ذلك هو القرآن ...!
سألت شيخي يوما؛ فقلت له:
ما القرآن ؟
ما هذا الكتاب الذي هز العالم كله؛ بل الكون كله؟
فقال :
لقد سألت عن أمر عظيم, فأصغ إلي يا ولدي, و تدبر ما أقول, لعلك تكون من المبصرين !
****
لقد أجمع العلماء في تعريفهم للقرآن على أنه (كلام الله)، واختلفوا بعد ذلك في خصائص التعريف ولوازمه، ولا نقول في ذلك إلا بما قال به أهل الحق من السلف الصالح.
وإنما المهم عندنا الآن ههنا بيان هذا الأصل المجمع عليه بين المسلمين: (القرآن كلام الله). هذه حقيقة عظمى، ولكن لو تدبرت قليلا..
ذلك هو القرآن.. كلام رب الكون؛ ربك الذي خلقك و خلق كل شيء
(فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ. وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ
تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ. إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ. فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ.
لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ. تَنْـزِيلٌ مِّن رَّبِّ
الْعَالَمِينَ. أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنتُم مُّدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ
رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ)(الواقعة:75-82)
الله جل جلاله خالق الكون كله.. هل تستطيع أن تستوعب بخيالك امتداد هذا
الكون في الآفاق؟.. طبعا لا أحد له القدرة على ذلك إلا خالق الكون سبحانه
وتعالى. فالامتداد الذي ينتشر عبر الكون مجهول الحدود، مستحيل الحصر على
العقل البشري المحدود.
هذه الأرض وأسرارها، وتلك الفضاءات وطبقاتها، وتلك النجوم والكواكب
وأفلاكها، وتلك السماء وأبراجها، ثم تلك السماوات السبع وأطباقها... إنه
لضرب في غيب رهيب لا تحصره ولا ملايين السنوات الضوئية.
أين أنت الآن؟ اسأل نفسك..
أنت هنا في ذرة صغيرة جدا، تائهة في فضاء السماء الدنيا: الأرض. وربك الذي
خلقك، وخلق كل شيء؛ هو محيط بكل شيء قدرة وعلما.. هذا الرب الجليل العظيم،
قدَّر برحمته أن يكلمك أنت، أيها الإنسان؛ فكلمك بالقرآن.. كلام الله رب
العالمين. أوَ تدري ما تسمع؟ الله ذو الجلال رب الكون يكلمك (فاستَمِعْ
لِمَا يُوحَى)!
ذلك هو القرآن.. رسالة رب العالمين إلى الانسان
هي الرسالة وصلت من رب العالمين إليك أيها الإنسان، فاحذر أن تظنك غير معني
بها في خاصة نفسك، أو أنك واحد من ملايير البشر، لا يُدْرَى لك موقع من
بينهم، كلا! كلا! إنه خطاب رب الكون، فيه كل خصائص الكلام الرباني، من كمال
وجلال.
أعني أن الله يخاطب به الكل والجزء في وقت واحد، ويحصي شعور الفرد والجماعة في وقت واحد !
(قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ
اللّهُ. وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ. وَاللّهُ
عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(آل عمران: 29)
سبحانه جل جلاله، لا يشغله هذا عن ذاك، وإلا فما معنى الربوبية وكمالها؟
تماما كما أنه قدير على إجابة كل داع، وكل مستغيث، من جميع أصناف الخلق،
فوق الأرض وتحت الأرض، وفي لجج البحر، وتحت طبقاته، وفي مدارات السماء...
إلخ. كل ذلك في وقت واحد - وهو تعالى فوق الزمان والمكان - لا يشغله شيء عن
شيء، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فبذلك المنطق نفسه أنت إذ
تقرأ القرآن تجد أنه يخاطبك أنت بالذات، وكأنه لا يخاطب أحدا سواك. احذر
أن تخطئ هذا المعنى.. تذكر أنه كلام الله، وتدبر.. ثم أبصر!
ذلك هو القرآن.. الحرف فيه بعشر حسنات
ليس عجبا أن يكون تالي القرآن متصلا ببحر الغيب، ومأجورا بميزان الغيب، بكل
حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والحرف إنما هو وحدة صوتية لا معنى لها في
اللغة، نعم في اللغة، أما في القرآن فالحرف له معنى، ليس بالمعنى الباطني
المنحرف، ولكن بالمعنى الرباني المستقيم.
أوَ ليس هذا الحرف القرآني قد تكلم به الله؟ إذن؛ يكفيه ذلك دلالة وأي دلالة. ويكفيه ذلك عظمة وأي عظمة.
قال رَسُول اللَّهِ صلى الله عيله وسلم : (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به
حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقول { ألم } حرف ، ولكن ألف حرف ، ولام
حرف ، وميم حرف) (صحيح الترغيب للألباني)
ذلك هو القرآن.. روح من أمر الله
(وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ، ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان؛
ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا ، وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم
. صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير
الأمور)(الشورى 52-53)
القرآن روحٌ, لأنه سبب الحياة هذه الأمة, و سبب حياة القلوب, فلا يموت قلبٌ
خالطت نبضَه آياتُ القرآن الكريم, و لا حياة لقلب خلي منها!
ذلك هو القرآن.. تعرف عليه و تدبر؛ ثم أبصر!
قال جل جلاله : (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(محمد24 (, (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ
الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ
اخْتِلاَفًا كَثِيرًا)(النساء82)
ذلك هو القرآن: الكتاب الكوني العظيم، اقرأه
وتدبر، فوراء كل كلمة منه حكمة بالغة، وسر من أسرار السماوات والأرض،
وحقيقة من حقائق الحياة والمصير، ومفتاح من مفاتيح نفسك السائرة كرها نحو
نهايتها. فتدبر..
ختاما يا ولدي :
إن أول ما يجب أن تعرفه من القرآن هو طبيعة هذا القرآن, من حيث هو رسالة رب
الكون, مرسلة إلى واحد من أهم سكان الكون: الإنسان أنت, و أنا, و كل
إنسان.. فتدبر ! ثم أبصر!