هذا المرض في واقعنا العملي السلوكي وهي نوع من الغلو في الانتماء إلى الرأي الواحد والجهة الواحدة، ورفض كل ما يمثل الرأي الآخر، مع أن الغلو والتعصب الفكري لشخص وجهة أو فكر يمثل أهم العوائق أمام مسيرة التطور والنمو.
ومما ينبغي أن يعلم أن مسيرة المسلمين إنما نجحت ونمت وترعرعت لمساهمة عامل الانفتاح والبحث عن الحقيقة وأن بعد مكانها أو طال زمانها.
فقد ورد عن النبي الكريم(ص) (اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد).
وورد عن الإمام علي… (العلم أول دليل والمعرفة آخر نهاية)1.
وورد عن الإمام الباقر… (لا يقبل عمل إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ومن عرف دلّته معرفته على العمل ومن لم يعرف فلا عمل له)2.
حيث تقرر هذه النصوص مبدأ طلب الحقيقة والبحث عنها وهذا إنما يكون بغربلة الرأي وضرب بعض ببعض حتى يتولد منه الصواب.