روى الإمام مسلم في صحيحه عن أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال : "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر".
الحديث الأول: رواه مسلم في صحيحه في كتاب الأشربة حديث رقم 3811 :حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ *
الحديث الثاني: رواه مسلم أيضًا في صحيحه في كتاب الأشربة حديث رقم 3812 بلفظ آخر:حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ بْنِ قَعْنَبٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ طَحْلاءَ عَنْ أَبِي الرِّجَالِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ يَا عَائِشَةُ بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ أَوْ جَاعَ أَهْلُهُ قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا *
والتمر هو تمر النخيل من حين الانعقاد إلى حين الإدراك، ثم النضح، وهو تعبير عام لأن كلاً من البُسْر والرطب لا يبقى فترة طويلة بعد موسم ثمار، والتمر هو الثمرة المجففة التي تعيش على مدار السنة، والبسر هو الغصن من التمر .
وقد ذكر النخل والنخيل في القرآن الكريم في عشرين موضعًا، ويتبع نخيل التمر فصيلة (النخيليات) التي تضم عددًا من الرتب ، أهمها نخيل التمر، ونخيل الزيت، وحبس نخيل التمر يضم حوالي الخمسة عشر نوعًا، ويضم نخيل التمر أكثر من ألف نوع ، منها حوالي الأربعمائة صنف في الجزيرة العربية وحدها، وحوالي الستمائة صنف في العراق .
والنخيل من الأشجار الدائمة الخضرة، التي تنمو في المناطق الحارة أساسًا، ولكنها تأقلمت مع كل من المناطق المعتدلة والجافة، وشجرة النخيل هي من أكثر النباتات المنزرعة احتمالاً لكل من الجفاف والملوحة، ولذا تنجح زراعتها حتى في المناطق القاحلة .
ومنتجات النخيل تعتبر من أهم المصادر النباتية التي اعتمد عليها الإنسان منذ القدم، خاصة في الحزام الصحراوي الممتد من موريتانيا غربًا إلى أواسط آسيا شرقًا.
وينتمي النخيل إلى النباتات ذوات الفلقة الواحدة؛ حيث تتمايز أشجاره إلى ذكر وأنثى، يبدأ كل منهما في الإزهار في سنته الخامسة، ويستمر في الإنتاج الجيد إلى عمر يتراوح بين الثلاثين والأربعين سنة .
ونخيل التمر قد أعطاه الله تعالى القدرة على مقاومة الحرارة الشديدة والتي قد تصل إلى خمسين درجة مئوية في الصيف كما أعطاه القدرة على تحمل كل من الجفاف الشديد والملوحة العالية، فالطول الباسق لجذوع النخل وسمكها وخشونتها، وتغطيتها بقواعد الأوراق القديمة يعينه على تخزين الماء بكميات كبيرة وعدم فقده بسهولة، والأوراق الرمحية السميكة ذات القمة الشوكية ، والموجودة في قمة الشجرة بأعداد قليلة لا تزيد عن 20 إلى 40 ورقة والتي تتجدد باستمرار تعين على تقليل النتح ومن ثم تقليل فقد الماء .
والتمر وهو من ثمرات النخيل يعد غذاءً كاملاً تقريبًا؛ لاحتوائه على أغلب العناصر التي يحتاجها جسم الإنسان، ولذا يصفه الحق تبارك وتعالى بقوله :{ وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً ... } (النحل: 67)
فالتمر يحتوي على مواد سكرية، وكربوهيدراتية، وبروتينية، ودهنية، وعلى عدد من العناصر المهمة، والفيتامينات الضرورية لحياة الإنسان، وقد أثبتت التحاليل الكيميائية أن التمر الجاف يحتوي على 70.6 % من الكربوهيدرات 2.5 % من الدهون 1.32 من الأملاح المعدنية التي تشمل مركبات كل من الكالسيوم، والحديد، والفوسفات، والمغنسيوم، والبوتاسيوم، والنحاس، والمنجنيز، والكوبلت، والزنك، وغيرها ، 10 % من الألياف، بالإضافة إلى فيتامينات تشمل فيتامين أ ، ب1 ، ب2ج، وإلى نسب متفاوتة من السكريات والبروتينات.
وللتمر فوائد طبية كثيرة؛ فهو غذاء مهم للخلايا العصبية، وطارد للسموم ، ومفيد في حالات الفشل الكلوي، والمرارة، وارتفاع ضغط الدم، والبواسير، والنقرس، وهو ملين طبيعي، ومقو للسمع، ومنبه لحركة الرحم، ومقو لعضلاته ، مما ييسر عملية الولادة الطبيعية، ومن هنا كانت الإشارة القرآنية إلى السيدة / مريم البتول، وهي تضع نبي الله عيسى (عليه السلام) بقول الحق تبارك وتعالى لها :{ وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِياًّ (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً } (مريم: 25، 26)
ومن هنا أيضًا كانت وصية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقوله الشريف:
"أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر؛ فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج وليدها حليمًا، فإنه كان طعام مريم؛ حيث ولدت، ولو علم طعامًا خيرًا من التمر لأطعمها إياه".
رواه الترمذي في سننه، في كتاب الزكاة حديث رقم 597 : حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ (صلى الله عليه وسلم) قَالَ: "إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ ؛ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَإِن لَّمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ؛ فَإِنَّهُ طَهُورٌ". وقال: "الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ ، وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ؛ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ".
قَالَ وَفِي الْبَاب عَنْ زَيْنَبَ امْرَأةِ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وأبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أبُو عِيسَى : حَدِيثُ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَالرَّبَابُ هِيَ أُمُّ الرَّائِحِ بِنْتُ صُلَيْعٍ . وَهَكَذَا رَوَى سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمٍِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ ، ولَمْ يَذْكُرْ فِيهِ عَن الرَّبَابِ، وَحَدِيثُ سُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ وابْنِ عُيَينَةَ أصَحُّ . وَهَكَذَا رَوَى ابْنُ عَوْنٍ وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَن سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ.
ورواه أيضًا في كتاب الصوم حديث رقم 631 بلفظ :حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ ح و حَدَّثَنَا هَنَّادٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ و حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ عَنِ الرَّبَابِ عَنْ سَلْمَانَ بْنِ عَامِرٍ الضَّبِّيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى مَاءٍ فَإِنَّهُ طَهُورٌ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ *
وكان قوله أيضًا : "إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر؛ فإن لم يجد فليفطر على ماء ؛ فإنه طهور".
وكانت وصيته : "لا يجوع أهل بيت عندهم التمر" ويعجب كل قارئ لهذه الأحاديث الشريفة لما تحتويه من علم صحيح لم تصل إليه مدارك الإنسان إلا منذ سنوات قليلة، ونطق به المصطفى (صلى الله عليه وسلم) من قبل ألف وأربعمائة من السنين مؤكدًا على صدق نبوته، وصدق رسالته، وصدق اتصاله بوحي السماء الذي وصفه بقول الحق (تبارك وتعالى ) :{ وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى } (النجم: 3، 4)