صرخت
بأعلى صوتها حتى سمعتها كل الأشياء و الجمادات في المنزل، لكنه لم يسمع
صراخها..... فتحت فمها مرة أخرى و صاحت بشدة.... اهتزت الأواني في المطبخ
لصراخها و قفزت الثلاجة من مكانها و استيقظ الجيران جميعا و فُزع الحي
بأكمله، لكنه لم يتحرك.... صمتت قليلا و اقتربت من الثلاجة المرعوبة،
فتحتها و قررت الاستعانة بمشروب بارد ثم المحاولة و المغامرة من جديد....
ذوت
صرخة أقوى و أرعب من سابقاتها.... اهتزت لها أركان البيت و رددتها الجدران
مرات عديدة.... سمعها البشر و الحجر باستثنائه، أصبح الكل يرى صراخها إلا
هو ..... استمر في غيابه... أعادت المسكينة صرختها بكل ما تملك من قوة و
نادته باسمه عبد الله....
أخيرا
سمع صرختها و قام مفزوعا و خائفا... ارتدى ملابسه و هو يرتعد يفكر في كل
الاحتمالات و المصائب.... تُرى هل نشب حريق في المنزل أم صعقها الكهرباء أم
كسرت رأسها أو رجليها.... تساءل كثيرا و فكر مليا في عائلته و عائلتها...
من كان مريضا على فراش الموت و قريبا من العالم الآخر.... لم يجد أحدا ،
ربما توفيت أمها أو أبوها أو أحد إخوتها في حادثة سير.... ربما انتحرت
جدتها بسبب حب جديد.... ربما توفي احد أخوالها أو أعمامها أو أحد أفراد
عائلتها.... تخوف من أن يكون الضحية من أفراد عائلته..... بحث في مخيلته و
فكره الهين لكنه لم يجد لا أبا و لا أما فهم ماتوا، لا أخا و لا أختا فقد
نسوه و راحوا..... لا خالة و لا عما فقد جنوا جميعا.....
خرج
من غرفة النوم في اتجاه الصوت المفزع.... صرخ عليها... ما بك يا حمقاء؟
ألا تعرفين بأني أستيقظ بسرعة إن سمعت نملة تمر قريبا من سريري؟ ألا تعرفين
بأني خفيف النوم؟ تكلمي ما بك؟
ضحكت
الزوجة ضحكة محتشمة..... لماذا كل ذلك الصراخ يا ترى؟ لماذا تضحكين؟ هل
نغصت علي نومي لكي تضحكي؟ من توفي من عائلتك الحقيرة؟ أتمنى أن يتوفوا
جميعا و أن تلحقي بهم في نفس اليوم و تتركيني نائما في هدوء يا غبية....
هيا قولي ما بك؟ تجيب الفتاة الجميلة بهدوء قائلة: إنها مفاجأة يا زوجي
الحبيب، بم يذكرك تاريخ اليوم؟
يوم
أسود كباقي الأيام التي أرى فيها وجهك يا شقية، يوم كسرت فيه يدك.... ألا
يمكنني النوم في هدوء، لماذا أزعجتني و أزعجت الحي بصراخك الصبياني؟....
يا حبيبي اليوم عيد زواجنا، ألا تتذكر؟
عيد
ماذا؟ أي زواج تتكلمين عنه؟ أنا لا أحس بأني متزوج، أنا أريد النوم... ألا
تفهمين؟ لماذا لم تقولي بأن اليوم هو عيد كسر يدك... نفس السبب عيد
الزواج.... هل تريدين أن أكسر لك رأسك؟....
صمتت
الصغيرة و قررت الاستسلام حتى تحافظ على سلامة رأسها.... عاد من جديد
لينام.... فكرت في جوابه و تأكدت بأنه لم يتغير بعد، ستنتظر سنة أخرى
لتذكره بعيد زواجهما و توقظه من جديد من نومه الخفيف. بصرخة أخرى....