البكاء، كلمة يُقصد بها نزول الدموع تفاعلاً مع حالة
نفسية يمر بها الإنسان، ويعتقد معظم العلماء بأن الإنسان هو الكائن
الحى الوحيد الذى يذرف الدموع بكاءً وتفاعلاً مع حالة عاطفية تعتريه، وأن الحيوانات بأنواعها لا تمتلك هذه السمة
والميزة.
المعلوم أن تعرض بعض أجزاء العين لعناصر مُهيجة كالمواد الكيميائية أوالميكروبات والأجسام الغريبة يُحفز خروج
الدموع من الغدد الدمعية كإحدى وسائل حماية العين، لكن أهم ما يُميز ذرف الدموع فى البكاء خلوه من مهيجات تُثير
العين، وفى حالة البكاء تُثار الغدد الدمعية بالعين عبر إشارات تصلها من مراكز معينة فى الدماغ ترتبط بالتفاعل
العاطفى.
المرأة أكثر بكاءً من الرجل نتيجة رقتها الفطرية، بالإضافة إلى محاولة الرجل دائما التماسك أمام الأزمات، حتى لو
كان ذلك من باب الشجاعة الزائفة، كما يقال "إن المرأة أسرع بكاءً من الرجل، فهى تتعلم البكاء قبل الرجل فالفتاة
الصغيرة تعاقب أكثر مما يعاقب شقيقها".
تشير الإحصاءات العلمية إلى أن معدل بكاء الرجل هو مرة فى كل شهر، ومعدل بكاء المرأة هو خمس مرات على
أقل تقدير شهرياً، ويرتبط ارتفاع معدل بكاء المرأة بالتغيرات الهورمونية التى تعتريها بسبب الدورة الشهرية، أى دونما
علاقة مباشرة بالحزن أو الاكتئاب أو الغضب.
البكاء المريح والبكاء السيئ:
حول "سيكولوجيا البكاء" قام الباحثون بتحليل كافة التفاصيل التى تجمعت لديهم حول أكثر من 3000 حالة بكاء حديثة
حصلت لدى أشخاص فى حياتهم اليومية العملية والواقعية، أى خارج نطاق إجراء التجارب على البكاء فى المختبرات
عبر تحفيز حصوله لدى هؤلاء الأشخاص.
وجد الباحثون أن حوالى 60% من الأشخاص الذين خضعوا للدراسة شعروا بتحسن وارتفاع الحالة المزاجية، وأشار
حوالى 30% منهم إلى عدم الشعور بذلك الإحساس النفسى الجيد والمُريح بُعد نوبة البكاء، بينما أكد حوالى 10%
من سوء الحالة المزاجية بعد نوبة البكاء، ومن خلال تحليل الييانات أكد الباحثون أن الأشخاص المُصابين بحالات
مزمنة من القلق والتوتر هم أقل استفادة بالبكاء، وأكثر شعوراً بعدم الارتياح بعده.
بكاء المختبرات..
لم يتوصل العلماء حتى اليوم إلى معرفة تفاصيل واضحة حول حقيقة فوائد البكاء، أحد الأسباب وراء ذلك عدم اتضاح
الصورة عن كيفية إجرائهم للدراسات العلمية الدقيقة حول البكاء؟
يشير الباحثون إلى أن عدة تحديات تعوق التوصل إلى دقّة النتائج عند إجراء دراسات على البكاء داخل المختبرات،
لأن المتطوعين للمشاركة فى دراسة البكاء فى المختبر يقعون تحت ضغوط وتوترات تمنعهم من الشعور الحقيقى بفائدة
البكاء، مثل تصوير بكائه وما يصدر عنه آنذاك بكاميرات الفيديو، ومعلوم أن المرء الطبيعى يخجل عادة من رؤية الغير
له، وهو يبكى ناهيك عن تسجيل ذلك له بالصوت والصورة.
كما يدرك المتطوعون أن الباحثين الذين يقومون بإجراء التجارب عليهم قد لايتعاطفون مع مشاعرهم، وبالتالى تتغلب
المشاعر النفسية السلبية فى أكثر الأحوال على المشاعر الإيجابية التى قد يُخلفها البكاء لدى الإنسان، وهذا الخلل
المنهجى فى طريقة البحث حول تأثيرات البكاء، يؤدى إلى عدم توصل الباحثين إلى نتائج تُقارب الواقع.
بالرغم من تلك التحديات فإن دراسات البكاء فى المختبرات قدّمت لنا نتائج لافتة للنظر، ومهمة حول التأثيرات العضوية
الفسيولوجية للبكاء فى مختلف أجهزة وأعضاء الجسم، مثل التأثير المُهدئ والمُسكن للتنفس وزيادة نبضات القلب وإفراز
العرق والتوتر.
