fouad مشرف عام
المشاركات : 3484 الجنـس : الـعـمــر : 31 السٌّمعَة : 51 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: قصة حب تتأرجح بين الحقيقة والخيـال الإثنين أبريل 23, 2012 1:14 pm | |
| بوليســلوف
يوما ما حدثني صديق لي قال : كنت أواصل دراستي في موسكو ؛ متًخذنا مسكناً صغيراً حيث كانت جارتي البولندية التي أسمها " تيريزا " فتاةً غربيةَ الأطوار . يمكنني وصفها بأنها طويلة القامة , قوية البنية . لها بشرة داكنة , وحواجب ثخينة , وملامح فضًة كما لو أن فأساً أحدث كل هذه الشروخ البارزة في وجهها .. عيناها غائمتان ؛ وصوتُها خشنٌ وعميق ؛ فيما تصرفاتُها تشبه سلوكيات رجلٍ صرفَ حياته في الشجارات والعراك الدائم . كانت ثقيلة الجسد ، ومظهرُها الخارجي يعرض قبحاً مخيفاً . تسكن غرفةً تقابل غرفتي في الطابق العلوي من البناية التي نسكنها ، لذلك غالباً ما ألتقيها عند السلَّم أو في الفناء . ترميني بابتسامةٍ تغلّفها السخرية ، وغالباً ما أبصرُها عائدةً إلى البيت بعينين حمراوين وشعرٍ يتخلّى عن انتظامه . وقد نتواجه فتروح تحدّق بي ثم تهتف : " مُرحِباً : أيها الطالب ! " . ضحكتُها تبعثُ على الاشمئزاز ، لذلك قررتُ تغيير غرفتي تجنباً لرؤيتِها .. وفعلاً حظيت بمكانٍ أشعرني بالارتياح خصوصاً وثمَّةَ نافذةٌ أستطيعُ من خلالِها ملاحظة المدينةِ بشوارعِها المنفتحة الهادئة . وكثيراً ما جلستُ طويلاً أتشبّعُ بالمشاهدة وأنهلُ من الهدوء . في أحدى الصباحات : وبعد أن انتهيت من ارتداءِ ملابسي وارتميتُ على السرير فُتحت الباب فجأةً فإذا بـ تيريزا " تقف عند العتبة : - مرحباً أيها الطالب !.. قالتها بنبرتها الخشنة المعهودة . - ماذا تريدين ؟! . سألتها مستغرباً . حين أمعنتُ النظر رأيتها بوجهٍ اكتسى تعابيرَ مرتبكة وخجولة لم أبصرها فيه من قبل . - أيها الطالب !.. قالت وأكملت : " أريد أن أسألك معروفاً وأرجو أن لا ترفضه " . لم أقل شيئاً إنَّما هي التي استمرت : " أريدك أن تكتب لي رسالة إلى أهلي !" . " ماذا تبغي هذه الفتاة برب السماء ؟!.. قلتُ مع نفسي . قفزتُ من على السرير متخذاً مجلسي عند المنضدة ساحباً ورقةً ومقرّباً قنينة الحبر . قلتُ : - تعالي : اجلسي وأملي عليّ ما تودّين . دخلت جالسةً باحتراس ، ُمطلِقةً نظرةً حادّة باتجاه عيني . - حسناً .. لمن أوجّه الكلام ؟ - إلى " بوليسلوف كاشبوت " الذي يقطن في سوينزياني " قريباً من محطة قطارات وارشو . - وماذا تطلبين أن أكتب له ؟ .. هيّا ! قولي . - عزيزي بولص .. حبيب قلبي .. حبّي .. روحي . إلهي يحفظك من كلِّ مكروه ... عزيزي لماذا لم تكتب لحمامِتكَ الصغيرة الوديعة منذ زمن بعيد ؟ . لماذا لا تكتب لتيريزا التي تشعر بحزن عميق ؟! بصعوبة بالغة تمالكتُ نفسي من الضَّحك .. " أهذه حمامة ؟! .. أهذه التي طولها ستة أقدام ، ذات القبضة القوية والوجه الحاد والعافية الكاملة والتي تشبه مخلوقة صرفت عمرَها تكنس سخام المواقد الشتوية يمكن اعتبارها حمامة وديعة وصغيرة ؟! " .. ضبطتُ نفسي ، واحتفظتُ برباطة جأشي . ورحتُ أسألها : - من هو بوليسلوف ؟ - بولص : يا سيدي !" .. رددّت الاسم بإعجابٍ كما لو كان من المستحيل نكران مَن يكون بوليسلوف هذا . - سأتزوج بولص . - تتزوّجيه ؟! - ولماذا أنت مندهش ! أيها الطالب ؟ ألا يمكن لشابة مثلي امتلاك حبيب ؟ - شابة ؟! .. أيةُ نكتة ! .. ولكن ربّما .. قد يحدث ذلك . كل شيْ جائز .. منذ متى وأنتما مخطوبان ؟ . - منذ عشرة أعوام . نعم .. كتبتُ الرسالة مليئة بعبارات الحب والوله واللطف كما لو كنت أتمنى أن أكون أنا بوليسلوف ، ومن أية فتاة تردني هذه العبارات ، إلاّ تيريزا . - شكراً لك من قلبي أيها الطالب . كانت بالغة التأثر ، فسألتني ردّاً للجميل : - هل تطلب مني خدمة أؤديها لك ؟ - لا : شكراً . - أستطيع إصلاح قميصك أو أي من ملابسك أيها الطالب . كان هذا ما يزعجني أحياناً . ومع ذلك شكرتها قائلاً : لا أحتاج . في إحدى المساءات وكان قد مرّ أسبوعان على كتابة الرسالة كنتُ جالساً عند النافذة أصفِّرُ وأتركُ لعيني التجوال تسليةً ، مفضلاً عدم الخروج بسبب رداءة الجو عندما فُتحت الباب بغتةً . لقد كانت تيريزا ! - أيها الطالب . أرجو أن لا تكون منشغلاً .. حسناً :لا أرى أحداً عندك. - لماذا ؟ - أريدك أن تكتب ي رسالة . - إلى بولص ؟ - كلا .. أريدك أن تكتب ردّهُ . - ماذا ؟ . . صرختُ مندهشاً . - اعذرني ، أيها الطالب . أنا غبية . لم أعبر عن نفسي بصورة واضحة . رسالة ليست لي بل لواحدة من صديقاتي .. فهي لا تعرف الكتابة ، ولها حبيب مثلي . - أتطلعُ فيها فأحصد خجلاً يغمر وجهها ، وارتعاش كفّيها يفضحان كذبة لم تُصدق . - اسمعي أيتها الفتاة . كل ما قلتيه عنك وعن بوليسلوف كان خيالاً مَحظاً .، وأنت تكذبين . إنهُ ليس إلا عذراً للحضور إلى هنا . لا أريدك أن تلعبي مثل هذه الأفعال مرّة أخرى ... أفهمت ؟ رأيتُ الخوفَ يكتسحها .. إحمرّت خجلاً . أرادت أن تقول شيئاً لكنها عجزت ، حتّى أنني شعرتُ باضطهادها . لا بدّ أنْ ما دفعها لفعلِ ذلك ! ولكن ما هو ؟! - " أيها الطالب .. " توقفت لتقول شيئاً ، لكنّها بلمحةٍ مباغتة استدارت خارجةً من الغرفة . مكثتُ مكاني وفي قلبي مشاعر واحتدامات ضاغطة . سمعتها تغلق الباب بعنف ما أشعرني بأنها خرجت غاضبة . لذلك صممّت على دعوتها للعودة شاعراً بالأسف ومقرراً كتابة الرسالة , خطوت صوب غرفتها . لمحتها جالسة عند منضدتها وقد رمت بوجهها بين كفّيها . - يا فتاتي ، أنتِ .. عندما أصل إلى هذا القدرِ من القص أشعرُ دائماً بأسىً عميق . قفزَت من مكانها ؛ ومباشرةً توجَّهت إليَّ بعينين مشرقتين ، واضعةً ذراعيها على كتفي . ثم شرعت تنشج باكية كما لو أنَّ قلبها يتفطَّر . - ما الاختلاف إن ... إن كتبتَ .. أسطر .. قليلة ؟ آ .. أنتَ تبدو شاباً مرغوباً فيه !.. نعم ، لا يوجد ثمّة بوليسلوف ... وليست هناك تيريزا ! هنالك أنا فقط .. أنا وحيدة . - ماذا ؟! هتفتُ مصعوقاً بكلماتها : " لا يوجد بولص مطلقاً " . - لا .. - ولا تيريزا ؟! . - لا .. أنا هي تيريزا . تطلعتُ إليها مذهولاً " أحدنا هو المجنون " .. عادت إلى منضدتها . استخرجَت قطعة ورق : هنا ! " قالت " هذا ما وردني .. هنا ! .. خذ هذه الرسالة التي كتبتها لي . الناس الآخرون ذوو القلوب الرحيمة ستكتب لي بدَلك ." أمسكتُ الرسالة التي كتبتها لبوليسلوف المُتخيّل : - اسمعي تيريزا . لماذا كل هذا ؟ لماذا تريدين الناس أن يكتبوا لكِ بينما أنتِ لم تبعثي الرسالةَ هذه ؟ - لمَن سأبعثها ؟ لم أدري ما أقول .. كل ما فعلته هو أنّي تحركتُ خارجاً . لكنَّها انطلقت تفوه : - لا يوجد بوليسلوف . أنا خلقته وأردته أن يعيش . أدري أنني ليست كمثل الآخرين . أعرف أنني لا أتسبب بأذى أحد لو أنا كتبتُ إليه . - ماذا تقصدين بقولكِ " إليه " ؟ . - إلى بوليسلوف طبعاً ؟ - لكنكِ تقولين لا يوجد شخصٌ بهذا الاسم ! - نعم .. وما الضرر في عدم وجوده .. أكتب إليه كأنَّه رجلّ حقيقي . وهو أيضاً يردُّ عليَّ . أكتب له مرة أخرى ، ومّرة أخرى هو يرد . وأخيراً فهمتُ . لقد أحسستُ بالذنبِ والخجلِ وبصدمةٍ مثلَ طعنةِ ألمٍٍٍ . آآ .. إلى جانبي تسكنُ إنسانةٌ فقيرة ليس لها ما يقابلُها من روح تبثُّه العواطفَ وتُظهِر له الخلجات .. لا أبوان لها ، لا أصدقاء . لذلك اخترعت لنفسها رجلاً تبثه خلجاتها . استمرَّت تخاطبني بأسىً عميق : " الرسالةُ هذهِ التي كتبتها لي لتصل إلى بوليسلوف طلبت ُ من شخصٍ آخر يقرأها لي وبصوت عالِ . استمعتُ وتخيلتُ أن بوليسلوف رجلٌ يحيا في هذا العالم . ثم طلبتُ إجابةً من بولص إلى حبيبته تيريزا .. إلي . هكذا أشعرُ أن ثمة بوليسلوف يحيا في مكان ما . لا أعرف أين . وهكذا أستطيع التواصل في الحياة فتصبح عندي أقلَّ صعوبةٍ ، أقلَّ فضاعةٍ . وأقلَّ حدّة " . منذ ذلك اليوم وأنا أكتب الرسائل . اكتبها مرتين في الأسبوع . رسائل مرسلة من تيريزا إلى بوليسلوف ؛ وأخرى من بوليسلوف إلى تيريزا . أقول كلماتي المليئة بالعاطفة ؛ وبالأخص الردود ، وهي تصغي إلى القراءة باكية ، ضاحكة ؛ ولكن سعيدة . وفي المقابل صارت تعتني بملابسي . ترتِّق قمصاني وجواربي ، وتنظف حذائي ، وتمسح قبعتي وتفرّشها . بعد ثلاثة أشهر ألقي القبض عليها بشبهةٍ فأودعت السجن . ولم أرها بعد ذلك . لا بدَّ أنها ماتت .
عدل سابقا من قبل fouad في الإثنين أبريل 23, 2012 2:03 pm عدل 1 مرات | |
|
اللحن الضائع نائبة المدير
المشاركات : 7265 الجنـس : السٌّمعَة : 93 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: قصة حب تتأرجح بين الحقيقة والخيـال الإثنين أبريل 23, 2012 1:37 pm | |
| سلمت أناملك لطرحك الأكثر من
الرائع والجميل المعبر تسلم
وبارك الله فيك وتقبل مرورى المتواضع
| |
|
fouad مشرف عام
المشاركات : 3484 الجنـس : الـعـمــر : 31 السٌّمعَة : 51 بـــلادي : انـــنــي : مـزاجـي : مـهنـتي : هوايـتـي :
| موضوع: رد: قصة حب تتأرجح بين الحقيقة والخيـال الإثنين أبريل 23, 2012 4:01 pm | |
| - اللحن الضائع كتب:
- سلمت أناملك لطرحك الأكثر من
الرائع والجميل المعبر تسلم
وبارك الله فيك وتقبل مرورى المتواضع
شكرا لمروروك الذي نور صفحتي وانعش سريرتي دمتي متالقة | |
|