هل بإمكان الإنسان أن يسير تحت وابل من المطر ووابل من الرصاص؟ هل بالإمكان
استقبال حبات المطر وتحاشي الرصاص؟ أتصور أنّ المسألة في غاية الصعوبة حتى
النملة لو سارت بين هذا وذاك لن تستطيع.
هذا الموقف أو هذه الصورة
تشابه إلى حد كبير الكتابة الصحفية في هذا الزمان لأنّها قد تكون مبدأ
وقضية لدى بعضهم، وقد تكون ترفاً ورفاهاً لبعضهم الآخر، أو حتى مجرد إضاعة
للوقت لدى أناس آخرين، وأمام هذه المعطيات كيف يمكن السير بالكتابة وإلى أي
طريق يمكن أن يصل الكاتب؟ هذا مع التأكيد على أنّ الكاتب قد يكون يحمل
خنجراً مسموماً يؤذي به خلق الله، وقد يكون قلمه كالريشة التي ترسم اللوحة
الجميلة، أو أن قلمه يقطر منه مداد الإصلاح والتنوير، وهنا يكون دور الكاتب
ودور المتلقي ودور الناشر الذي يحدد المقالة أو الكتابة وإن كان عذر بعضهم
أنّ الناس تريد هكذا، وهذه مشكلة كبرى أن يعكس الناشر وبكل وسيلة وجهات
نظره الخاصة على جميع الكتاب إن لم تكن هناك مصادرات واضحة لبعض الكتابات.
المشكلة
الأخرى أيضاً تتعلق بالكتاب أنفسهم، فقد تكون المقالة إضافة لما ذكرنا
سابقاً تحقيقا للذات أو على أقل تقدير إكمالاً لها أو بحثاً عنها، وسوف
تختلف بالطبع طريقة الكتابة وتختلف أيضاً ردود الأفعال هنا، كما أنّ الكاتب
أحياناً يملك قدرات كبيرة غير ترتيب الألفاظ وإيصال الأفكار، هذه القدرة
تتعلق بطريقته لتجاوز الممنوعات والرقابة التي قد تحد من انطلاقات قلمه،
على سبيل المثال أراد كاتب أن يصف لصديق له خارج بلده الأحوال في ذلك الوطن
فخط له رسالة كلها سلام وعبارات عادية جدّاً ولكنه كتب التاريخ بطريقة كان
لها مغزى كبير جدّاً فبدلاً من أن يكتب 1999 كتب 1899 عندها فهم صاحبه أنّ
البلد رجعت مئة سنة للوراء، هذه القدرة ليس كل كتاب يستطيع أن يمتلكها وإن
كان من سلبياتها أنها لا توجد حيث توجد الديمقراطية.
إذاً الكتابة شكوى
وجهاد وقد تكون نوعاً من الأنين الخفي ولكنه يظهر من خلال الأفكار، على
الرغم من أنّه في السابق كانت الأفكار أغزر من الأحبار واليوم أصبحت
الأحبار كالمحيطات ولكن أين الأفكار التي تنبثق من الوعي والإحساس والقدرة
على التمييز والتميز لأنّ هذه الجوانب تذوب في بحر اللامعقول وتتلاشى من
أبجديات الكلام شيئا فشيئا حتى تتسع الهوة بين الوعي واللاوعي، عندها لا
نعتب على ما نقرأ وما نكتب.