الرقابة الذاتية
قال تعالى: ((يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللَّه ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا اللَّه إن اللَّه خبير بما تعملون))
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله : ((حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا و تجهزوا للعرض الأكبر)) .
وقال أمير المؤمنين عليه السلام:
(( حاسب نفسك لنفسك فإن غيرها من الأنفس لها حسيب غيرك)) .
وورد في الزبور:((يا بني آدم جعلت لكم الدنيا دلائل على الآخرة وإن
الرجل منكم يستأجر الرجل منكم فيطلب حسابه فترعد فرائصه من أجل ذلك و ليس
يخاف عقوبة النار وأنتم مكثرون التمرد)) .
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ((أكيس الكيسين من حاسب نفسه
وعمل لما بعد الموت , وأحمق الحمقى من اتبع نفسه هواها وتمنى على اللَّه
الأماني)) .
وقال الإمام الصادق عليه السلام: فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا , فإن
أمكنة القيامة خمسون موقفاً كل موقف مقام ألف سنة ثم تلا هذه الآية:( في
يوم كان مقداره خمسين ألف سنة)
وقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ((حاسبوا أنفسكم قبل أن
تحاسبوا, ومهدوا لها قبل أن تعذبوا, وتزودوا للرحيل قبل أن تزعجوا, فإنما
هو موقف عدل واقتضاء حق وسؤال عن واجب وقد أبلغ في الإعذار من تقدم
بالإنذار)) .
ميزان الحكمة
هذه طائفة من الأخبار المؤكِدة على وجوب محاسبة النفس والرقابة لها
فإن اليوم عمل بلا حساب ولكن الغد حساب من دون عمل لا يستطيع العاصي إلا أن
يقول: رب أرجعوني لعلي اعمل صالحاً فيما تركت.
فإن كان هذا حال الدنيا وكما عبر نبي اللَّه نوح عليه السلام على ما
أعطاه اللَّه من عمر مديد فقال كأني في غرفة لها بابان دخلت من باب وخرجت
من باب ولعل الإنسان لا يعرف قيمة عمله في الحياة الدنيا ولكن في الآخرة
يرى أن كل عمل بسيط يكون للَّه تعالى قيمته لا توصف وقد سطر لنا التاريخ
قصة نبي من أنبياء اللَّه تعالى عليهم السلام فقد دخل في كهف مع أصحابه
فتخبطوا في شبه حجارة وكان الكهف مظلماً فقال لهم كل يأخذ ما استطاع من هذه
الحجارة وهذا لا إلزام فيه.
ففعلاً بعضهم أخذ وبعضهم لم يأخذ فما الذي يفعل بالحجارة؟. وبعض
حباً لأمر اللَّه تعالى الملقى من أحد أنبياءه أخذ بما أعطاه اللَّه من
مكنة، وعندما خرجوا من الكهف حصل ما أذهلهم فهذه ليست بحجارة ولكنها جواهر
ففرح من أخذ وحزن من لم يأخذ ومن استزاد فرح أكثر ثم قال لهم نبيهم فيما
معناه: هذا مثال لعالم الآخرة فالناس لا يعرفون قيمة عملهم ولكن في الآخرة
تجلوا السحب عن عيون الناس .
أنظري وتأملي فبصرك اليوم حديد يوم لا شيطان يملي ولا حشم ولا أهل
يحمي بل العمل العمل نعم الشفاعة ورحمة اللَّه تعالى واسعة ولكن نتساءل هل
كلنا فينا القابلية والاستعداد لأن نكون ممن يشفع له أو يرحم أو أننا بعدنا
عن اللَّه تعالى فأنسانا أنفسنا بنسياننا ذكر اللَّه تعالى وحبه .
فاللَّه اللَّه في أعماركن فبعض النساء تموت وهي تعلم بموتها فتقرأ
القرآن وتوصي وتتشهد عند إحتضارها فتموت سعيدة لأنها أخلصت له جل وعلا ,
ولكن هناك نساء تموت على معصية فما حالها وقد أخبرني بعض الثقاة أن امرأة
منحرفة يوم ماتت قاموا بمراسيم وفاتها وعند دفنها سمعوا أنيناً و صراخاً من
قبرها فما حالها ؟ . وماذا قالت ؟ . وماذا قيل لها ؟ . وكيف استقبلتهم ؟ .
