الخيرة فيما اختاره الله
إن هذا الكون في أدق أحداثه يجري وفق الإرادة الإلهية ( وَمَا تَشَاءُونَ إِلا أَنْ
يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) ومن ظن واهما أنه قادر على صنع
الأحداث دون إرادة من الله فهو غارق في دياجير الوهم والجهل
( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) ..
وإذا أراد الناس أمرا وأراد الله أمرا فأمر الله هو الغالب ، ولله سنن لا تتبدل
مع تعاقب الأيام ( فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً )
ومن سننه أنه دائما وأبدا مع المؤمنين المتقين .. ولكن هذه المعية لا تعني
أنه لا يصيبهم أذى في هذه الحياة الدنيا ، ولكن الأمر لا يتجاوز الأذى
( لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُون َ)
ولكن ما يصيبهم من نصب ووصب ومخمصة وفقد للأموال والأنفس إنما
يكون من لطفه بهم وهو خير لهم في الدنيا والآخرة وإن بدا في ثناياه
ما يمكن أن يطلق عليه شرا ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى
أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُون َ)
فكم من حادثة اعتقدنا أنها شر محض وإذا بها تنقلب إلى خير محض من
حيث لا نعلم !!
ولقد ضرب لنا سبحانه الأمثلة في كتابه التي تدل على أن الأحداث التي
يصنعها البشر هي من صنع الله لتحقيق الخير لعباده المؤمنين ، فهذا سيدنا
يوسف عليه السلام يلقيه إخوته في الجب ثم يباع بثمن بخس ، ثم تراوده
سيدة القصر فيأبى ثم يوضع في السجن ، ليخرج من السجن عزيزا لمصر
فيسجل الله سبحانه ( وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ
نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ )
نفهم من ذلك أن الله أراد أن يمكن ليوسف عليه السلام في الأرض ، فأجرى
أمور قـدّرها على أيدي المخاليق الذين ظنوا أنهم إنما كانوا يكيدون ليوسف
عليه السلام ، وأنهم هم الذين يخططون وحدهم ، فإذا بالسحر ينقلب على
الساحر ليقول إخوته بعد ذلك : ( تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ )
ولتقول سيدة القصر(الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِه وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِين)
فأي خير أعظم من هذا الذي أصاب يوسف عليه السلام ، وأي مأساة أكبر من
مأساته التي مر بها ، ولكن الخيرة فيما اختاره الله ، فمن رَحِم المعاناة كان
التمكين له بإذن الله ...
قد يظن العدو أنه هو الذي يختار الحدث وأن في مقدوره تحديد النتائج
ولكن القضاء يكـذّب ظنه !!
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ
وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ )