ضيق الأفق لغة: يعني: انحسار، أو انكماش جهة أو ناحية النظر والتأمل، وكذلك قصر النظر يعني: ضعف، أو اختلال البصر أو البصيرة، أو هما معًا.
ضيق الأفق في الاصطلاح الشرعي والدعوي: هو ضعف أو خلل في البصيرة؛ يؤدي إلى حصر التفكير، أو الرؤية في حدود ضيقة لا تتجاوز المكان والزمان، أو بعبارة أخرى: هو ضعف، أو خلل في البصيرة؛ يؤدي إلى رؤية القريب وما تحت القدمين فقط، دون النظر إلى البعيد، ودون تقدير الآثار والعواقب، قال تعالى: }أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ ءَاذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ[46]{ “سورة الحج”.
أسبابه:
1- النشأة الأولى: فقد ينشأ الإنسان في بيئة لا تهتم بتنمية الذكاء الفطري، أو المواهب لدى أفرادها، وتكون العاقبة انحسار دائرة التفكير، أو النظر والتأمل إلا من رحم الله .
2- صحبة نفر من ذوي الأفق الضيق والنظر القصير:وقد يحيط بالإنسان صحبة ذات أفق ضيق، ونظر قصير، فتسري آثار ذلك إلى هذا الإنسان، فإذا به يواجه كل المواقف بنفس النمط، وعلى هذا المنوال، إذ:”الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ” رواه أبوداود والترمذي وأحمد .
3- الانزواء أو العزلة:وقد يؤثر الإنسان الانزواء أو العزلة، إما لعدم القدرة على التوفيق بين الفردية والجماعية، وإما إيثارًا للعافية والسلامة، ومثل هذا وإن جنى كثيرًا من ثمار العزلة أو التفرد، فإنه يخسر أول ما يخسر الخبرة أو التجربة، تلك التي تستفاد من ملازمة الجماعة والارتماء في أحضانها، والتي تساعد على اتساع الأفق، وبعد النظر، وحين يخسر الإنسان الخبرة أو التجربة، فإنه يظل ذا أفق ضيق، ونظر قصير محدود.
4- عدم الفهم لدور أو لرسالة الإنسان في الأرض:وقد لا يفهم الإنسان دوره، أو رسالته في الأرض، من أنه خليفة فيها: }وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً[30]{ “سورة البقرة” وأن هذه الخلافة إنما هي سيادة:} هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا[61]{ “سورة هود” وعبودية: }وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ[56]{ “سورة الذاريات” وإن تحقيق هذا الدور، أو الرسالة يقتضي التبصر والتدبر: }وَفِي الْأَرْضِ ءَايَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ[20]وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ[21]” {سورة الذارات” والعمل الدائم بالليل والنهار:}وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ[ 105] { “سورة التوبة”
وقد لايفهم الإنسان ذلك كله، فيقعد وينام، أوينطلق على غير هدى وبصيرة، وأنى لهذا أن يكون واسع الأفق، أو بعيد النظر؟!
5- عدم الفهم لحقيقة ومضمون الإسلام:قد لا يفهم المسلم حقيقة ومضمون الإسلام، من أنه دين شامل للحياة جميعًا، وإلى قيام الساعة: }الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا[3] {“سورة المائدة” وأن الدعوة إليه والتمكين له في الأرض يقتضي الحكمة التي من لوازمها اتساع الأفق، وبعد النظر، كما قال سبحانه وتعالى:} قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [108] {“سورة يوسف” قد لايفهم المسلم ذلك، فيدعو إلى هذا الإسلام، ويعمل على التمكين له دون أن يجهد نفسه في تحصيل الحكمة، وأنى لمن حرم الحكمة أن يكون واسع الأفق بعيد النظر؟!
6- عدم الإلمام بواقع الأعداء وأسلوبهم في العمل: وقد يكون المسلم غير ملمّ بواقع الأعداء، وأسلوبهم في العمل، من أنهم كثرة، وأن لديهم العتاد والعدد، وأن أسلوبهم في العمل يقوم على الدهاء والمكر والخديعة، قد لايلمّ المسلم بذلك كله، فتضيع عليه فرصة اكتساب الخبرة والدراية والتجربة، وأنى لمن لم يكتسب خبرة ولا دراية، ولا تجربة، أن يكون واسع الأفق بعيد النظر؟!
7- الإعجاب بالنفس بل الغرور والتكبر: وقد يكون الإنسان معجبًا بنفسه، مغرورًا، متكبرًا، فيحمله ذلك على الترفع، والاستعلاء ، أن يكتسب من غيره خبرة، أو مهارة، أو تجربة، فيبقى طول حياته محدود الأفق، قصير النظر.
8- الغفلة عن العواقب والآثار المترتبة على ضيق الأفق وقصر النظر:وقد يكون المسلم غافلاً عن العواقب، أو الآثار المترتبة على ضيق الأفق، أو قصر النظر، فيقنع بما هو عليه دون أن يجهد نفسه، أو أن يعمل فكره في تلاشي هذه العواقب، أو تلك، ومثل هذا يظل طول حياته ضيق الأفق، محدود النظر.
9- الجهل بأخبار وحوادث الماضي: وقد يكون المسلم جاهلاً بأخبار وحوادث الماضين، وكيف كانوا يتصرفون بإزاء المواقف المباغتة أو المفاجئة، ومثل هذا يعيش محرومًا من الخبرة والدراية، والتجربة، التي هي أساس اتساع الأفق، وبعد النظر، وصدق الله سبحانه وتعالى الذي يقول عن أخبار وحوادث الماضين :}لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ[111]{ “سورة يوسف” وقال تعالى:}فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ[176]{ “سورة الأعراف”.
10- ضعف الصلة بالله:وقد يكون المسلم ضعيف الصلة بالله عز وجل بأن يكون غير محترز من المعاصي والسيئات، لاسيما الصغائر منها، أو أن يكون مفرطًا في عمل اليوم والليلة، أو أن يكون مهملاًلجانب فعل الخيرات، فيعاقب على ذلك كله بالحرمان من الحكمة التي هي أساس سعة الأفق، وبعد النظر، ولعل ذلك هو المفهوم من قوله تعالى في كتابه الحكيم:}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا[29]{ “سورة الأنفال”. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: [إِنَّ اللَّهَ قَالَ مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ] رواه البخاري.