,
ليس كل صامتٍ خجول أو جبان!
وليس كل فصيح ٍ صاحب حق
ولربما يأسرنا معسول اللسان ولكنه عند العشرة لا يطاق
وكم توجسنا وابتعدنا عن اشخاص لمجرد ملامحهم الغامضة او ردة فعل اسيء فهمها
لنكتشف فيما بعد انهم ابرياء مما اقـترفته نوايانا ويستحقون الود والتقدير..
انطباعاتنا ترتسم من خلال التعامل مع الآخرين وما تدركهحواسنا..
علمتنا الحياة اننا نفتقر لـفهم حقيقة الكثير من تصرفات الآخرين
وعلمتنا الحياة ايضا اننا مهملين وغير ماهرين في احتواء سوء الفهم وتنقية مشاعرنا اتجاه الآخرين..
انحسرت مداركنا في انماط محدوده اختزناها فاصبحنا نـُقـَوْلِبْ الشخصيات فيها..
أمورفي غاية الاهمية، تكمن فيها مفاتيح السعادة للحفاظ على الود بين الناس وتقوية علاقاتهم..
من السهل ان نحكم بانطباعاتنا الاولية.. ننعت شخص بالطيبه وآخر بالعدوانيه وشخص آخر بالمرح..
الا ان هناك "وجه آخر" قد يوافق انطباعاتنا او يخالفها بدرجات متفاوته..
الصفات الدفينه لا يحركها ويدفعها لتطفو على سطح السلوكيات الا امتحان المواقف..
هذا ما نلمسه عندما نخالط الناس ونعيش كثيرا من أحوالهم لنكتشف اننا نجهل صفات خفية في شخصياتهم،
هي التي تصبغ بعض التصرفات وتربك توقعاتنا..
,,, _ ,,, _ ,,,
عـُرف الشرطي خالد بأسلوبه المرح، لا يكاد أن ينجو احد من مزاحة الساخر الذي يتجاوز الحد أحيانا
مما جعل الكثير يحسده على روحه المرحة، ولكن الجميع تفاجأ بأعراض الإكتئاب التي بدت عليه
مؤخراً وانتهى به المطاف في العيادات النفسية، يصف له الأطباء عقاقير الاكتئاب والهلع
الاجتماعي.. قالت أمه للسائلين عنه: ولدي وأنا اعرفه جيداً، انه عصبي!
ما كان لجوء خالد للمرح الا ليفرغ شحنات التوتر المحتقنة في نفسه من هموم وهواجس حرمته
راحة البال لا أحد يعلمها غيره..
فرق بين من يمرح من فيض مشاعر ومن يستهلك المرح لحاجة مشاعر..
هناك من يبث المرح عطاءاً، يسعد بإدخال السرور على نفسه والآخرين، هذا الصنف تحركه رغبة
ذاتيه ليستقطع وقتا للمرح ويأخذ نصيبا منه حقاً عليه لنفسه ولمن حوله.. وهناك من يلجأ الى
المرح استشفاءاً لنفسه التي تنوء تحت وطأة الحرمان من دعابة تتنفس من خلالها فإذا بالإرهاق
يوخزها فتئن لـجرعة مرح تـُسكـّن ألمها..
في الجانب الآخر يظن الكثير من الناس أن البوح الحزين ينم عن شخصية حزينة!
بعض الشخصيات يستهويها اللحن الحزين ولا يلهمها الا الجو الحزين، تميل الى تناول قصص الحزن
ونقل الاحداث المحزنة.. مثل تلك الشخصيات معرضه لعدم استمتاع الآخرين بصحبتها
ولكن الملفت للنظر ان هؤلاء ربما يهفون لجرعة الحزن لإشباع عاطفتهم.. لا يـُنقص ذلك من إتزان
شخصياتهم واحتوائها على المرح..
المتأمل فيمن يستجيبون لزخات الحزن يجدهم صنفان، صنف تنتابه أعراض الحزن من جراء ما
يصيبه من الاكدار وصنف يستخدم التعبير بالحزن ليلبي حاجه عاطفية في ذاته، ولربما فاضت دمعته
ايذاناً بالارتواء..
,,,_,,,_,,,
نصح صديق لي أحد اقاربه بترك التدخين فـفوجئ بردة فعل عنيفة ومدهشة في آنٍ واحد..
كان رده كالآتي: "حتما عندما يأتي يوم اجلي لا اريد ان اموت وانا بصحة جيدة" !!! علامة توتر وعدم
تقبل النصيحة.. صـُدم صديقي لغرور قريبه وفضاضة رده حيث ما بدر منه سوى نصيحة.. هذا الصنف
الذي ينطق بخلاف ما يمليه عليه عقله هو ما نسميه "عنيد" وفي رواية "معاند" والبعض يصفه
بـ "الرأس المتحجر" وفي رأيي انه لا يخرج عن صنف "من اتبع هواه"..
قليل جدا من الناس الذين يجيدون التعامل مع الشخصية العنيده، والاغلبية ينتهي بهم
المطاف في حلبة الجدل لا يخرجون منها بمنتصر ولا مهزوم والسبب هو عدم فهم شخصية المعاند..
قد يكون المعاند صادق امين وعطوف ولكن تكوينه النفسي والبيئي يضعه على شفا حفرة من توتر
تجعله في حالة استعداد نفسي للوقوف في الاتجاه المعاكس لان في اعماقة كبرياء معتم يحجب
عنه الانسجام مع ذهنه .. كبريائه الوهمي يصور له ان قبول الرأي الآخر هزيمة ورفع لمقام الطرف
الآخر فوق مقامه هو مما يصيبه بصدمه نفسية تقذف به في الاتجاه المعاكس ليكون في معظم
احواله خصماً يستعذب المشاكسه..
لفت نظري اثناء ذهابي وأيابي احد اطفال الحارة وكان يبدو عنيداً مشاكساً غير منسجم مع رفاقه،
يشعرك بانه عندما يكبر لن يكون حنوناً او حميمياً قط مع الآخرين، ولكن دهـِشت عندما سمعت أباه
يصفه بكثير الالتصاق بامه وابيه يستأنس بلمساتهما وحضنهما وبعبث ايديهما في شعر رأسه، فهو
يتعطش لذلك ويشعر بالراحة عند استدرار حنان وعطف والديه.. لم أجد تفسيراً لتنقاقض تعطشه
العاطفي في البيت مع سلوكه القاسي مع اصحابه الا انه نابع من الاحساس بالفقد، أي ان الدافع
بيئي لا يعكس طبيعة شخصية ذلك الطفل.. وينطبق على هذا الطفل "فاقد الشئ لا يعطيه"
,,,_,,,_,,,
أخيراً..
نحن امام انسان نقرأ في صفحة وجهه صفات كثيره نتفاعل معها بقوه ولكننا نتجاهل الصوت
المتردد في اعماقه.. تلك الذبذبات العاطفية والنبرات الوجدانية المنبعثة من مكنونات النفس تسكن
تضاريس الاعماق وتتنقل في ارجائها في خلجات تحملها من والى مأواها ولكنها اذا اشتدت عليها
حرارة مكامنها خرجت تتسلق النبض والحواس وتشكل الانفعالات وتنبئ عن الجانب الخفي في الشخصية..
فهل تعرفنا على الوجه الآخر؟