يقول الامام ابو القاسم
القشيري في الرسالة القشيرية عن علم التصوف ان المتصوف يحتاج الى قليل من
العلم وكثير من الاخلاق وهو اتجاه يوضح ميل البعض الى ترجيح كفة الاخلاق
على العلم , الحقيقة ان النهل من منهل العلم مهمة يسيرة احيانا وشاقة
احيانا اخرى , فهي يسيرة اذا كان الامر يتطلب الحفظ واستظهار المعلومات
والحقائق , اما الشاق في هذه المسالة فيتعلق بقدرات التحليل والاستدلال
والاستباط والقياس المنطقي , الا ان الاخلاق تبقى مهمة اكثر من شاقة قياسا
لما هو شاق في استيعاب العلم ذلك ان الاخلاق هي ترويض ما هو قائم في النفس
وبناء الجديد في عالم الروح وفي معظم الاحيات يكون الترويض مهمة شاقة
للغاية لان الاتجاهات السلوكية قد استقرت من المصنوع الى المطبوع واصبحت
عادات مالوفة لا شعورية وانتزاعها من صفتها المتبلورة عبر سنوات عديدة ليس
بالامر الهين , فالعلم بهذه المثابة مهمة هينة تجاه الاخلاق , ذلك انه
يتطلب تخصيص ساعات معينة للعمل العملي بحثا وتجارب او قراءة وتأمل وتحليل ,
اما الاخلاق فتعني صرف كل ساعات النهار والليل ما عدا ساعات النوم لاغراض
التفكير بالصورة المثلى للسلوك الاخلاقي المطلوب , ولذلك فان الاخلاق في
حقيقتها واهدافها ما هي الا تشييد وبناء وضع على نحو مبدع فاذا انتهى
العالم من بحثه او تجاربه فلن ينتهي الاخلاقي من دوره كواضع لنموذج سلوك
رفيع المستوى .
* الموضوع مقتبس من كتاب اخلاقيات الحوار للدكتور عبدالقادر الشيخلي