مَنْ همْ أهلُ العلمِ ووظيفتهم؟
* المفهومُ الشَّرعيُّ لأهلِ العلمِ:
* العلماءُ:
هم الذينَ يعرفونَ شرعَ اللهِ ويفقهونَه ويعملونَ به، المتبعونَ لكتابِ
اللهِ وسنةِ - رسولهِ صلى الله عليه وسلم- والسَّلفِ الصالحِ على هُدًى
وبصيرةٍ، الدَّاعونَ إلى اللهِ بالحكمةِ التي وهبهم الله إياها؛ كما قالَ
تعالى
﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا
وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُوْلُو الأَلْبَابِ ﴾ [البقرة: 269].. والحكمةُ:
العلمُ والفقهُ.
فعلى هذا؛ فالعلماءُ بهذا التعريفِ: هم الدُّعاة
بداهةً، والعلماءُ هم ورثةُ الأنبياءِ، والأنبياءُ هم الدعاة، فأجدرُ من
يتصدَّر الدعوة بعد الأنبياءِ -وقد انقضت النبوة وانتهت- هم العلماءُ.
* وظيفةُ أهل العلم:
تُعدُّ
وظيفةُ أهلِ العلمِ من أهم الوظائف في حياةِ المجتمعاتِ الإسلاميةِ؛ وذلك
لتعلقها بأهم المهماتِ لديهم، وهي دينهم وعبادتهم التي من أجلها خُلقهم
اللهُ على وجهِ هذه الأرضِ.
ومن تأمَّلَ نصوصَ الكتابِ والسنةِ وجدَ وظائف متعددةً لأهل العلمِ؛ لعلَّ أبرزها ما يلي:
1- بيانُ الحقِّ،
وتبليغهُ للنَّاس وعدمُ كتمانهِ عنهم؛ وفي هذا المعنى العظيم يقولُ اللهُ
تعالى: ﴿ وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء
ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾
[آل عمران: 187].
وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا
بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللهُ
وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ﴾ [البقرة: 159].
وقالَ جلَّ وعلا: ﴿ وَمَا عَلَيْنَا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ﴾ [يس: 17].
2- تعليمُ النَّاس ما يحتاجونَ إليه من علومِ الكتابِ والسُّنةِ، وتزكيتهم وفق هذا العلمِ الصحيحِ؛ كما قال تعالى:
﴿لَقَدْ
مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا منْ
أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ ﴾
[آل عمران: 164].
3- الدَّعوةُ إلى اللهِ؛
وإحياءُ شعيرةِ الأمرِ بالمعروفِ والنَّهي عن المنكر؛ كما قال تعالى: ﴿
وَلْتَكُن مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ
الْمُفْلِحُونَ ﴾ [آل عمران: 104].
وقالَ تعالى: ﴿ فَلَوْلا كَانَ
مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ
الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ
وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ
﴾ [هود: 116].
وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاذًا - قَالَ
بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ- صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّكَ تَأْتِي
قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لا
إِلَهَ إِلَّا اللهَ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا
لِذَلِكَ،
فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ
هُمْ
أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ
صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ في فُقَرَائِهِمْ،
فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ،
وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ
اللهِ حِجَابٌ».
4- إفتاءُ النَّاسِ،
وبيانُ أحكامِ الشَّريعةِ لهم مِمَّا يُشكلُ عليهم منْ مسائلَ في حياتهم؛
كما قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي
إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ *
بِالْبَيِّنَاتِ
وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا
نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 43- 44].
5- إسداءُ النصيحةِ؛
فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه
وسلم: «إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ الدِّينَ النَّصِيحَةُ، إِنَّ
الدِّينَ النَّصِيحَةُ». قَالُوا: لِمَنْ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ
«لِلهِ وَكِتَابِهِ وَرَسُولِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَعَامَّتِهِمْ وَأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ».
6- توجيهُ النَّاسِ للحقِّ؛ وإرشادهم للخيرِ؛ ولا سيما عند نزولِ الفتنِ العظيمةِ وحلولِ النوازلِ الجسيمةِ؛ كما قالَ تعالى:
﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ
وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ
لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ
عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [النساء: 83].
