بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق اجمعين أبي القاسم محمد وعلى اهل بيته الطيبين الطاهرين
( إذا اشتقت إلى الجنة قبّلْتُ نحرَ فاطمة ).
كتب كل المؤرّخين وأرباب الحديث أنّ للرسول ( صلّى الله عليه وآله ) علاقةً عجيبةً بابنته فاطمة (عليها السلام) ، بديهي أنّ علاقة النبي الكريم ( صلّى الله عليه وآله ) بفاطمة ( عليها السلام ) لم تكن علاقة الوالد بولده ، رغم أنَّ هذه العاطفة مكوّنة في وجود الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) ، إلاّ أنّ حديثه وعبارته عن تلك العلاقة تشير إلى وجود معايير أخرى ، ونكتفي هنا بالإشارة إلى بعض الروايات التي صرّحت بها مصادر الفريقين .
1 ـ ( ما كان أحد من الرجال أحب إلى رسول اللّه من عليٍّ ، ولا من النساء أحب إليه من فاطمة ).
الطريف أنّ جمعاً كبيراً من أرباب الحديث قد روى هذا الحديث نقلاً عن عائشة.
2 ـ عندما نزلت الآية الشريفة :
( لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ) .
لم يخاطب المسلمون الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) باسمه ، بل أخذوا ينادونه يا رسول اللّه أو يا أيّها النّبي ـ تقول فاطمة ( عليها السلام ) : ( لمّا نزلت الآية الشريفة هِبت رسول اللّه أن أقول له يا أبة ، فكنت أقول : يا رسول اللّه ، فأَعرض عني مرةً واثنين أو ثلاثاً ، ثمّ أقبل عليَّ فقال : يا فاطمة إنّها لم تنزل فيك ولا في أهلك ولا في نسلك ، أنت مني وأنا منك ، إنّما نزلت في أهل الجفاء والغلظة من قريش ، أصحاب البذخ والكبرـ ثمّ أضاف هذه العبارة الروحية العجيبة ـ قولي يا أبة فإنّها أحيى للقلب وأرضى للرّب ) .
لقد كان لصوت فاطمة ( عليها السلام ) الحنون وهي تردّد ( يا أبتاه ) ، وقعاً مؤثراً في نفس الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) كوقع أمواج النسيم على البراعم المتفتحة .
3 ـ جاء في حديث آخر
( كان رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) إذا سافر كانت آخر الناس عهداً به فاطمة ، وإذا رجع من سفره كانت ( عليها أفضل الصلاة ) أوّل الناس عهداً به )
4 ـ نقل كثير من محدثي الشيعة والسنّة حديثاً للرسول ( صلّى الله عليه وآله ) قال فيه :
( مَن آذاها فقد آذاني ، ومَن أغضبها فقد أغضبني ، مَن سرّها فقد سرّني ، ومَن ساءها فقد ساءني )
لا شك أنّ حرمة الزهراء ( صلّى الله عليه وآله ) ورفعتها إنّما تعود ؛ لسمو شخصيتها وسمو مكانتها ، وإخلاصها وعلو إيمانها وعبوديتها ، ولا غرو فهي أمّ الأئمة وزوج أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
لكنّ الرسول ( صلّى الله عليه وآله ) أراد أن يفهم المسلمون حقيقةً أخرى ، ويفصح عن رأي الإسلام بشأن أمر آخر ، فيخلق ثورة فكرية وثقافية في ذلك الوسط فيقول :
البنت ليست كائناً يجب أن تُوأد.
أنظروا ... أنّي أقبّل يد ابنتي ، وأجلسها مكاني ، وأكنّ لها عظيم احترامي وتقديري .
البنت إنسان كسائر الناس ، نعمة من نعم الخالق ، وموهبة إلهية .
وإنّها كأخيها الرجل في سيرها نحو الكمال والقرب الإلهي ، وهكذا أعاد رسول اللّه ( صلّى الله عليه وآله ) للمرأة شخصيتها التي تصدّعت في ذلك الوسط المظلم .