عند انطلاقة الثورة الصناعية في مختلف أنحاء العالم، ترك أبناء العائلات الفلاحية قراهم ليلتمسوا العمل في المدن، وانفصلوا عن عائلاتهم الممتدة التي كانت المصدر الأساسي لعلاقات الجماعة الأولية قبل بداية التصنيع، وبذلك فقدوا جذورهم. وهكذا تكونت العائلة النووية وتعرضت بدورها للخطر في معظم المجتمعات.
لقد عزل الإنسان نفسه عن مجتمعه وأصبح غريبا حتى بالنسبة لنفسه، وجاء التفكك الاجتماعي والاغتراب نتيجة التحضر الذي أعقب الثورة الصناعية، وبذلك أصبح الإنسان غريبا بالنسبة لنفسه، وأصبح مكان العمل بالنسبة للكثيرين يمثل عالم الجماعة الثانوية ولا يمثل علاقات الجماعة الأولية، ومع تطور الأدوات التي يستخدمها الفرد زاد من عزلته عن جيرانه وعن أفراد أسرته. ثم أخيرا عن نفسه، وهو ما يمثل مكونا مهما من مكونات العصر الصناعي. والاغتراب يعني الحرية بالنسبة للكثيرين طالما كان باستطاعتهم أن يفعلوا ما يشاؤون دون اعتبار لرد الفعل الناتج عن أسرهم.
يقول "فروم " إن الإنسان العصابي هو كائن مغترب، أنه لا يحس بأنه قوي، ويخاف وهو مكبل لأنه لا يرى ولا يعرف نفسه ذاتا ومسببا لأعماله وتجاربه فهو عصابي لأنه مغترب.
تمثل ظاهرة اغتراب الشباب والمراهقين في الوقت الحاضر ظاهرة تثير القلق في المجتمعات المتقدمة والنامية على حد سواء، ولا سيما أنه بدأ يأخذ شكلا جماعيا، فهم يعبرون عن اغترابهم بصور مختلفة منها الانسحاب من الحياة الاجتماعية أو التمرد على كل ما هو مألوف والرفض لكل ما هو تقليدي، والمخالفة الصارخة لكل النظم والأوضاع المتعارف عليها، حيث يشكل ذلك ما يعرف باسم الثقافة المضادة.
إن الشعور بالاغتراب يكون نتيجة الانفصال عن الأنا عندما يتوحد الفرد مع أحد الجانبين على حساب الآخر.
ويرى " فرويد " أن الفرد تتولد لديه مشاعر الضيق والتوتر عندما يواجه الفرد بتعقيدات الحضارة وضوابطها المختلفة التي تقف حائلا دون إشباع رغباته وحاجاته، مما يؤدي إلى شعوره بالكبت، لحيلة دفاعية يلجأ إليها لمحاولة التوفيق بين رغباته وإشباعاته والنظم والضوابط الاجتماعية والثقافية التي تفرضها عليه ظروف التغير المستمر للمجتمع، وعندما تزداد هذه النظم تعقيدا تظهر لدى البعض المعاناة من الشعور بالقلق والاغتراب.
ويرى البعض أن الشعور بالاغتراب حالة مؤقتة تصيب الفرد نتيجة لبعض عوامل التنشئة الاجتماعية والمؤثرات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي يمر بها المجتمع في فترة معينة.
وكذلك عمليات التغير الاجتماعي المتلاحق تجعل من الإنسان مغتربا في كثير من الأحيان، مما يشعره بالوحدة والعزلة لأنه قد انفصل عن ذاته، وعن الناس وتؤثر كذلك على اتجاهه نحو المجتمع الذي يعيش فيه فيشعر بعدم الأمن والانتماء وافتقاد القدرة على التواصل مع الآخرين.
ويمكن للإنسان أن يشعر في بعض المواقف بالانتماء، العدوانية، السخط، القلق نتيجة للاحباطات والصعوبات والعقبات التي يتعرض لها وهى المظاهر الإيجابية للاغتراب.
وأيضا يمكن للفرد أن يكون في نفس الوقت سلبي مع موقف وإيجابي مع موقف آخر، فقد يتضمن الموقف الواحد شقين للتفاعل فيكون الشخص سلبي مع جزء من الموقف وإيجابي مع الجزء الآخر من الموقف حيث يكون الجزء الأول من الموقف لا يمثل للشخص شيئا فلا ينفعل به وبالتالي يكون سلبيا تجاهه.