تحتاج فى أحيانا أن تلوم الآخرين ... ولدك ... زوجتك ... صديقك ...
لكن دع الملوم يحتفظ بماء وجهه ...
فالخطأ سلوك بشرى لابد أن نقع فيه حكماء كنا أو جهلاء .. وليس من المعقول أن يكون الخطأ صغيرا فنكبره .. ونضخمه .. ولابد من معالجة الخطأ بحكمة وروية وأيا كان الأمر فإننا نحتاج بين وقت وآخر إلى مراجعة أساليب فى معالجة الأخطاء ..
ولنرى كيف كان يتعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مثل هذه المواقف ....
فى يوم من الدهر أقبل ثلاثة شباب متحمسين .. إلى المدينة النبوية ..
كانوا يريدون معرفة كيفية عبادة النبى صلى الله عليه وسلم ...
سألوا أزواج النبى صلى الله عليه وسلم عن عمله فى السر ...
فأخبرتهم زوجات النبى صلى الله عليه وسلم أنه يصوم أحيانا ويفطر أحيانا .. وينام بعضا من الليل ويصلى بعضه ..
فقال بعضهم لبعض : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه ..
ثم اتخذ كل واحد منهم قرارا .. !
فقال أحدهم :أنا لن أتزوج .. أى سأبقى أعزبا .. متفرغا للعبادة ..
وقال الآخر : وأنا سأصوم دائما .. كل يوم ..
وقال الثالث : وأنا لا أنام الليل .. أى سأقوم الليل كله ..
فبلغ النبى صلى الله عليه وسلم ما قالوه ..
فقام على منبره .. فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :
ما بال أقوام !! (هكذا مبهما ، لم يقل ما بال فلان وفلان) ..
ما بال أقوام قالوا : كذا وكذا .. لكنى أصلى وأنام .. أصوم وأفطر .. واتزوج النساء ..
فمن رغب عن سنتى فليس منى (متفق عليه)
وفى يوم آخر .. لاحظ النبى صلى الله عليه وسلم أن رجالا من المصلين معه .. يرفعون أبصارهم إلى السماء فى أثناء صلاتهم ..
وهذا خطأ فالأصل أن ينظر أحدهم إلى موضع سجوده ..
فقال صلى الله عليه وسلم : ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء فى صلاتهم ..
فلم ينتهوا عن ذلك واستمروا يفعلونه .. فلم يفضحهم أو يسمهم بأسمائهم .. وإنما قال : لينتهن عن ذلك .. (رواه البخارى) .
ولعلك تتسائل : لماذا يكره الناس الانتقاد ؟
لأنه يشعرهم بالنقص .. فكل الناس يحبون الكمال ..
إنه شعور الإنسان الدائم بالحاجة إلى اعتباره والاهتمام به ..
المخطئ أحيانا لا يشعر أنه مخطئ فكيف نوجه له لوم مباشر وعتاب قاس وهو يرى أنه مصيب .. إذا لابد أن نزيل الغشاوة عن عينيه ليعلم أنه على خطأ .
وفى قصة شاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم درس فى ذلك حيث جاءه ليأذن له بالزنا
عن أبى أمامه رضى الله عنه قال : إن فتى شابا أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال الشاب : يارسول الله إذن لى بالزنا .
فأقبل القوم عليه فجزروه وقالوا : مه مه (أى كلام مذموم)
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : أذنه
فدنا منه قريبا .. فجلس
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : أتحبه لأمك ؟
فقال الشاب : لا والله جعلنى الله فداك
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ولا الناس يحبونه لأمهاتهم ، أتحبه لابنتك ؟
فقال الشاب : لا والله جعلنى الله فداك
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ولا الناس يحبونه لبناتهم ، أتحبه لأختك ؟
فقال الشاب : لا والله جعلنى الله فداك
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ولا الناس يحبونه لأخواتهم ، أتحبه لعمتك ؟
فقال الشاب : لا والله جعلنى الله فداك
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ولا الناس يحبونه لخالاتهم ، فوضع يده عليه ، وقال : اللهم اغفر ذنبه ، وطهر قلبه ، وحصن فرجه
فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شئ
أخرجه الإمام أحمد إسناده صحيح
وفى قصة أخرى جاء رجل إلى النبى صلى الله عليه وسلم يبايعه على الهجرة .. وقال : إنى جئت أبايعك على الهجرة .. وتركت أبوى يبكيان ..
