معنى العبادة :
الذي يستحق العبادة هو الله وحده , والعبادة تطلق على شيئين :
- الأول : التعبد : و هو التذلل لله عز وجل بفعل أوامره , واجتناب نواهيه محبة له وتعظيما ً
- الثاني : المتعبد به : ويشمل كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة
والباطنة كالدعاء , والذكر , والصلاة , والمحبة ونحوها , فالصلاة مثلا ً عبادة , وفعلها
تعبد لله , فنعبد الله وحده بالتذلل له , محبة له وتعظيما ً له , ولا نعبده إلا بما شرع .
حكمة خلق الجن والإنس :
لم يخلق الله الثقلين - الجن والأنس - عبثا ً أو سدى ً , لم يخلقهم ليأكلوا ويشربوا ويلهوا
ويلعبوا ويضحكوا .
إنما خلقهم ربهم لأمر عظيم ليعبدوا الله عز وجل , ويوحدوه , ويعظموه , ويكبّروه ويطيعوه
بفعل أوامره , واجتناب نواهيه , والوقوف عند حدوده , وترك عبادة ما سواه .
كما قال سبحانه : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات (56)
طريق العبودية :
عبادة الله عز وجل مبنية على أصلين عظيمين : حب كامل لله عز وجل وذل تام له .
وهذان الأصلان مبنيان على أصلين عظيمين وهما : مشاهدة منة الله وفضله وإحسانه ورحمته التي توجب المحبة
ومطالعة عيب النفس والعمل الذي يورث الذل التام عز وجل .
وأقرب باب يدخل منه العبد إلى ربه باب الافتقار إلى ربه , فلا يرى نفسه إلا مفلسا ً ولا يرى لنفسه حالا ً ولا مقاما ً
ولا سببا ً يتعلق به , ولا وسيلة يمن بها , بل يشهد ضرورة كاملة إلى ربه عز وجل , وأنه إن تخلى عنه خسر
وهلك .
قال الله تعالى : ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ۖ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ (53) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا
فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ ۚ فَتَمَتَّعُوا ۖ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) ) . النحل
أكمل الناس عبادة :
أكمل الناس عبادة الأنبياء والرسل , لأنهم أكملهم معرفة بالله , وعلما ً به , وتعظيما ً له من غيرهم , ثم زادهم
الله فضلا ً بإرسالهم إلى الناس , فصار لهم فضل الرسالة , وفضل العبودية الخاصة .
ثم يليهم الصديقون الذين كمل تصديقهم لله ولرسوله واستقاموا على أمره , ثم الشهداء , ثم الصالحون , كما قال
سبحانه : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ
وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69) ) النساء .
حق الله على العباد :
حق الله على أهل السموات وأهل الأرض أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ً , بأن يطاع فلا يُعصى , ويُذكر فلا يُنسى
ويُشكر فلا يُكفر , ومن الذي لم يصدر منه خلاف ما خُلق له ! إما عجزا ً , وإما جهلا ً , وإما تفريطا ً وإما
تقصيرا ً. لذا فلو أن الله عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ,
ولو رحمهم كانت رحمته خيرا ً لهم من أعمالهم .
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : ( كنت رَدِف النبي صلى الله عليه وسلم , على حمار يقال له عفير , قال :
( يا معاذ تدري ما حق الله على العباد , وما حق العباد على الله ؟ قال : قلت : الله ورسوله أعلم , قال : ( فإن
حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئا ً , وحق العباد على الله عزوجل أن لا يُعذب من لا يُشرك به
شيئا ً ) قال : قلت يا رسول الله أفلا أبشر الناس ؟ قال : ( لا تبشرهم فيتكلوا ) متفق عليه
كمال العبودية :
- كل عبد يتقلب بين ثلاث : نِعَم ٌمن الله تترادف عليه : فواجبه فيها الحمد والشكر
وذنوب اقترفها : فواجبه الاستغفار منها
ومصائب يبتليه الله بها : فواجبه فيها الصبر , ومن قام بواجب هذه الثلاث سعد في الدنيا والآخرة .
- الله عز وجل يبتلي عباده ليمتحن صبرهم وعبوديتهم لا ليهلكهم ويعذبهم , فلله على عبده عبودية في الضراء كما له عبودية في السرّاء
وله عبودية فيما يكره , كما له عبودية فيما يحب , فمن كان قائما ً لله بالعبوديتين في حال السراء والضراء , وحال المكروه والمحبوب
فهو من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون , وليس لعدوه سلطان عليه فالله يحفظه , ولكن قد يغتاله الشيطان أحيانا ً , فإن العبد قد
بُلي بالغفلة والشهوة والغضب , ودخول الشيطان على العبد من هذه الأبواب الثلاثة .
وقد سلّط الله على كل عبد نفسه وهواه وشيطانه وابتلاه هل يطيعها أم يطيع ربه .
والله عزوجل له على الإنسان أوامر , والنفس لها أوامر , والله يريد من الإنسان تكميل الإيمان والأعمال الصالحة , والنفس تريد تكميل الأموال والشهوات
والله عز وجل يريد منا العمل للآخرة , والنفس تريد العمل للدنيا , والإيمان هو سبيل النجاة والمصباح الذي يبصر به الحق من غيره وهذا محل الابتلاء .
قال الله تعالى : ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) ) العنكبوت
وقال الله تعالى : ( وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53) ) يوسف
وقال الله تعالى : ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (50) ) القصص .