حاول أن تتخيَّل نفسك داخل طائرة مقاتلة، تحاول التصويب على هدف دقيق، وأنت تسير بهذه السرعة الفائقة، ولاحظ أنك لو تردَّدت في اتخاذ قرارك لعشر ثانية، سيعني هذا أن تبتعد أربعة وثلاثين سنتيمتراً، عن الهدف المنشود..
أي عقل بشري، يمكنه التصويب، واتخاذ القرار، ووضعه موضع التنفيذ، خلال عشر الثانية هذا؟!..
الواقع أن العقل البشري يمكنه هذا، ولكن المشكلة تكمن فيما نطلق عليه اسم (المعادلة العصبية)، وهي باختصار تلك المسافة، بين اتخاذ المخ للقرار، وإدراك الأطراف لهذا..
وتلك المعادلة العصبية، تختلف من شخص إلى آخر، ولكنها، في كل الأحوال، تحتاج إلى فترة زمنية حتمية..
ماذا إذن، لو انتقلت الإشارة، من المخ، إلى أجهزة التصويب دفعة واحدة؟! كان هذا هو السؤال، الذي ألقاه أحد علماء المخ على نفسه، ذات يوم من منتصف الثمانينيات، والذي كان بداية لاختراع خطير..
ففي البداية، توصَّل ذلك العالم إلى أن موجات (جاما)، التي تنبعث من المخ طوال الوقت، تختلف في ترددها وطولها الموجي، من لحظة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر..
وعبر دراسة تلك الموجات وتغيراتها، توصل الرجل، في نهاية الثمانينيات إلى اختراع مذهل.. إلى خوذة تصويب..
خوذة يرتديها الطيَّار المقاتل، وهو ينطلق بمقاتلته، بضعف سرعة الصوت، بحيث إن كل ما عليه، عندما يلمح هدفه، هو أن يفكِّر..
نعم.. كل ما عليه هو أن يفكِّر، ويقرِّر إصابة الهدف، ثم تقوم الخوذة بعدها بباقي العمل، إذ تلتقط القرار، عبر نوع وطول موجات (جاما)، المنبعثة من مخه، وتوصله مباشرة إلى آلات التصويب، وتطلق النيران..
وعبر التسعينيات، حقَّقت تلك الخوذة نتائج مبهرة، وقفزت بقدرة الطيارين المقاتلين على طائرات بعينها إلى كفاءة مذهلة..
وعلى الرغم من أن هذا الأسلوب المتطوِّر لم يتم تعميمه، حتى الوقت الحالي على الأقل، إلا أن السوق التجاري قد شهد بعض النماذج الاقتصادية، من خوذة (جاما)، والتي تم استخدامها في ألعاب الفيديو والكمبيوتر فحسب..
ومن المستحيل طبعاً أن يكتفي العلم بهذا، لذا فقد راح يدرس الفكرة، ويطوِّرها في كل يوم، عبر فترة طويلة، حتى توصل أخيراً إلى استخدام مذهل أكثر لها.. قراءة الأفكار..
نعم.. الخوذة الآن، مع تطوّر أجهزة الكمبيوتر، أصبحت أكثر دقة في قياس وتفنيد موجات (جاما)، وتصنيفها على نحو يسمح بقراءة أفكار من يرتدي تلك الخوذة..
ولا تنبهر كثيراً بهذا، فالفكرة ما زالت في مرحلة التطوير، وكل ما تفعله هو أن تقرأ موجات (جاما)..
ستحللها..
وترتبها..
وتخرج منها باستنتاجات..
واستنباطات..
وأفكار..
أفكارك..
والعلماء، الذين توصلوا إلى هذا يقولون إن نسبة قراءة الأفكار بهذه الوسيلة تبلغ الآن ثلاثين في المائة فحسب..
ولكنها مجرد بداية..
ففي عام ألفين وعشرة (وفقاً لتقديراتهم النسبية)، ستبلغ نسبة الدقة تسعين في المائة، وربما يولد عندئذ جيل جديد من خوذة الأفكار..
جيل لا يكتفي بقراءة الأفكار، وإنما يبثها أيضاً..
وهكذا يسقط -كالمعتاد- ذلك الحاجز الرقيق الدقيق، بين العلم والخيال العلمي..
وفي عام ألفين وخمسة عشر، ربما تصبح الأفكار كلها متاحة..
ومباحة..
وربما تظهر خوذات مضادة لقراءة الأفكار..
أو خوذات لبث أفكار خاصة..
تماماً مثل آلات بث الأحلام المدهشة،