وصفة النشاط البدني المعززة للصحة:
على مدى العقود الأخيرة من القرن الميلادي الماضي، تولدت لدى العلماء والمختصين في صحة الإنسان معلومات جمة حول النشاط البدني المناسب للفرد تبعاً لعمره وحالته الصحية. لقد خلصت هذه الجهود العلمية إلى أن على الإنسان البالغ ممارسة نشاطاً بدنياً معتدل الشدة لمدة 30 دقيقة على الأقل في اليوم، معظم أيام الأسبوع إن لم يكن كلها. وتشمل الأنشطة البدنية المعتدلة الشدة المشي السريع، والسباحة الترويحية، وركوب الدراجة الثابتة أو العادية، وممارسة الأعمال البدنية المنزلية، كتشذيب الأشجار في الحديقة المنزلية وتنسيقها، أو القيام بعملية الكنس أو الغسيل المنزلي، أو ممارسة أنشطة رياضية كالكرة الطائرة، وكرة الريشة، والتنس الأرضي (زوجي)، وما شابه ذلك من أنشطة بدنية. ويوضح الشكل رقم (1) ما يسمى بهرم الأنشطة البدنية، على غرار الهرم الغذائي المعروف. ويتكون الهرم من أربعة مستويات، يمثل فيها المستوى الأول الأنشطة البدنية الحياتية التي ينبغي الإكثار من القيام بها كل يوم، وتتمثل في المشي إلى العمل أو إلى المدرسة، والمشي إلى الأماكن الأخرى القريبة من المنزل، وصعود الدرج بدلاً من المصعد الكهربائي، والأعمال البدنية المنزلية. أما المستوى الثاني والذي يشمل الأنشطة البدنية الهوائية، كالمشي السريع، والسباحة، وركوب الدراجة، وغيرها، وكذلك الأنشطة البدنية الرياضية، فينبغي ممارستها 3-5 مرات في الأسبوع ولمدة من 30-60 دقيقة. ويتمثل المستوى الثالث في تمرينات القوة العضلية وتمرينات المرونة، والتي ينبغي أن تمارس بمعدل 2-3 مرات في الأسبوع. أما المستوى الرابع من الهرم، فيتضمن الإقلال من الراحة والخمول، كالجلوس طويلاً خلال اليوم أمام التلفاز أو الفيديو، أو البقاء في السرير لفترة طويلة بدون سبب مرضي.
شكل رقم (1): هرم الأنشطة البدنية
الحد الأدنى من النشاط البدني المعزز للصحة:
قد يتساءل البعض ما هو الحد الأدنى من النشاط البدني الملائم للشخص تبعاً لحالته الصحية وعمره؟ وهذا في الواقع يتطلب معرفة جوانب عديدة عن حالة الشخص الصحية ولياقته البدنية وعمره وغرضه من الممارسة، حتى يتسنى إعطاءه وصفة شخصية له. غير أنه يمكن هنا استعراض الخطوط العريضة لوصفة النشاط البدني. في الفقرات التالية سنتناول مقدار النشاط البدني المعزز للصحة للعديد من الحالات في الصحة والمرض:
لتنمية اللياقة القلبية التنفسية:
نشاط بدني هوائي عند شدة تتجاوز 50% من احتياطي ضربات القلب، لمدة 20 – 60 دقيقة، ثلاث إلى خمس مرات في الأسبوع. واحتياطي ضربات القلب يساوي ضربات القلب القصوى – ضربات القلب في الراحة. أو أن يكون النشاط البدني عند شدة تتجاوز 65% من ضربات القلب القصوى، ويمكن تقدير ضربات القلب القصوى بواسطة المعادلة التالية:
ضربات القلب القصوى = 208 – (0.7 × العمر بالسنوات)
لصحة القلب والأوعية الدموية:
نشاط بدني هوائي معتدل الشدة لمدة 30 دقيقة كحد أدنى، خمس مرات في الأسبوع. أي صرف طاقة تقدر بما يزيد على 1000 كيلو سعر حراري في الأسبوع.
لصحة الجهاز العضلي والهيكلي وهشاشة العظام:
تمرينات تقوية للعضلات الكبرى في الجسم مرتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع، بمعدل مجموعة واحدة أو اثنتين، وبتكرار من 8-12 مرة. كذلك القيام بتمرينات الإطالة بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع. ولهشاشة العظام، ينبغي ممارسة نشاط بدني معتدل الشدة يتم فيه حمل الجسم أو إلقاء عبء على العظام، مثل المشي السريع، الهرولة، أو نط الحبل، أو تمرينات الأثقال معتدلة الشدة، أما ممارسة السباحة فعلى الرغم من أنها مفيدة للقلب، فهي لا تساعد على زيادة كثافة العظام.
لضبط الوزن ومكافحة السمنة:
نشاط بدني معتدل الشدة بمعدل 3-4 ساعات في الأسبوع على الأقل، وكلما ازداد مقدار الوقت كلما كان ذلك أفضل، حيث العبرة في مجمل الطاقة المصروفة في الأسبوع وليس بالشدة.
