أركان الإيمان
أركان الإيمان ستة , هي المذكورة في حديث جبريل عليه الصلاة والسلام حينما سأل النبي صلى الله عليه
وسلم عن الإيمان ؟ فقال : ( أن تؤمن بالله , وملائكته , وكتبه , ورسله , واليوم الآخر , وتؤمن بالقدر
خيره وشّره ) متفق عليه .
- الإيمان بالله
يتضمن الإيمان بالله أربعة أمور :
1 - الإيمان بوجود الله تعالى :
فقد فطر الله كل مخلوق على الإيمان بخالقه كما قال سبحانه وتعالى : ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ
الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30)) الروم .
ودل العقل على أن لهذا الكون خالقا ً , فإن هذه المخلوقات سابقها ولاحقها لا بد لها من خالق أوجدها
وهي لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها , ولا أن تُوجد صدفة , فتعين أن يكون لها موجد وهو الله رب
العالمين , كما قال سبحانه وتعالى : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (35)
أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۚ بَلْ لَا يُوقِنُونَ (36)) الطور .
ودل الحس على وجود الله سبحانه , فإننا نرى تقليب الليل والنهار , ورزق الإنسان والحيوان , وتدبير
أمور الخلائق , مما يدل دلالة قاطعة على وجوده تعالى : ( يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ (44)) النور
والله أيد رسله وأنبياءه بآيات ومعجزات رآها الناس , أو سمعوا بها , وهي أمور خارجة عن قدرة البشر
ينصر الله بها رسله ويؤيدهم بها , وهذا برهان قاطع على وجود مرسلهم وهو الله عزوجل .
كما جعل الله النار بردا ًوسلاما ً على إبراهيم وفلق البحر لموسى , وأحيا الموتى لعيسى , وشق القمر
لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
وكم أجاب الله من الداعين , وأعطى السائلين , وأغاث المكروبين , مما يدل بلا ريب على وجده , وعلمه
وقدرته سبحانه وتعالى .
1 - قال تعالى : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83)
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ (84))
2 - وقال تعالى : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9)) الانفال .
ودل الشرع على وجود الله سبحانه وتعالى , فالأحكام المتضمنة لمصالح الخلق والتي أنزلها الله عز وجل
في كتبه على أنبيائه ورسله دليل على أنها من رب حكيم قادر , عليم بمصالح عباده .
2 - الإيمان بأن الله هو الرب وحده لا شريك له :
- والرب من له الخلق والملك والأمر , فلا خالق إلا الله , ولا مالك إلا الله , والأمر كله لله , الخلق خلقه , والملك ملكه , والأمر أمره , العزيز الرحيم
الغني الحميد , يرحم إذا استرحم , ويغفر إذا استغفر , ويعطي إذا سئل , ويجيب إذا دُعي , حي قيوم لا تأخذه سنة ولا نوم .
1 - قال تعالى : ( أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (54)) الأعراف
2 - وقال تعالى : ( لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (120) ) المائدة .
- فنعلم ونتيقن أن الله عزوجل خلق المخلوقات , وأوجد الموجودات , وصوّر الكائنات , وخلق الأرض والسماوات , خلق الشمس والقمر , وخلق الليل والنهار والماء والنبات
والإنسان والحيوان , والجبال والبحار ( الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)) الفرقان .
خلق الله كل شيء بقدرته , ليس له وزير ولا مشير ولا معين سبحانه , هو الواحد القهار , استوى على العرش بقدرته , ودحا الأرض بمشيئته
وخلق الخلائق بإرادته , وقهر العباد بقوته , رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو الحي القيوم .
