أعشى همدان من القرآن إلى الشعر
هو عبد الرحمن بن عبد الله بن الحارث بن نظام بن جشم الهمداني
أبو المصبح الأعشى. شاعر اليمانيين، بالكوفة وفارسهم في عصره.
ويعد من شعراء الدولة الأموية. كان زوج أخت الشعبي أحد الفقهاء القراء،
وكان قد قص يوماً على الشعبي مناماً رآه، قال: رأيت كأني دخلت بيتاً
فيه حنطة وشعير، وقيل خذ أيهما شئت. فأخذت الشعير،
فقال الشعبي: إن صدقت رؤياك تركت القرآن وقراءته وقلت الشعر، فكان كما قال.
وفد على النعمان بن بشير إلى حمص ومدحه، فيقال إنه حصل له أربعين ألف دينار،
وكان الحجاج قد أغراه الديلم فأسروه وبقي في أيديهم مدة.
ثم إن بنت العلج الذي أسره هويته فمكنته من نفسها،
فواقعها ثماني مرات، فقالت له الديلمية: أرأيت إن خلصتك أن تصطفيني لنفسك؟
قال: نعم. فلما كان الليل حلت قيوده وأخذت به طريقاً تعرفها حتى خلصته ,
فقال الأعشى قصيدته الفائية التي يذكر فيها أسره بالديلم،
وهي طويلة مذكورة في كتاب الأغاني، وأولها.
لمن الظعائن سيرهن تزحـف
عوم السفين إذا تقاعس مجذف
مرت بذي خشب كأن حمولها
نخل بيثرب حمله متضعـف
وله شعر كثير في وصف بلادهم ووقائع المسلمين معهم.
ولما خرج عبد الرحمن بن الأشعث انحاز الأعشى إليه واستولى
على سجستان معه وقاتل رجال الحجاج الثقفي. ثم جيء به
إلى الحجاج أسيراً بعد مقتل الأشعث،
وكان قد قال في الحجاج قصيدته التي مطلعها .
أَتَهجُرُ لَيلى بِالعِراقِ حَبيبَها
وَما كانَ نَفساً بِالفِراقِ تَطيبُ
مَـن مُـبـلِغُ الحَجّاجِ أَنني
قَـد نَـدَبـتُ إِلَـيهِ حَربا
حَـربـاً مُـذَكَّـرَةً عَـواناً
تُـتـرَك الـشُـبّـانَ شُهبا
وَصَـفَـقتُ في كَفِّ اِمرِئٍ
جَـلـدٍ إِذا مـا الأَمرُ غَبّا
يـا اِبـنَ الأَشَجِّ قَريعِ كِندَةَ
لا أُبـالـي فـيـكَ عَـتبا
أَنـتَ الرَئيسُ اِبنُ الرَئيسِ
وَأَنـتَ أَعـلى الناسِ كَعبا
نُـبِّـئتُ حَجّاجَ بنَ يوسُفَ
خَـرَّ مِـن زَلَـقٍ فَـتَـبّا
فَـاِنـهَـض فَـديتَ لَعَلَّهُ
يَـجـلو بِكَ الرَحمَنُ كَربا
فَـإِذا جَعَلتَ دُروبَ فا رِسَ
خَـلـفَـهُـم دَربـاً فَدَربا
فَـاِبعَث عَطِيَّةً في الخُيو لِ
يَـكُـبُّـهُـنَّ عَـلَـيهِ كَبّا
ولما أتي الحجاج بن يوسف الثقفي بأعشى همدان أسيراً،
قال: الحمد لله الذي أمكن منك، ألست القائل.
لما سفؤنا للكفور الـفـتـان
بالسيد الغطريف عبد الرحمن
سار بجمع كالقطا من قحطان
ومن معد قد أتى ابن عدنـان
أمكن ربي من ثقيف همـدان
يوماً إلى الليل يسلي ما كان
إن ثقيفا منهـم الـكـذابـان
كذابها الماضي وكذابٌ ثـان
أو لست القائل.
