علاج ضيق الأفق:
1- التعويد على حمل المسئولية في الصغر: فإن ذلك يكسب الإنسان كثيرًا من الخبرات والتجارب، وينمّي لديه مواهبه أو ذكاءه الفطري، فإذا شب بعد ذلك، كان واسع التصور بعيد الرؤية. ولنا في أنبياء الله ورسله، لاسيما محمد صلى الله عليه وسلم الأسوة، والقدوة، إذ حملوا بأنفسهم مسئولية الحياة في الصغر، ومنذ نعومة أظفارهم، الأمر الذي ساعدهم على تنمية مواهبهم، وقدرتهم على سياسة النفوس وإصلاحها بعد الرسالة، وقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم النظر إلى هذا الأسلوب التربوي حين قال: [ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا رَعَى الْغَنَمَ] فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ فَقَالَ: [ نَعَمْ كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ] رواه البخاري.
2- إخراج النفس عن ذوي الأفق الضيق وإلحاقهم بأصحاب الخبرات والتجارب: الذين اتسموا بسمة التصور الواسع، والرؤية البعيدة، وملازمة هؤلاء دومًا، مع التواضع وخفض الجناح لهم، فإن ذلك يؤدي بمرور الزمن إلى تنمية المواهب الفطرية، وتعلم الحكمة التي يعدّ اتساع الأفق، أو بعد النظر أمارة من أماراتها ، وسمة من سماتها.
3- الفقه الدقيق لرسالة الإنسان: وسبيل القيام بهذا الدور، وهذه الرسالة.
4- الإلمام التام بواقع الأعداء وسبيلهم أو مناهجهم في العمل: فإن هذا الإلمام كثيرًا ما يحمل صاحبه على قدح زناد الفكر، والاحتيال من أجل إبطال هذه السبيل، أو هذا المنهج، وذلك هو ما نعنيه بسعة الأفق، وبعد النظر.
5- الفهم الدقيق لحقيقة ومضمون الإسلام: وسبيل العمل، أو التمكين له في الأرض، فإن هذا الفهم كثيرًا ما يحمل على جمع الهمّة من أجل التطبيق والتنفيذ، الأمر الذي يساعد على سعة الأفق، وبعد النظر.
6- معايشة الرسول صلى الله عليه وسلم في سيرته: فإنها حافلة بالكثرة من المواقف التي تساعد على سعة الأفق، وبعد النظر، وحسبنا من هذه المواقف:
ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم من أنه لم يحطم الأصنام الموجودة في جوف الكعبة وعلى سطحها إلا في العام الثامن من الهجرة يوم فتح مكة، لأنه كان يرى أن البدء بتحطيم هذه الأصنام قبل تحطيم الأصنام الموجودة بداخل النفوس، تلك التي توجه وتدعو إلى الشرك والإثم والرذيلة، سيساعد على إعادة بناء هذه الأصنام من الذهب، بدلاً من الحجارة، بل سيضاعف من عددها، لذا تركها، وعمد إلى إصلاح النفوس من داخلها، تطبيقًا لقوله تعالى: } إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[11] { “سورة الرعد” حتى إذا صلحت هذه النفوس، واستقامت على منهج الله، وترابطت فيما بينها قادها صلى الله عليه وسلم وفتح بها مكة، وحطم بها هذه الأصنام.
وكذلك ما أثر عنه صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، إذ قبل هذا الصلح، رغم القسوة التي انطوت عليها شروطه، حتى ضايق ذلك كثيرًا من الصحابة وعلى رأسهم عمر رضي الله عنه؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان ينظر بعين النبوة، وكان يرى أن هذه الشروط، وإن بدا أنها قاسية، فإنها ستسفر عن خير كثير للمسلمين، وذلك هو ما أكّده الواقع، فقد زاد عدد المسلمين بعد الحديبية إلى أضعاف أضعاف ما كانوا قبله، حسبنا أن عدد المقاتلين في غزوة الخندق وهي التي كانت في السنة الخامسة من الهجرة، كان ثلاثة آلاف، وإذا به يصل يوم فتح مكة إلى عشرة آلاف، وما حدث هذا إلا بسبب الاختلاط بين الفريقين، واطّلاع المشركين على أخلاق المسلمين، وأحوالهم، نتيجة الهدنة، ووضع الحرب بين الفريقين لعشر سنوات. وكذلك جاء المشركون بعد فترة من إبرام هذا الصلح يطالبون بإلغاء شرط: 'ومن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مسلمًا، رده إلى المشركين ' بعد ما أذاقهم أبو بصير ورفاقه الأمرّين، وبعد ما قطعوا طريق تجارتهم حتى اضطروهم إلى أكل الجيف والميتة، وأوراق الشجر من شدة الجوع، هذه المواقف، وغيرها، تعلّم كيف تكون سعة الأفق، وبعد النظر.
7- حسن الصلة بالله بترك المعاصي والمواظبة على عمل اليوم والليلة: ومن التفاني في فعل الخيرات، فإن ذلك يورث الحكمة التي عنوانها : سعة الأفق، وبعد النظر.
8- دوام الاطلاع على خبرات وتجارب الآخرين: فإنها مشحونة بالكثير والكثير الذي يكسب الخبرات، والتجارب، وينمّي المواهب، والقدرات .
9- النظر في عواقب قصر النظر أو ضيق الأفق: سواء على العاملين، أو على العمل الإسلامي على النحو الذي شرحنا آنفًا، فلعل ذلك يشحذ الهمم، أو يحرك العزائم، فتسعى إلى سعة الأفق، ونفاذ البصيرة.