فاللازم على كل امرأة صالحة أن تسير على منهاج محمد وآل محمد فما
أوجبه الشارع تفعله و ما حرمه تجتنبه وكل مشتبه تحاول الاجتناب عنه .
ولكن السؤال الآن كيف تكون عملية الرقابة الذاتية و محاسبة النفس ?
الجواب :
أهل البيت عليهم السلام تكفلوا بالإجابة عن كل ذلك وإليك بعض الأخبار:
عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ((حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض
عمله في كل يوم وليلة على نفسه فيكون محاسب نفسه فإن رأى حسنة استزاد منها
وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة)).
وعنه عليهالسلام قال: (( إذا أويت إلى فراشك فانظر ما سلكت في بطنك وما كسبت في يومك واذكر أنك ميت وأن لك معاداً)).
وقال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يوم سئل عن كيفية محاسبة
النفس قال: إذا أصبح ثم أمسى رجع إلى نفسه وقال: يانفس إن هذا يوم مضى عليك
لا يعود إليك أبداً واللَّه سائلك عنه فيما أفنيته فما الذي عملت فيه؟
أذكرت اللَّه أم حمدتيه؟
أقضيت حق أخ مؤمن؟
أنفست عن كربته؟
أحفظتيه بظهر الغيب في أهله وولده؟
أحفظتيه بعد الموت في مخلفيه؟
أكففت عن غيبة أخ مؤمن بفضل جاهك؟
أأعنت مسلماً؟
ما الذي صنعت فيه؟
فيذكر ما كان منه فإن ذكر أنه جرى منه خير حمد اللَّه عزوجل وكبره
على توفيقه وإن ذكر معصية أو تقصيراً استغفر اللَّه عزوجل وعزم على ترك
معاودته)).
فهذا أفضل أسلوب لمحاربة النفس ومواجهة انحرافها فليكن ذلك درساً تسيرين على منهاجه طول حياتك .
من ثمار المحاسبة
وأما ثمرة كل ذلك فعظيمة فمنها ما روي عن الأمير عليه السلام قال: ((من
حاسب نفسه وقف على عيوبه وأحاط بذنوبه واستقال ذنوبه وأصلح العيوب)) .
وقال عليه السلام (( حاسبوا أنفسكم تأمنوا من اللَّه الرهب وتدركوا عنده الرغب)).
وقال عليه السلام: ((من حاسب نفسه ربح ومن غفل عنها خسر ومن خاف أمن)) صدق مولانا أمير المؤمنين عليه السلام .
تفصيل ثمار المحاسبة :
1- رضا الله تعالى . 2- الراحة النفسية .
3- سعادتها دنيا وآخرة . 4- عدم الخوف من الموت .
5- حب زوجها وأهلها لها . 6- قلة المشاكل العائلية .
7- تدارك الأخطاء بسرعة . 8- الاستزادة من فعل الخيرات .
9- نسلها يكون نسلاً طيباً (فما كان خيراًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًًَ فلا ينتج إلا الخير ولكن بشروطه) .
وأخيراً نذكر هذه الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام قال: ((من أصلح
ما بينه وبين اللَّه أصلح اللَّه ما بينه وبين الناس ومن أصلح أمر آخرته
أصلح اللَّه أمر دنياه ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من اللَّه حافظ
)).
آثـار الحيــاء
من الصفات المحمودة والتي يجب على كل مؤمن أن يتحلى بها وخصوصاً المرأة هو
الحياء وهو معنى معروف ومتداول والحياء تارة يكون من اللَّه وتارة يكون من
الناس وكلاهما يوفران للفرد المؤمن الصلاح والأمن من مكائد الشيطان
وللمجتمع بالثقة والمحبة وعلاوة على ذلك ورضوان من اللَّه أكبر .
وفي هذا المجال كثرت الروايات و إليك بعضاً منها فأنت ذات لسان عربي وستفهمين المراد منها من دون أن أطيل:
1- قال الرسول الأكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلم :
((الحياء لا يأتي إلا بخير))
لأنه الحياء من صفات أولياء اللَّه تعالى واللَّه تعالى لا يخيب أولياءه .
2- وعن الإمام داحي باب خيبر عليه السلام قال:
((أحسن ملابس الدنيا الحياء)) .
