عندما عصى ابليس اللعين ربه وأبى ان يمتثل لأوامرالله بالسجود لآدم كما فعل الملائكة لم يسارع الله سبحانه وتعالى الى انزال العقاب المباشر به والقضاء عليه مع ان ابليس قد تعهد بإغواء بني آدم .. وانما جرى حوار بين الله جل في علاه وبين ابليس اللعين الذي طلب امهاله الى يوم الدين فكان له ذلك.
وعندما ادعى فرعون ذي الأوتاد الألوهية في الارض وخاطب اهل مصر بأنه لايوجد لهم إله غيره. لم يأذن الله حينئذ بإنزال العقاب عليه وهو القادر على ان يقول للشيء كن فيكون. وانما ارسل اليه النبي موسى عليه السلام ليحاوره بالقول اللين لعله يتذكر أو يخشى ويرجع عن ادعاءاته الباطلة. وكذلك بالنسبة لمختلف الانبياء والرسل الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى الى اقوامهم حيث كانوا يحاورونهم ويقارعونهم بالحجج والبراهين للرجوع عن غيهم وكفرهم والتسليم بما اراده الله لهم ان يكون حقاً.
من هنا نجد ان مبدأ الحوار مع الإنس والجن قد بدأ مع خلق الخليقة.. ولنا في القرآن الكريم عظة ومثل واعتبار.. فهو يروي لنا قصص الأولين والآخرين وكيف كان يتم الحوار ليس بين الإنسان والإنسان فحسب وانما بين الله جلّت قدرته وبعض خلقه بما فيهم ابليس اللعين.. وكيف كان الله يظهر الحق في نهاية الحوار ليؤمن به الجميع.
واليمن عندما اختارت مبدأ الحوار مع الخارجين على القانون لم يكن ذلك جديداً على قيادتها.. وانما اعتمدت طريق الحوار وصولاً الى الحقيقة كمبدأ اساسي ونهج ثابت في السياسة اليمنية تلجأ اليه في الوقت الذي ترى فيه ان الحوار والمحاججة لكشف ملابسات الفهم وتوضيح الحقائق هوالأجدى والأنفع واقصر الطرق مهما كانت طويلة لحل مايعتقد البعض ان حله لايمكن ان يتم الابوسائل القوة والعنف وهي وسائل لايلجأ اليها اليمن الا في اضيق الحدود بعد ان يكون اليأس قد تمكن من عدم استجابة المتحاور معه والتأكد من ان العناد والغرور والمكابرة قد وصلت به الى درجة لم تعد تجدي معها طرق الحوار والمخاطبة بالتي هي احسن.
وتجارب اليمن في مجال الحوار كثيرة وعديدة في التاريخ الحديث والقديم.. وان كانت القيادة السياسية الحالية بزعامة فخامة الاخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية هي اكثر القيادات اليمنية التي تلجأ الى اسلوب الحوار في معالجة القضايا الشائكة اكثر من غيرها.. بدليل ان الظروف التي وصل فيها الرئيس علي عبدالله صالح الى الحكم عام 78م كانت اكثر الظروف السياسية تعقيداً في تاريخ اليمن الحديث لكن حكمة الرئيس في معالجة الامور بعيداً عن استخدام القوة والعنف اثمرت نتائج ممتازة وضع على اساسها برنامج عملي ناجح تمثل في تشكيل لجنة الحوار الوطني التي تعد اللبنة الاساسية في تحقيق الوحدة الوطنية والتفاف الشعب حو ل قيادته واشراك جميع التيارات السياسية في الحكم سواءً في مرحلة ما قبل اعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة أو في المراحل اللاحقة والحالية.
ومايزال اسلوب الحوار هوالمتبع للتعامل مع مختلف القضايا أياً كان نوعها وهوالأمر الذي جنب اليمن مشاكل كثيرة.. واستطاعت من خلال هذا الاسلوب الحضاري ان تتبوأ مكانة مرموقة على المستويين العربي والدولي وحققت نجاحاً في مكافحة الارهاب شهد لهابه الجميع.
اذن فإن الحوار ليس عيبا ولايمس سيادة النظام أو الفرد الحاكم وانما هو مبدأ رباني سنه الله للبشرية وأمر انبياءه ورسله بالتحاور مع الآخرين والمجادلة مع العصاة والكفرة بالتي هي أحسن حتى يتبين لهم الحق ويسلكون الطريق المستقيم.. وبالحوار والسلوك الحسن في التعامل استطاع المسلمون ان يكوّنوا امبراطورية إسلامية عظمى سادت العالم لقرون عديدة ونشرت العدل والمساواة بين شعوبها المترامية الأطراف رغم تعدد لغاتهم والوانهم.. حتى جاء المتشددون من الحكام الذين اقفلوا ابواب الحوار وشغلتهم الدنيا فأضاعوا هذا المجد الإسلامي لتصل الأمة الإسلامية بعدذلك الى مرحلة من الذل والهوان لم تصل اليها في تاريخها كما هوحال الأمة اليوم.
فهل يتم فتح باب الحوار من جديد دون خوف أو وجل لتستعيد الأمة مجدها ويكون لها مكانة بين الأمم؟!