كما أكدت دراسات البكاء، أن التأثيرات المُسكّنة للبكاء تستمر فترة أطول من التأثيرات غير المُريحة، وهذا يُبرر لنا
سبب تذكر الناس الجانب المُريح للبكاء ونسيانهم الجانب غير المُريح فيه.
دموع العين.. أنواع مختلفة ومهام متعددة
الدموع التى تُنتجها الغدد الدمعية للعين، وسيلة حماية للعين، وربما للجسم كله، وهناك ثلاثة أنواع من الدموع التى
يُمكن للغدد الدمعية إفرازها، فى حالات مختلفة من حياة الإنسان اليومية.
الدموع الأساسية:
الطبيعى أن تُفرز الغدد الدمعية خلال الـ24 ساعة ما يُقارب من ربع لتر، وتقل كمية هذه الدموع مع التقدم فى العمر
أو فى حال وجود بعض الأمراض بالجسم، هذا الإفراز المتواصل هو المسئول عن ترطيب قرنية العين لضمان
سلامتها، وحفظ تركيبها الشفاف كما أن الإفرازات الدمعية تعمل على غسل القرنية والملتحمة من الأجسام الغريبة التى
يمكن أن تعلق بها كالغبار وغيره.
سائل الدموع الأساسية يحتوى على الماء ومادة "ليوسين" اللزجة والدهون وأجسام مضادة ومادة "لايسوزوم" المقاومة
للبكتيريا وسكر الجلوكوز وعناصر اليوريا والصوديوم والبوتاسيوم، والجدير بالذكر أن محتوى سائل الدموع الأساسية
من الأملاح كالصوديوم والبوتاسيوم وغيرهما يتساوى مع تركيز تلك العناصر فى سائل بلازما الدم.
دموع رد الفعل..
هذا النوع من الدموع يتم إفرازه كرد فعل لتهيج العين بأجسام غريبة أو بمواد كيميائية مُهيجة كما يُمكن أن تتهيج العين
بتعرضها لوهج ضوء شديد أو تناول الأطعمة الحريفة، أو الساخنة جداً، أو أثناء عملية القىء أوالسعال الشديد، والغاية
من هذه الدموع غسل العين مما ألمّ بها.
دموع البكاء..
هذا النوع من الدموع يتم إفرازه نتيجة للتعرض لألم جسدى أو عاطفى أو نفسى، وأحياناً عند الشعور بالسعادة العارمة
وغالباً ما يُصاحب عملية إفراز دموع البكاء، احمرار الوجه، وانقباضات فى النصف العلوى من الجسم، بالإضافة إلى
"النشيج"، وهو فعل متكرر شبيه بالسعال، ويشمل نوبات من التنفس المتشنج خلال نوبة البكاء، تصدر خلاله أصوات
مختلفة الحدة والارتفاع.
هورمونات التوتر والبكاء ..
أكدت الأبحاث العلمية، أن مكونات الدمع الصادر خلال البكاء تختلف عن مكونات الدموع الناتجة من أسباب أخرى،
ذلك أن دموع البكاء تحتوى على نسبة عالية من هرمونات بروتينية مثل هرمون « برولاكتين » و«هرمون الغدة
الكظرية» كما تحتوى على مادة طبيعية مخففة للألم تُدعى «إنكفيلاين Encephalins».
وكذلك ارتفاع نسبة البوتاسيوم والمنغنيز فى دموع البكاء مقارنة بالدموع الناتجة عن أسباب أخرى.
لذلك يرى بعض الباحثين أن احتواء دموع البكاء على الهرمونات المرتبطة بالتوتر هو السبب وراء الراحة النفسية بعد
انتهاء نوبة البكاء، كما أن تفاعل الجسم مع تراكم وارتفاع نسبة هرمونات التوتر بالبكاء لتخليص الجسم منها.
يقول علماء النفس "إذا احسست برغبة فى البكاء فلا تحبس دموعك، فإن كثيراً من الهموم والغضب تخرج مع دموع
البكاء" كما يقولون: "بكاء الكبار عودة إلى الطفولة، فهم يبكون حزناً وألماً وقهراً وفرحاً، أيضا يبكون لأنهم بحاجة إلى
عطف من حولهم، ويبكون لأنهم لا يجدون وسيلة للتنفيس عن الضغوط إلا البكاء والدموع".
لذلك يرى العلماء أن تربية الأولاد على حبس البكاء والسخرية من الباكى، أحد سلبيات الثقافة الإنسانية، لأن الحس
المرهف هو سمة التوازن فى نفس الإنسان.