3- وقال النبي الأقدس سلام اللَّه عليه وعلى آله:
(( من كساه الحياء ثوبه خفي على الناس عيبه)) .
فلن يقدم الإنسان الحيي على ما يشينه وبذلك تكون ورقته بيضاء من الذنوب .
4- عن الإمام الصادق عليه السلام: ((فيما كتب إلى أصحابه و أمرهم
بمدارستها والنظر فيها وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون
قبلكم)) .
فان كنت تعتقدين أن إمامك هو الإمام الصادق جعفر بن محمد فلا بد أن
تلتزمي بأوامره ونواهيه فهو عليه السلام يخاطبك ويقول عليك بالحياء واتركي
كل ما تركه الصالحون لتسعدي دنياً وآخرة لا أن تفعلي ما يفعله أراذل الناس
في المجتمعات الإسلامية والغربية بل انظري للزهراء تارة وانظري إلى واقعك
تارة أخرى واسألي نفسك هل هناك مشابهة بيني وبينها عليها السلام ثم انظري
إلى النساء المنحرفات بكل صورة وكيفية .
وانظري لنفسك فهل تقتدين بهذه المرأة المنحرفة ثم تأملي فأي الطريقين
تسيرين فيه هل طريق الزهراء الطاهرة المنزهة عن الذنوب أو معاذ اللَّه
طريق...? فالتفكير هو العلاج الناجح ولذا حث أهل البيت عليهم السلام عليه.
5- عن باب مدينة العلم عليه السلام قال: ((الحياء يصد عن فعل القبيح)) .
6- وقال أخو الرسول الأكرم صلى اللَّه عليهما: ((على قدر الحياء تكون العفة)).
فهنا موازنة فكلما زاد الحياء قلت الذنوب وزادت العفة والحشمة .
7- وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: ((الحياء والإيمان مقرونان في قرن فإذا ذهب أحدهما تبعه صاحبه)) .
8- عن الإمام الصادق عليه السلام: ((لا إيمان لمن لا حياء له)) .
فانظري إن كنت حيية في لباسك وكلامك ومشيتك فأنت مؤمنة وإلا ....
9- عن الإمام العسكري عليه السلام: ((من لم يتق وجوه الناس لم يتق اللَّه)).
انظري فإن استحياءك من الناس دليل على استحيائك من اللَّه والعكس صحيح
فمن لم يستح من الناس والناس يرونه ويراهم لم يستح من اللَّه لأن قلبه صار
مظلماً فلا يستطيع رؤية نور اللَّه فإن لم يره عصاه .
10- الإمام زين العابدين عليه السلام قال: ((خف اللَّه تعالى لقدرته عليك واستحيي منه لقربه منك)) .
ما أروعها من كلمات كلامكم نور وأمركم رشد ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير
وهذا الإمام السجاد يسطر منهجا سوياً للمؤمن والمؤمنة وهو أنك تنظرين للَّه
تعالى بمنظارين:
1- قدرته . 2- قربه منك وعلمه بكل فعل فعلتيه .
فأما قدرته فخافي منها فلربما يصيبك بقدرته بما تحزنين منه كموت أو مرض سرطان أو شلل بسبب ذنوبنا أو غيرها مما يؤلم ويحزن.
وأما قربه منك وعلمه بكل أفعالك فيستدعي الاستحياء منه والخجل فهو
الرقيب فهل سأعصيه وهو يراني أم أفعل كل ما يرضيه لكي يزيدني فضلاً
وإحساناً.
11- عن الإمام الكاظم عليه السلام قال: ((استحيوا من اللَّه في سرائركم كما تستحيون من الناس في علانيتكم)) .
12- عن الرسول الأكرم صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال: ((استحيوا من اللَّه حق الحياء)) .
فقيل: يا رسول اللَّه ومن يستحيى من اللَّه حق الحياء؟
فقال: من استحيى من اللَّه حق الحياء فليكتب أجله بين عينيه.
وليزهد في الدنيا و زينتها .
ويحفظ الرأس و ما حوى .
والبطن وما وعى .
ولا ينسى المقابر والبِلا .
أسأل اللَّه لي ولكن أن يرزقنا حسن الحياء و يحشرنا مع الأولياء محمد وآله النجباء.