يتعرض الإنسان خلال مسيرة حياته للكثير من المواقف السعيدة والمحزنة، فهو تارة يفوز ويكسب، فيفرح ويسعد بما حققه، وتارة أخرى يفشل في عمل ما فيحزن ويكتئب. تعد الحالة الأولى من الأمور الجيدة التي يتذكرها ويفخر بها الإنسان. أما في الحالة الثانية فهناك مشكلة قد تكون سببا في تعرض الشخص لأزمة نفسية تؤثر عليه وعلى من حوله، فالفشل أمر مؤلم ومحزن،
والإنسان بطبيعته يخطئ في كثير من الأمور، ولكن هل يعتبر الفشل نهاية المطاف بالنسبة له أم أنه يعد نقطة انطلاق جديدة لتحقيق مكاسب وفوز في أمور حياتية أخرى؟. لمعرفة التداعيات الصحية والنفسية لتعرض الإنسان للفشل
فشل ذريع
«لا يمكن تخطيه بسهولة وخصوصا إذا كان الفشل كبيراً»، هذا ما قاله مروان علي عن الفشل وتجربته معه وتابع: لقد تأثرت كثيراً جراء فشلي في مشروع تجاري، أمضيت ثلاث سنوات من عمري وأنا أحلم به وأعد له، لكني أخطأت في تقدير بعض الأمور التي لم أتوقع أن تدمره، شعرت بأن الدنيا قد ضاقت علي،
رغم أن من حولي جاهدوا في التخفيف عني إلا أن وطأة الضغط النفسي الذي بت أكابده، جعلتني بعيدا عنهم، وإن كنت اجلس بينهم إلا أن فكري وذهني منشغلان بالفشل الذي منيت به. بت قليل الكلام ومنطويا على نفسي وسريع الغضب ممن حولي، لا أتقبل منهم أي شيء، فقد كان لهذه التجربة دور كبير في تغيير شخصيتي وسلوكي العام مع الناس إلى الأسوأ. فبعد أن كنت اجتماعيا ومرحا بت كئيباً ومملاً وهذا وصف أصبح كثير من أصدقائي يصفونني به.
أحلام منهارة
سلام محمد حدثتنا عن تجربتها مع الفشل ومدى التأثير السيئ الذي ألحقه بها قائلة: لقد قلب فشلي الدراسي الخطة التي رسمتها لنفسي رأساً على عقب. لقد كنت متفوقة في الدراسة في كافة المراحل حتى أنهيت دراستي الثانوية وجاءت المرحلة الجامعية التي لم أفكر مليا في اختيار التخصص الذي يتناسب وقدراتي خلالها، مما عرضني للرسوب في مواد عدة وذلك دفعني لترك الدراسة
والجلوس في المنزل بعدما كانت لي أحلام وطموحات لا تعد ولا تحصى، فبت فتاة انعزالية أجلس في البيت قليلة الكلام، أحاول الخلود إلى نفسي وأتجنب الحوار مع الآخرين، فمنذ ذلك الحين وأنا أشعر بالنقص والدونية بسبب الفشل الذي منيت به دراسيا، والذي يعد الفشل الأول في حياتي وها أنذا الآن متزوجة وأسعى جاهدة لتعويض فشلي بإنجازات ونجاحات أبنائي.
انطلاقة جديدة
«لم تكن كلمة فاشل سببا في تدمير نفسيتي بل كانت حافزا لانطلاقي من جديد». هكذا بدأ ياسر إسماعيل كلامه عن الفشل وتبعاته. وتابع: لقد نعتوني بالفاشل منذ كنت صغيرا، نعم لم أكن متفوقا في الدراسة لكنني أثبت نفسي في أمور عدة أخرى.
فقد مارست بعد تركي المدرسة أعمالا مختلفة وأخيرا وجدت نفسي في التجارة وها أنا اليوم أحقق النجاح وأعيل أسرتي الكبيرة. فالفشل بالنسبة لي كان مسألة ثانوية، إذ لا يوجد إنسان فاشل كليا، فقد تفشل في مجال وتتفوق في آخر وليكن تفوقك العلاج الناجع لأي تجربة فشل مررت بها خلال حياتك.
وصف خاص
رامي المومني كان له وصف خاص للفشل، حيث قال إنه شعور يمكن أن يقتنع الشخص به فيلازمه دوما وإما أن يتجاوزه ويبدأ من جديد، لذلك أنا لم استسلم لفشلي لكني اعترف به. فقد كانت مرحلة مررت بها وعانيت منها كثيراً وذلك خارج عن إرادتي.
فمن الطبيعي أن أشعر بعد تعرضي للفشل بالضيق وفقدان الشهية للكثير من الأشياء التي كنت أحبها، فقد نقص وزني في تلك الفترة وأصبت باعتلال، وقد أثر فشلي على كل من حولي فهم أيضا عانوا مما أصبت به من تعب جسدي
جسدي ونفسي، وحاولوا بكل طاقاتهم التخفيف عني والوقوف إلى جانبي وكان لهذا أثره الكبير في اجتيازي تلك المرحلة والبدء من جديد.
الطب النفسي
وعن الفشل وتأثيراته النفسية حدثنا د. محمد سامح اختصاصي الأمراض النفسية في مستشفى بلهول التخصصي قائلا: الفشل هو عدم حصول الشخص على النتيجة المطلوبة بعد بذل جهد معين، ما يؤدي لضغوطات نفسية والتي غالبا ما تؤدي لفقدان ثقة الشخص بنفسه، وتجعله يبدأ بمراجعة مراحل حياته التي مرت،
ولو كان الإنسان سويا من الناحية النفسية يستطيع تجاوز الفشل بطرق عدة، ومنها بذل مجهود أكثر وتحسين الأداء أو القيام بتحديد قدراته وملكاته والعمل على ذلك ليحصل على النجاح، ولو شعر أن الهدف أكبر من قدراته فيجب أن يسعى لتحقيق ما هو أبسط وصولاً لما يريد.
بالإضافة لذلك، فإن الشخص الذي يتعرض للفشل يدخل عادة في حالة من العزلة، حيث يقل تفاعله الاجتماعي لاعتقاده أن كل من حوله ينظرون إليه نظرة دونية، لذلك ينغلق على نفسه وقد يدخل في حالة اكتئاب شديدة وتنتابه أفكار سوداوية، وفي هذه المرحلة يكون الشخص بأمس الحاجة لمساندة ودعم من حوله، سواء العائلة أو الأصدقاء.
فهو بحاجة لتضميد الجراح التي خلفها ذلك الفشل. فالدعم الأسري مهم جدا وذلك بإيجاد المبررات، بدل المحاسبة والصبر عليه فهو بحاجة لفترة طويلة كي يتعافى مما هو فيه، وكثير من الأشخاص الذين يتعرضون للفشل في حياتهم تتغير شخصياتهم بشكل كامل،
وقد تتغير حياتهم أيضا، حيث يكون هذا الفشل دافعا لهم وبداية لتحقيق نجاحات وأحلام وطموحات جديدة تراءت لهم بعد فترة المعاناة وصدمة الفشل التي تعرضوا لها، لذلك فإن الإنسان السوي نفسيا يسهل عليه تخطي الفشل. أما من يعاني من اضطرابات وضعف في الشخصية فهو بحاجة لدعم ومساندة لاجتياز تلك المرحلة والبدء من جديد.