لكي يستطيع الإنسان أن يميز بين المواقف السلوكية المتعددة ويوازن فيما بينها، ويقوم بتقويمها وإعطاء أحكام نهائية عليها، واختيار ما يجب اختياره منها، لابد له من معرفة حقيقية بها، ولابد له من وضوح فكري كامل; يستطيع على أساسه أن يدرك انحرافه، ويميز بين الصواب والخطأ، ويفرق بين الاستقامة والانحراف، ويعرف الخير من الشر، ولا يمكن للجاهل أن يحقق هذا الشرط فيستوضح الطريق، ويعرف استقامة المسار، إنما المعرفة والوعي السليم هما الطريق الموصل إلى الله سبحانه، وهما الأداة الفكرية التي ترسم أمام الإنسان خط المسير الهادي إلى خير البشرية وكمالها، وهما الدليل المنقذ من وهذه السقوط ومتاهات الضلال، فما لم يحصل هذا الشرط لا يمكن أن تحصل التوبة.. لذا وجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفرض تعليم الجاهل لتستكمل التوبة كل مستلزماتها، وتسقط الأعذار والتبريرات التي قد يتستر بها المجرم أو العاصي.
وللغرض ذاته كان واجباً على الإنسان أيضاً أن يتعلم كل ضروري من قضايا العقيدة والتكاليف التي تتوقف عليها هدايته ومصيره، وتأكيداً لهذه العلاقة بين الإيمان والهداية والعلم، ذم القرآن الجهل والجهال وامتدح العلم والعلماء العارفين وربط في مواطن كثيرة بين الجهل وبين التيه والضلال; قال الله تعالى:(قالوا أجئتنا لتأفِكَنا عَنْ آلهتِنا، فَاْتِنا بما تَعِدُنا إنْ كُنْتَ مِنَ الصادقين قالَ إنَّما العِلمُ عندَ اللهِ واُبلِّغكُم ما اُرسَلتُ بِه ولكنِّي أراكُم قوماً تجْهَلون ). (الاحقاف/ 22 - 23)
وكما ربط في هذه الآية الكريمة بين الجهل والضلال، وربط أيضاً بين العلم والإيمان في مواطن أخرى، فقال: (وقال الذين اُوتوا العِلم ويْلكُم ثوابُ اللهِ خيرٌ لِمَنْ آمنَ وعملَ صالحاً ولا يُلقَّاها إلاّ الصابرون ).(القصص/ 80)
(إنما يخشى اللهَ من عبادهِ العلماءُ).(فاطر/ 28)
لان المعرفة هي مصدر لكل محفز نفسي وفكري يحمل الإنسان على سلوك طريق التوبة:
فبالعلم يحصل لديه الخوف من الله.
وبالعلم ينبعث فيه دافع الرجاء والشوق إلى الله.
وبالعلم تشرق نفسه أنوار حب الله.
وبالعلم يستيقظ ضميره ويعود إليه وعيه.