يستعد الكثير من المسلمين لاستقبال شهر رمضان بتوفير جميع المستلزمات لإعداد موائد الإفطار بشكل خاص، حيث يتوجهون إلى الأسواق لجلب الحاجيات الضرورية، وقد يبالغ العديدون بما ينفقونه لهذا الغرض، ليدفعوا ضريبة ذلك في الأشهر التالية، بعد أن ينعكس ذلك سلباً عليهم في الجانبين الاقتصادي والصحي.
ومع بدء أيام الصيام تتأثر الحالة المزاجية عند البعض ليصبحوا حادي المزاج، ولا يتوانون عن بث شكواهم لمن حولهم، والتذمر مما حل بهم بسبب الجوع، دون أن يدركوا أن إعدادهم لموائد الإفطار على نحو جيد، لا يجعلهم مستعدين للتعلم من دروس هذا الشهر وجني فوائد الصيام، وخصوصاً ما يتعلق بالجانب النفسي.
الصيام...تدريب للنفس وضبط للسلوك
يرى اختصاصيون أن القيود التي يفرضها شهر رمضان، وخصوصاً فيما يتعلق بالسلوك والمقادير التي يحصل عليها الفرد من الحريرات، قد تمنح الفرد وسائل للتدرب على الانضباط، وبالتحديد الانضباط النفسي، ما يقلل من مخاطر انخراطه في السلوكيات الخطرة.
وتؤكد دراسة أجريت في إحدى الدول العربية أن معدلات الانتحار تراجعت خلال شهر رمضان.
وفي هذا السياق يشير اختصاصي بالطب النفسي إلى أن شهر رمضان يمنح الفرد فرصة لاستعادة توازنه النفسي، ليؤكد على استمرارية وتحسن صحته النفسية.
وبحسب ما أوضح مستشار الطب النفسي الدكتور (وليد سرحان)، في تصريح خاص بوكالة قدس برس انترناشونال، فإن شهر رمضان قد يساعد الأشخاص على التخلص من التوتر والقلق والضغوط الاجتماعية والنفسية، إذ أن ممارسة الصيام بالأسلوب الصحيح تحقق للفرد الكثير من المنافع في الجانب النفسي، ففيه صفاء وتواصل مع الخالق، وترفع عن تفاهات الحياة ومشاكلها السخيفة، وفقاً لقوله.
كما قد يفيد بعض المرضى النفسيين من الصيام للأسباب ذاتها، فيما لا يسمح لآخرين منهم بالصيام بغرض متابعة العلاج، طبقاً لما أشار.
الجوع وحالة المزاج .. وتأثيرات مؤقتة
ويشير الاختصاصي إلى أن الصيام بحد ذاته هو درس في الإرادة والتحمل، وخصوصاً فيما يتعلق بالجوع والعطش، وفي العادة يؤثر انخفاض السعرات الحرارية في حالة المزاج للفرد، ففي بداية الأمر يتكدر المزاج، وقد يكون هناك شيء من النزق عند الصائم، إلا أن هذا الشعور ينتهي لاحقاً.
إذ أن الأشخاص العاديين، من غير المدمنين على النيكوتين والكافيين، يشعرون بالجوع في مواعيد الوجبات كالإفطار والغذاء، ولكن هذا الشعور يتراجع تدريجياً، ويزول بمرور الوقت، خصوصاً إذا كان الإنسان منهمكاً في العمل والعبادة، بحسب تقديره.
الصيام يكشف عن وجود المشكلات
ويرى الدكتور (سرحان) أن شهر الصيام لا يتسبب بالقلق والتوتر، وإنما قد يكشف عن معاناة الفرد من مشكلات معينة.
ويقول المختص: إن ما يتردد على السنة الناس من أقوال مثل (أنا صائم ومتوتر)، أو (أنا لا أطيق أحد خلال الصيام) هي تعابير تدل على وجود مشكلة، والمشكلة يكشفها الصوم.
موضحاً أن الصوم بحد ذاته لا يؤدي إلى التوتر و القلق، بل على العكس من ذلك، فهو يؤدي إلى الكثير من المشاعر الإيجابية والصفاء الذهني والعاطفي والتقارب الإجتماعي.
وطبقاً لما أوضح الاستشاري؛ يعد الإدمان من المشكلات التي يكشف الصيام عن وجودها، فمثلاً يعاني الأشخاص الذين يتناولون القهوة والشاي بكميات كبيرة من أعراض انسحاب الكافيين، وهذا يؤدي إلى الكسل والنزق.
أما من أدمنوا على التدخين بأشكاله المتنوعة كالسجائر و الشيشة وغيرها، فمنهم من يكونوا مستفزين بسبب الأعراض الإنسحابية للنيكوتين، بحسب رأيه.
ويشير الاختصاصي هنا إلى ضرورة الإفادة من شهر الصيام للإقلاع عن التدخين، والتقليل من تناول المنبهات، لا القيام بتعويضها خلال فترة الإفطار.
العادات الدخيلة في رمضان و خسائر بالجملة
ومن وجهة نظر الدكتور (وليد سرحان)؛ يتحول العديد من الأشخاص عن ممارسة الصيام بالشكل السليم، وتحقيق الفوائد المرجوة من هذا الشهر، إلى عادات أخرى مثل متابعة المسلسلات التلفزيونية، وتناول الطعام بكميات كبيرة، وإحياء السهرات الرمضانية، الأمر الذي قد ينعكس سلباً عليهم، سواء كانوا من الأصحاء أو المرضى، ويؤثر على صحتهم النفسية والجسدية.
ويضيف إن العادات الدخيلة كزيادة الإنفاق على الطعام، وإمضاء أوقات طويلة في متابعة مسلسلات رمضان، تنعكس بشكل سلبي على الأشخاص، والذين لا يجنون سوى زيادة الوزن والإنفاق خلال هذا الشهر، مع تراجع إنتاجية الفرد منهم.
وفيما يؤكد الاختصاصي على دور الاختلاط الاجتماعي بين الأفراد خلال شهر رمضان، في زيادة التواصل فيما بينهم و تصفية الخلافات، إن وجدت، فإنه يحذر من أن يتحول الشهر إلى موسم لإقامة الولائم المكلفة، والسهر المرهق الذي قد يؤثر على صحة الفرد.