- ونعلم ونتيقن أن الله سبحانه قدير على كل شيء , محيط بكل شيء , مالك لكل شيء , عليم بكل شيء , قاهر فوق كل شيء , خضعت الأعناق لعظمته
وخشعت الأصوات لهيبته , وذل الأقوياء لقوته , لا تدركه الأبصار وهو يدرك الإبصار وهو اللطيف الخبير , يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)) يس
يعلم سبحانه ما في السموات وما في الأرض , عالم الغيب والشهادة , الكبير المتعال , يعلم مثاقيل الجبال , ويعلم مكاييل البحار , ويعلم عدد قطر الأمطار
ويعلم عدد ورق الأشجار , ( وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ
وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59)) الأنعام
- ونعلم ونتيقن أن خزائن السماوات والأرض كلها لله , وكل شيء في الوجود فخزائنه عند الله : خزائن المياه , خزائن النبات , خزائن الهواء , خزائن المعادن
خزائن الصحة , خزائن الأمن , خزائن النعيم , خزائن العذاب , خزائن الرحمة , خزائن الهداية , خزائن القوة , خزائن العزة , كل هذه الخزائن وغيرها عند الله
وبيد الله ( وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (21)) الحجر
- ونعلم ونتيقن أن الله جل جلاله كل يوم هو في شأن , لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء , يدبر الأمر , ويرسل الرياح , وينزل الغيث , ويحي
الأرض بعد موتها , يعز من يشاء ويذل من يشاء , ويحي ويميت , ويعطي ويمنع , ويضع ويرفع ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3)) الحديد
وإذا علمنا ذلك وتيقنا على قدرة الله , وعظمة الله , وقوة الله , وكبرياء الله , وعلم الله , وخزائن الله , ورحمة الله , ووحدانية الله , أقبلت القلوب إليه
وانشرحت الصدور لعبادته , وانقادت الجوارح لطاعته , ولهجت الألسن بذكره تعظيما ً وتكبيرا ً وتسبيحا ً وتحميدا ً , فلا تسأل إلا إياه , ولا تستعين إلا به
ولا تتوكل إلا عليه , ولا تخاف إلا منه , ولا تعبد إلا إياه ( ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102)) الأنعام
3 - الإيمان بألوهيته سبحانه :
- فنعلم ونتيقن أن الله وحده هو الإله الحق لا شريك له , وأنه وحده المستحق للعبادة , فهو رب العالمين , وإله العالمين , ونعبده بما شرع , مع كمال الذل له
وكمال الحب والتعظيم .
- ونعلم ونتيقن أن الله كما أنه واحد في ربوبيته لا شريك له فكذلك هو واحد في ألوهيته لا شريك له , فنعبده وحده لا شريك له , ونجتنب عبادة ما سواه .
قال الله تعالى : ( وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ (163)) البقرة .
- وكل معبود من دون الله فألوهيته باطلة , وعبادته باطلة ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (62)) الحج .
4 - الإيمان بأسمائه وصفاته :
ومعناه فهمها وحفظها والاعتراف بها , والتعبد لله بها , والعمل بمقتضاها , فمعرفة أوصاف العظمة لله والكبرياء والمجد والجلال تملأ قلوب العباد
هيبة لله وتعظيما ً .
ومعرفة أوصاف العزة والقدرة والجبروت تملأ القلوب ذلة وانكساراً وخضوعا ً بين يدي ربها .
ومعرفة أوصاف الرحمة والبر والجود والكرم تملأ القلوب رغبة وطمعا ً في فضل الله وإحسانه وجوده .
ومعرفة أوصاف العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة ربه , في حركاته وسكناته .
ومجموع هذه الصفات توجب للعبد محبة الله , والشوق إليه , والأنس به , والتوكل عليه , والتقرب إليه بعبادته وحده لا شريك له .
- ونثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه , أو أثبته له رسول الله صلى الله عليه وسلم , من الأسماء والصفات , ونؤمن بها , وبما دلت عليه من المعاني والآثار
فنؤمن بأن الله ( رحيم ) ومعناه أنه ذو رحمة , ومن آثار هذا الاسم : أنه يرحم من يشاء , وهكذا القول في بقية الأسماء , ونثبت ذلك على ما يليق
بجلاله سبحانه من غير تحريف , ولا تعطيل , ولا تكييف , ولا تمثيل على حد قوله سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11)) الشورى
- ونعلم ونتيقن أن الله وحده له الاسماء الحسنى , والصفات العلا , وندعوه بها :
1- قال الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (180)) الاعراف
2 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إن لله تسعة وتسعين اسما ً , مائة إلا واحدا ً , من أحصاها دخل الجنة ) متفق عليه .
انتهى بحمد الله