لقد كنت أريد بالطبع تحسين سمات معينة من سمات حياتي نفسها , وأن أتعلم كيف أستمتع بالحياة , إلا أنني أخذت أربط بصورة ما بين المتعة بالتعلم و المشاركة فيما يمكنه أن يرفع من نوعية حياة الناس . وتذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ) ومن هنا أحببت أن أذكر الهدايا العظيمة التي ولدنا ونحن نملكها وهي كثيرة ومنها , قوة الدماغ .
ما أعظم هذه الهدية التي نملكها من أعظم مُهدٍ إنه الذي يعطي بدون منّت وعطاؤه جزيل لا يُقدر بثمن سبحانه وتعالى , لقد تعلمت بأن عقولنا تستطيع أن تنجز كل ما نرغب فيه . ولا يمكننا في الواقع تقريباً إدراك قدرات الدماغ . بل إن معظمنا لا يعرف كيفية عمل الدماغ. ولذا فلنركز با ختصار على وعاء القوة الذي لا يوازيه أي شيء آخر . وكيف يمكن لنا أن نكيفه بحيث ينتج باستمرار النتائج التي نرغب في تحقيقها في حياتنا .
عليك أن تدرك بأن دماغك ينتظر بشوق كل أمر توجهه له , ومستعد لتلبية أي طلب تطلبه منه , وكل ما يطلبه هو قليل من الوقود : الأكسجين الموجود في دمك و القليل من الجلوكوز , ونظراً لتركيبه المعقد وقوته فإن العقل يتفوق على أحدث تكنولوجيا كمبيوترية قد تتواجد في العصر الحديث فهو قادر على معالجة ما يصل الى 30 بليون معلومة في كل ثانية . وله الفخر بأنه يحتوي على ما يعادل 6000 ميل من الأسلاك و الكبلات وأعني بها كما لا يخفى الخلايا العصبية فقد ميز الله الإنسان عن غيره من المخلوقات بالعقل , وقدراته الذهنية العالية , يقول تعالى ولقد كرَّمنا بنى آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً) ومن عمل العقل التفكير ولأهميته ذكره الله في القرآن الكريم أكثر من 640 آية تحث على التفكير ولذلك فإننا مأمورون شرعاً بالتفكير , أما الذين لا يفكرون ولا يتفكرون فإن الله تعالى جعلهم في أدنى الدرجات يقول تعالى إنَّ شرَّ الدواب عند الله الصٌّمُّ البكم الذين لا يعقلون ).
وإذا كان التفكير هو عملية عقلية تبدأ من المعلوم لتنتهي باكتشاف المجهول .و لولا التفكير لم يمتلك الإنسان القدرة على الاستبصار بالأمور التي مكنته من كشف الكثير من الأسرار الحياتية و تمكنه من السيطرة عليها ويوجهها إلى مصالحه .
ولكي يحقق الشباب أهدافه عليه تنمية قدراته و السمو بإبداعاته , والارتفاع بشأنه علميّاً وثقافيّاً , فهل يتحقق ذلك بالتلقى الأعمى , أم بالتلقي البصير؟! معنى التفكير هو الاستزادة من العلم و المعرفة و الخبرات , و بالتالي تنمو قوة تعديل السلوك وضبط التصرفات , وهو الشيء الفطري في كل إنسان وكلما ازدادت المعارف ازدادت قوة التعديل والتغيير ,فأمام الشباب قوة هائلة تمكنهم من تغيير حياتهم إلى الأفضل إن هم انتهجوا التفكير منهجاً في علاقاتهم و توجهاتهم و اختياراتهم , وأساليبهم في الدراسة , و العمل .
لماذا يعطل بعض الشباب هذه القدرات الهائلة داخلهم ؟ ويضعونها في الفريزر ؟ في حين أرى بإعجاب بعض الشباب , يسلكون من الآن سلوك العظماء , فترى فيهم طاقات متحركة ومواهب مبدعة, ومنافسة عالية , وثقة ثابتة, والإسلام يفتح الميادين لهولاء الشباب فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلف مصعب بن عمير الشاب بأعظم مهمة دعوية , ويكلف الشاب أسامة بن زيد بأخطر مهمة عسكرية .
وإن قلبي ليعتصر حينما أرى بعض الشباب يقضون أوقاتهم مع ( الفيديو جيم) إلى حد الإدمان مما نزع عنهم الإحساس و المشاعر , فتتغير الشخصية إلى الاضطراب , ثم تتدهور الصحة البدنية والنفسية , ويحدث جراء ذلك توتر اجتماعي وتكون النتيجة فقدان القدرة على التفكير لما كانت عملية التفكير تعد مهارة كغيرها من المهارات , ففي إمكاننا تحسين عملية التفكير تماماً كما نحسن أي مهارة أخرى من خلال التدريب . فالتفكير يتأثر بالبيئة التي ينشأ فيها الفرد , فهناك بيئة منشطة للتفكير , وهناك بيئة مميتة محبطة ومحددة للتفكير , لذا كان التعليم هو الوسيلة التي تؤثر في التفكير , سواء بإثارته أو إعاقته . و البراعة أن يزج الشباب بأنفسهم في مثل هذه البيئات الصالحة , وأن ينخلعوا من كل بيئة محبطة , فكيف ينمو التفكير في ظل بيئة تسخر من كل جديد ؟ وتحطم كل الأفكار , وتدمر كل الاقتراحات , وتقمع كل الاستفسارات , وبدلاً من تكوين العقل المفكر , يتحول العقل إلى وعاء يملأ بأي شيء لا حيلة له ولاقوة .