الهم واختلاف الطبائع
هذا الهم الذي يعترينا في أحيان كثيرة ويضيق به الصدر والدنيا بما رحبت لا يكون له سبب ظاهر في غالب الأحيان ، ولا نستيطع مهما حاولنا ان نمسك بتلابيب أي سبب مباشر لهذا الحزن ، وقد يرجع بعضنا من باب الأستسهال ، همه لحدث مباشر قد يكون بسيطا ولا يتناسب والهم الذي يعتصر قلبه ويقد مضجعه ، ربما يكون هذا العارض بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير ففجرت ينابيع الحزن وحملت شلال الهم ليغرقنا فيه ، لكنه ليس بالضروره هو السبب في المباشر والمسبب لما نشعر به من ألم ،
وقد تعاملت مع هذا الشعور مرارا وحاولت أن أثبر غوره فوجدت إن طبيعة النفس البشريه بما جبلها الله عليه وبما أودعه فيها سبحانه من أسرار تنطوي علي الكثير من الخفايا التي لا يلحظها إلا متدبر لكينونتها ، صابرا علي تقلباتها وموقن بقدراتها التي ليس لها حد ، فهذه النفس البشريه قادرة علي اختزان الحزن ومن ثم اجتراره في أوقات الضعف والوهن التي تمر بها فتتفجر ينابيع الهم من حيث لا ندري وتذرف الدموع دون أن يوقفها شيء وتتداعي كل الأحزان في هجمة قاسيه علي النفس التي صارعت من أجل أن تبقي متماسكه فنجدها وقد انهارت وتصدعت أركان قوتها الظاهرة لتفضح ضعفها الإنساني ،
مررنا جميعا بلحظات قاسيه من الحزن لكن ردة الفعل تختلف من إنسان لأخر ليس فقط لأختلاف الطبائع والمخزون الثقافي ، بل لأختلاف التركيبة الإنسانة فنجد البعض يختزن الحزن إذا شعر بأنه غير قادر علي استيعاب مسبباته في حينه ، وقد نعتقد بأنه إنسان جامد متحجر المشاعر وهو أبعد ما يكون عن هذا الوصف ، فقط طبيعته لا تستوعب ولا تقدر علي احتمال قدر الحزن فنجد نفسه قد أجلت التعامل مع الهم ، وفي غالب الأحيان ينهار هذا الشخص بمجرد أن يسمح لمشاعره بالتفاعل مع حزنه ونجد هذا الصنف يبكي بحرقة وقد يصاب بالمرض من شدة حزنه ، وهو أقرب ما يكون في تأثره بالحزن من الشخص الذي يتفاعل بكل حواسه مع الحزن ويتأثر مباشرة بأي بادرة لحزن ظني فينهار ولا يحتمل وتسبقه دموعه هو يشبهه في شدة التأثر مع إختلاف التأثر الزمني ،
وهناك من يتعامل مع الحزن بعناد وصلف وقسوة قلب وهذا صنف انتشر كثيرفي أيامنا لضعف الإيمان والابتعاد عن القيم وتجاهل الأخلاق ، وصنف أخير يتعامل إيمانيا مع الهم فهو يصبر ويحتسب وهؤلاء قلة ممن يرون في الحزن مصاب وإبتلاء من الله ويوقنون بأن أي حزن دنيوي لن يقارن بحزن الخاسرين في الآخرة ، وهؤلاء هم أفضل صنف في تعاملهم مع الحزن وشعورهم بالهم ،وهم دوما يتقبلون الحزن بالرضا والصبر فلا يقدر علي كسرهم أو النيل منهم ،
ونحن إذ لم نستطع أن نوطد أنفسنا علي أن تكون تحت لواء هذا القسم الأخير فما العمل ؟ سؤال يسأله كثيرون منا لأنفسهم وهم يرون الهم قد ركبهم والحزن قاسمهم عيشهم ، أعتقد أن الحل يكون بالتفاعل الآني مع مسببات الحزن وعدم كبت المشاعر حتي تتفاقم وتصبح النفس عاجزة عن الإحتمال بل بتدريبها لتقبل أسباب الهم والتعامل معه علي أنه عرض يصيب النفس وإننا قادرون علي تخطيه ، ومره بعد مره نستطيع أن نزرع في انفسنا اليقين بأن أي حزن مهما علا شأنه فما هو إلا نتيجة منطقيه لما تجنيه أيدينا ، أو لما كتبة الله علينا لذا فمن غير المقبول عقليا ان نحزن علي شيء نحن سببة الاساسي ، وأيضا ليس مقبولا أن نصاب بالحزن لشيء لا نستطيع دفعه وهو القدر ،
حين نستطيع تدريب أنفسنا علي ما سبق يتضاءل الحزن الذي يصيبنا ويتلاشى الهم رويدا رويدا من حياتنا وربما نرتقي لنصبح من الفئة الأخيرة التي لا تري في أي حزن دنيوي قيمة وينصب جل إهتمامها علي تأمين نفسها من الحزن الأكبر والخسران العظيم يوم لا ينفع مال ولا بنون ، وهذه مرحلة لا يرتقي إليها إلا ذو عزيمة ، وصاحب رؤية ثاقبة تؤهله إلي اغتنام كل الفرص ليثبت نفسه ضمن تلك الفئة ويعمل جاهدا إلا يستولي علية اليأس فيقعده عن تحفيز نفسه كي يلحق بتلك الثلة ممن انتصروا علي الحزن وطردوا الهم حين أيقنوا بقوتهم الداخلية أن لا هم يستأهل ان يغشاهم في تلك الحياة الدنيا مهما عظم شأنه أو خدعتنا ضخامته