يابن الأشـج قـريع كـندة
لا أبـالـي فيك عـتـبـا
نبـئت حـجـاج بـن يو
سـف خرمن زلق فتـبـا
فانهض فـديت لـعـلـه
يـجلوبك الرحمن كـربـا
وابعث عطية في الـخـيول
يكبهن عـلـيه كـبـا
كلا يا عدو الله، بل عبد الرحمن بن الأشعث هو الذي خر
من زلق فتب، وحار وانكب، وما لقي ما أحب ورفع بها صوته
وأربد وجهه واهتز منكباه، فلم يبق أحد في المجلس
إلا أهمته نفسه وارتعدت فرائصه.
فقال له الأعشى بل أنا القائل أيها الأمير:
أبى الـلـه إلا أن يتـمـم نـوره
ويطفىء نار الفاسقين فتـخـمـدا
وينزل ذلاً بـالـعـراق وأهـلـه
كـما نقضوا العهد الوثيق المؤكـدا
ومالبث الحجاج أن سـل سـيفـه
عـلينا فولى جمـعـنـا وتـبـددا
وما زاحف الـحـجـاج إلارأيتـه
حـساما ملقى للحـروب مـعـودا
فكيف رأيت الله فرق جمـعـهـم
ومـزقهم عرض البـلاد وشـردا
بمانكثوامـن بـيعة بـعـد بـيعة
إذاضمنوها اليوم خاسوا بهـاغـدا
وما أحدثوا من بـدعة وعـظـيمة
من القول لم تصعد إلى الله مصعدا
ولما دلفنـا لابـن يوسـف ضـلة
وأبـرق منا العارضـان وأرعـدا
قطعنا إليه الخـنـدقـين وإنـمـا
قـطعناوأفضينا إلى الموت مرصدا
فصادمنا الحجاج دون صفـوفـنـا
كـفاحاً ولم يضرب لذلك مـوعـدا
بجند أمير المـؤمـنـين وخـيلـه
وسلطانه أمسى مـعـانـاً مـؤيدا
ليهنىءأمير المؤمنـين ظـهـوره
عـلى أمة كانوابـغـاةً وحـسـدا
وجدنا بـنـي مـروان خـيرأئمة
وأعـظم هذا الخلق حلماً وسـؤددا
وخير قـريش فـي قـريش أرومة
وأكرمهم إلا النـبـي مـحـمـدا
إذا ما تدبرنـا عـواقـب أمـرنـا
وجدنا أمير المؤمنين الـمـسـددا
سيغلب قوما غالبوا اللـه جـهـرة
وإن كـايدوه كـان أقـوى وأكـيدا
وقال فيها متعطفا ومتلطفا.
تعطف أمير المؤمنـين عـلـيهـم
فـقد تركوا أمرالسفـاهة والـردى
لعلهم أن يحـدثـوا الـعـام تـوبةً
وتعرف نصحاً مـنـهـم وتـوددا
فقال من حضر من أهل الشام: قد أحسن أيها الأمير،
فخل سبيله فقال: أتظنون أنه أراد المدح! لا والله! لكنه قال
هذا أسفاً لغلبتكم إياه وأراد به أن يحرض أصحابه. ثم أقبل عليه
فقال له: أظننت يا عدو الله أنك تخدعني بهذا الشعر
وتنفلت من يدي حتى تنجو! ألست القائل! ويحك!.
وإذا سألت: المجد أين محله
فـالمجد بين محمد وسعيد
بين الأغر وبين قيس باذخٌ
بخ بخ لوالده وللمـولـود
والله لا تبخبخ بعدها أبداً. أو لست القائل:
وأصابني قومٌ وكنت أصيبهـم
فاليوم أصبر للزمان وأعرف!
كذبت والله، ما كنت صبوراً ولا عروفاً. ثم قلت بعده:
وإذا تصبك من الحوادث نكبةٌ
فـاصبر فكل غيابة ستكشف
أما والله لتكونن نكبة لا تنكشف غيابتها عنك أبداً! يا حرسي، اضرب عنقه فضرب عنقه.