وقد
جاءَ هذا المعنى العظيم في قصةِ قارونَ- أخزاه الله-؛ ولنتدبرْ هذه
الآياتِ العظيمةِ: ﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ
الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا
أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ
* وَقَالَ الَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ
وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾ [القصص: 79-
80].
ب- مَا هو دورُ العلماءِ في إصلاحِ المجتمعِ؟
* دورُ العلماءِ في إصلاحِ المجتمعِ:
للعلماءِ
دورٌ بارزٌ على مَرِّ التاريخ في إصلاحِ المجتمعِ؛ ومعالجةِ ما يشوبهُ من
أخطاءٍ وإشكالياتِ؛ ومِمَّا يَدخلُ في هذا الميدانِ البالغِ الأهميةِ ما
يلي من الأمورِ الآتيةِ:
1- مداخلةُ النَّاسِ والاختلاطُ بهم ومناصحتُهم، وفي ذلك يقولُ ابنُ القيم -رحمهُ اللهُ-: "والعالمُ الَّذِي قد عرفَ السنةَ والحلالَ والحرامَ وطرقَ الخيرِ والشَّرِّ؛
ففي مخالطتهِ الناسَ وتعليمهم ونصحِهم في دينهم أفضلُ منَ اعتزالهِ وتفريغِ وقتهِ للصلاةِ وقراءة القرآنِ".
2- التواضعُ للنَّاس والترفقُ بهم والسؤالُ عن أحوالهم، فهذا الأوزاعيُّ -رحمه الله- يسألُ عن أحوالِ الناسِ، ويُطالب الحاكمَ بالإحسانِ إليهم،
فقد بعثَ للخليفة في زمنهِ برسالةٍ يشفعُ فيها في زيادةِ أرزاقِ أهلِ الساحلِ ويذكرُ لهُ حالهم وحاجَتهم.
3- إظهارُ القدوةِ الصالحةِ لهم.
وهذا أمرٌ في غايةِ الأهميةِ لتحقيقِ الدَّورِ المطلوبِ للإصلاح، فإنَّ
النَّاسَ ينظرونَ إلى أهل العلمِ ويقتدونَ بهم ويأخذونَ دِينَهم عَنهم؛
فإذا كانَ العالمُ قدوةً صالحةً يخشى اللهَ ويتورَّعُ عنْ كلِّ ما فيه منقصةٌ له في دينهِ ودنياه، صلح
بصلاحهِ
النَّاسُ، وأما إذا رتعَ وأطلقَ لنفسهِ العنانَ فإنَّ النَّاسَ يقتدونَ به
فيضِلُّونَ بضلالهِ ويستدِلُّون بحالهِ فيكونُ عليهِ منَ الوزرِ مثل
أوزارِهم. يقولُ الإمامُ الأوزاعيُ رحمهُ اللُه:
"كنا قبلَ اليومَ نضحكُ ونلعبُ، أما إذ صرنا أئمةً يُقتدَى بنا فلا نَرى أنْ يَسَعنا ذلك وينبغي أنْ نَتحفَّظَ.
4- بيانُ الحقِّ للنَّاسِ، وعدمُ التلبيسِ عليهم.
يقولُ الإمامُ - أحمدُ رحمه اللهُ-: "إذا أجابَ العالمُ تَقِيَّةً
والجاهلُ يجهلُ فمتى يتبيَّنُ"، ولهذا كانُ علماءِ السلفِ الرَّبانيونَ -
رحمهم اللهُ- يُبينون الحقَّ للناس في دروسهم ومواعظهم وفي كتبهم ويدعونهم للقيامِ
بواجبِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِ عن المنكرِ ويحذرونهم المعاصِي وأهلَها.
قالَ
شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية- رَحِمَهُ اللهُ-: " وَأَهْلُ السُّنَّةِ
وَالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ يَعْلَمُونَ الْحَقَّ وَيَرْحَمُونَ الْخَلْقَ؛
يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ فَلَا يَبْتَدِعُونَ".
5- التصَدِّي للتياراتِ الجارفةِ بالأمةِ منْ أهلِ البدعِ والضلالِ؛ فعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ
«مَا
مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهٌ في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ
أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ
وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ،
ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ
بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لا
يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ
جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ
فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ
خَرْدَلٍ".
أتمنا أن ينال أعجابكم