فلم يعنفه صلى الله عليه وسلم .. أو يحقر فعله .. أو يصغر عقله .. فالرجل جاء بنية صالحة ويرى أنه فعل الأصلح ..
أشعره صلى الله عليه وسلم أن معالجة الخطأ سهلة فقال له بكل بساطة : ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما (فى المستدرك وصحح إسناده)
وانتهى الأمر ..
كان صلى الله عليه وسلم يتعامل مع الناس بأساليب تربى فيهم الرغبة فى الخير وتشعرهم أنهم إلى الخير أقرب .. حتى وإن وقعوا فى أخطاء .. فبالرفق نكسب .. ونصلح الخطأ .. ونحافظ على كرامة المخطئ ..
فعندما يخطئ الإنسان عالج خطأه بأسلوب يجعله يشعر أن الفكر فكرته هو .. ولدك يغيب عن الصلاة فى المسجد ..
قال له مثلا : سعد .. أما تريد أن تدخل الجنة ؟ .. بلى .. إذن حافظ على صلاتك ..
فى يوم من الأيام .. وفى خيمة أعرابى فى الصحراء ..
جعلت امرأة تتأوه تلد .. وزجها عند رأسها ينتظر خروج المولود ..
اشتد المخاض بالمرأة حتى انتهت شدتها وولدت ..
لكنها ولدت غلاما أسودا !!
نظر الرجل إلى نفسه .. ونظر إلى إمرأته فإذا هما أبيضان .. فعجب كيف صار الغلام أسود !!
أوقع الشيطان فى نفسه الوساوس ..
لعل هذا الولد من غيرك !!
لعلها زنى بها رجل أسود فحملت منه !!
لعل ..
اضطرب الرجل وذهب إلى المدينة النبوية .. حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أصحابه
فقال : يارسول الله .. إن امرأتى ولدت على فراشى غلاما أسودا !! وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط !!
نظر النبى صلى الله عليه وسلم إليه .. وكان قادرا على أن يسمعه موعظة حول حسن الظن بالآخرين .. وعدم اتهام امرأته ..
لكنه أراد أن يمارس معه فى الحل أسلوبا آخر ..
أراد أن يجعل الرجل يحل مشكلته بنفسه .. فبدأ يضرب له مثلا يقرب له الجواب ..
فما المثل المناسب له .. ؟ هل يضرب له مثلا بالأشجار ؟ ام بالنخل ؟ أم بالفرس والروم ؟
نظر إليه صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل عليه آثار البادية .. وإذا هو مضطرب تتزاحم الأفكار فى رأسه حول امرأته ..
فقال له صلى الله عليه وسلم : هل لك من إبل ؟
قال : نعم ..
قال : فما ألوانها ؟
قال : حمر ..
قال : فهل فيها أسود ؟
قال : لا ..
قال : فيها أورق ؟
قال : نعم ..
قال : فإنى كان ذلك ؟!
يعنى : ما دام أنها كلها حمر ذكورا وإناثا .. وليس فيها أى لون آخر .. فكيف ولدت الناقة الحمراء ولدا أورق .. يختلف عن لونها ولن الأب (الفحل) ..
فكر الرجل قليلا .. ثم قال : عسى أن يكون نزعه عرق .. يعنى قد يكون من أجداده من هو أورق .. فلا زال الشبة باقيا فى السلالة .. فظهر فى هذا الولد ..
فقال صلى الله عليه وسلم : فلعل ابنك هذا نزعه عرق (رواه مسلم ، وابن ماجة واللفظ له)
وأخيرا المقصود أن يتدارك الناس أخطائهم وليس شرطا أن يصححوها أمامك ... فكن كالنحلة تقع على الطيب وتتجاوز الخبيث ... ولا تجعل طريقتك فى التعامل مع الأخطاء فى التعامل مع الأخطاء أكبر من الخطأ نفسه .