لارتفاع ضغط الدم الشرياني:
يعد النشاط البدني وقاية وعلاج لحالات ارتفاع ضغط الدم، وينبغي ممارسة نشاط بدني معتدل الشدة لمدة 30 دقيقة على الأقل كل يوم أو معظم أيام الأسبوع. إن جرعة واحدة من النشاط البدني كفيلة بخفض ضغط الدم لمدة قد تصل إلى 22 ساعة بعد الممارسة، لكن ينبغي أن يكون ضغط الدم تحت التحكم قبل بدء الممارسة وخاصة في حالة الجهد البدني العنيف.
لداء السكري من نوع 2:
يعد النشاط البدني مفيد جداً في ضبط مستوى السكر في الدم، ولصحة القلب والأوعية الدموية. وهو يقود إلى زيادة حساسية مستقبلات الأنسولين في الخلايا وخاصة العضلية منها. ينبغي ممارسة نشاط بدني معتدل الشدة لمدة 30 دقيقة تمتد إلى 60 دقيقة فيما بعد، كل يوم أو معظم أيام الأسبوع، ولمرضى السكري اللذين يعانون من مشاكل في القدمين، فيمكنهم ممارسة السباحة أو ركوب الدراجة الثابتة، أو القيام بممارسة المشي في يوم والسباحة أو ركوب الدراجة في اليوم الآخر.
نصائح وإرشادات عامة عند ممارسة النشاط البدني:
1- تشير التوصيات الصادرة من الجمعيات الطبية المتخصصة إلى أن أي شخص دون الأربعين من العمر ولا يعاني من مشكلات صحية، وليس لديه أي مخاطر صحية مهيأة للإصابة بأمراض القلب التاجية، يمكنه ممارسة النشاط البدني بدون الحاجة إلى إجراء كشف طبي. أما من هو فوق الأربعين من العمر أو ممن يعانون من مخاطر الإصابة بأمراض القلب (مثل ارتفاع ضغط الدم، أو زيادة الكوليسترول في الدم، أو من المدخنين، أو يعاني من داء السكري، أو ممن أصيب أحد والديه أو أخوته بأمراض القلب قبل عمر 55 سنة)، فيلزمه إجراء الفحص الطبي بما في ذلك عمل تخطيطاً للقلب أثناء الجهد.
2- عند القيام بممارسة النشاط البدني، ينبغي على الممارس أن يتوقف عن الممارسة عند شعوره بألم في الصدر أو الكتفين، أو شعوره بضيق في التنفس، أو الشعور بالدوخة أو الغثيان، أو ما شابه ذلك، ومن ثم عليه استشارة الطبيب.
3- على الممارس ارتداء الحذاء الرياضي المناسب، فالهرولة والجري لهما حذاء خاص يساعد على امتصاص الصدمات ويقلل من الإجهاد على مفصلي الكاحل والركبة، كما أن الرياضات الأخرى كالتنس وغيرها لها أحذيتها المناسبة التي تمنع الانزلاق.
4- ينبغي عند ممارسة الأنشطة البدنية ارتداء الملابس القطنية المريحة، والابتعاد عن الملابس البلاستيكية، أو التي لا تسمح بتبخر العرق.
5- من الضروري اختيار الوقت والمكان المناسبين، حيث ينبغي تجنب الممارسة في أوقات الحرارة أو البرودة الشديدتين، مع الابتعاد ما أمكن عن الأماكن التي يزداد فيها تلوث الهواء مثل أرصفة الشوارع المزدحمة بالسيارات. كما يستحسن في حالة الهرولة أو الجري أن يتم ذلك على أرض لينة، كأرضية الترتان أو الأرض الترابية وليست الإسفلتية أو الإسمنتية اللتان تسببان إجهاداً على المفاصل.
6- لا تمارس النشاط البدني المرتفع الشدة بعد تناول وجبة غذائية دسمة، بل أنتظر من ساعتين إلى ثلاث ساعات، ثم مارس نشاطك البدني المفضل. ولا تنسى تعويض السوائل المفقودة من خلال العرق بشرب كميات كافية من الماء.
7- يجب بدء الممارسة بالإحماء ثم الانتهاء بالتهدئة، مع عدم إغفال تمرينات الإطالة.
8- من الضروري وضع أهداف طويلة الأمد، والبدء بالتدريج سواء في الشدة أو المدة أو حتى تكرار الممارسة، وفي حالة الانقطاع لسبب من الأسباب، لا بد من مراعاة التدرج أيضاً.
9- عند حدوث التهاب في الحلق أو في الصدر أو ارتفاع درجة حرارة الجسم نتيجة للإصابة بالأنفلونزا مثلاً، يستحسن عدم مزاولة أي نشاط بدني مجهد، وبعد تحسن الحالة الصحية، يمكنك معاودة الممارسة، ولكن بالتدريج.
10- تجنب الحمام الساخن أو حمام البخار بعد ممارسة النشاط البدني مباشرة، نظراً لأن الأوعية الدموية تكون متسعة بعد النشاط البدني مباشرة، والحمام الساخن أو الساونا تزيد من اتساعها، مما قد يؤدي إلى انخفاض ضغط الدم الشرياني، خاصة عند فقدان كمية من السوائل أثناء ممارسة النشاط البدني، كما ينبغي تعويض السوائل المفقودة قبل الدخول إلى الساونا.