حينما ماتت زوجته كان أصغر أطفاله لا يزيد عن عامين. وكان له ستة أولاد آخرين. ثلاثة أبناء وثلاث بنات، 4 إلى 16 عاماً. بعد أيام من وفاة زوجته جاءه الأقرباء بما فيهم والدي زوجته وقالوا له: ((إنك لا تستطيع القيام بأعمالك وأشغالك إلى جانب السهر على كل هؤلاء الأبناء وتربيتهم وقد اتفقنا أن تأخذ كل عمة أو خالة أو قريب واحداً من أبنائك فلا يكونون بعيدين عنك وسنضمن سلامتهم وتربيتهم، وبوسعك رؤيتهم متى ما شئت)).
أجابهم الرجل ((لا تستطيعون تصوركم أنا شاكر لكم على جميلكم هذا، ولكن أريد أن تعلموا)) ضحك وواصل كلامه ((إذا ضايق الأطفال عملي أو احتجت إلى مساعدة فسأخبركم بأسرع وقت)). بعدها راح الرجل يواصل أعماله بصحبة أبنائه، فحدد لكل منهم مسؤولية وواجباً. البنتان الأكبر 12 عاماً و 15 عاماً يتوليان الطبخ وغسل الملابس وأعمال البيت. والولدان الأكبر 16 و 14 عاماً يساعدان أباهم في المزرعة. ولكن حلت به صدمة جديدة ...
ابتلي الرجل بوجع في المفاصل، تورمت يداه حتى لم يعد يستطع الإمساك بأدوات الفلاحة. كان الأطفال ينهضون بأعباء العمل على خير وجه، إلا أن الرجل لم يكن قادراً على البقاء بلا عمل طوال النهار. باع أدوات الفلاحة وهاجر مع عائلته إلى مدينة صغيرة وافتتح متجراً متواضعاً خطيت العائلة بترحيب الجيران، وازدهر عمل الرجل وتجارته، وكان شديد الفرح لأنه بين الناس ويستطيع تقديم خدمة لهم. وشاع بين الجميع أن زبائنهم راضون وأن خدماتهم ممتازة، فقصده الناس من كل مكان للتبضع، وكان الأولاد والبنات يساعدونه في المتجر والبيت، وكان رضا أبيهم عن أدائهم يبعث الغبطة والرضا في نفوسهم، وكان فرحاً جداً بتطور أبنائه وإتقانهم وإخلاصهم في العمل. كبر الأبناء والتحق خمسة منهم بالجامعات وتزوج أغلبهم. ذهب كل منهم إلى عمله وحياته. كان نجاح الأبناء مفخرة للأب.
لم يكن قد درس أكثر من السادس الابتدائي، وولد له أحفاد فكانوا أكبر ما يبعث السرور في قلبه. وحينما شب الأحفاد أخذهم الجد إلى محل عمله في بيته الصغير. كانوا فرحين سعداء مع بعضهم. وأخيراً تزوج الابن الأصغر الذي لم يناهز العامين عند وفاة أمه. بعد ذلك توفي الأب. كان رجلاً عصامياً سعيداً قهر الحزن والخيبة رغم رحيل زوجته في وقت مبكر، وكلما تذكر انه استطاع ترتيب حياته كما ينبغي تغمره أمواج عارمة من السعادة .. انه والدي .. وأنا الولد ذو الـ 16 عاماً. الأكبر في عائلة بسبعة أبناء.