ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام : ( من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) ؟.
الحمد لله
هذا الحديث رواه البخاري (1521) ومسلم (1350) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي
الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ
أُمُّهُ ) .
وفي رواية للترمذي (811) : ( غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبه ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وهذا الحديث كقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ
فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )
البقرة/197 .
وَالرَّفَث : اِسْم لِلْفُحْشِ مِنْ الْقَوْل , وَقِيلَ : هُوَ الْجِمَاع .
قال الحافظ :
" وَاَلَّذِي يَظْهَر أَنَّ الْمُرَاد بِهِ فِي الْحَدِيث مَا هُوَ أَعَمُّ
مِنْ ذَلِكَ , وَإِلَيْهِ نَحَا الْقُرْطُبِيّ , وَهُوَ الْمُرَاد
بِقَوْلِهِ فِي الصِّيَام ( فَإِذَا كَانَ صَوْم أَحَدكُمْ فَلا يَرْفُث ) "
انتهى .
أي أن الرفث في الحديث يشمل الفحش في القول والجماع معاً .
( وَلَمْ يَفْسُقْ ) أَيْ لَمْ يَأْتِ بِسَيِّئَةٍ وَلا مَعْصِيَةٍ .
وَمَعْنَى ( كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمّه ) : أَيْ بِغَيْرِ ذَنْب .
وَظَاهِره غُفْرَان الصَّغَائِر وَالْكَبَائِر . قاله الحافظ .
" وإليه ذهب القرطبي والقاضي عياض ، وقال الترمذي : هو مخصوص بالمعاصي
المتعلقة بحق اللّه لا العباد " قاله المناوي في "فيض القدير" .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : معنى قوله عليه الصلاة والسلام : (
من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه ) : أن الإنسان إذا
حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وهو إتيان النساء ، والفسوق وهو
مخالفة الطاعة ، فلا يترك ما أوجب الله عليه ، ولا يفعل أيضاً ما حرم الله
عليه ، فإن خالف فهذا هو الفسوق . فإذا حج الإنسان ولم يفسق ولم يرفث فإنه
يخرج من ذلك نقياً من الذنوب ، كما أن الإنسان إذا خرج من بطن أمه فإنه لا
ذنب عليه ، فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقياً من ذنوبه" .
"فتاوى ابن عثيمين" (21/20) .
وقال أيضاً (21/40) : "ظاهر الحديث أن الحج يكفر الكبائر ، وليس لنا أن
نعدو الظاهر إلا بدليل ، وقال بعض العلماء : إذا كانت الصلوات الخمس لا
تُكَفِّر إلا إذا اجْتُنِبَت الكبائر وهي أعظم من الحج وأحب إلى الله ،
فالحج من باب أولى ، لكن نقول : هذا ظاهر الحديث ، ولله تعالى في حكمه شئون
، والثواب ليس فيه قياس " انتهى بتصرف يسير .