أصل الشجاعة
في القلب و هو ثبات القلب و سكونه و قوته عند المهمات و المخاوف ، و لا يثبت القلب إلا مع سلامة العقل و المزاج و هو الاعتدال ؛ فالشجاعة حرارة القلب و غضبه و قيامه و انتصابه و ثباته ، والشجاعة ليس لها اتصال بالأبدان قوةً و ضعفاً ، و لا باللسان
يقول كثير عزة :
ترى الرجل النحيف فتزدريه ----- و في أثوابه أسد هصور
و يعجبك الطرير إذا تراه ----- فيخلف ظنك الرجل الطرير
و قد عظم البعير بغيرلبّ ----- فلا عرف لديه و لا نكير
نقل ابن قتيبة في عيون الأخبار: عن الحرس : " رأيت من الجبن و الشجاعة عجباً ، استثرنا من مزرعة في بلاد الشام رجلين يذربان حنطة أحدهما أصيفر أحيمش ( تصغير الأحمش و هو دقيق الساقين ) و الآخر مثل الجمل عظماً فقاتلنا الأصيفر بالمذرى ( خشبة ذات أطراف كالأصابع يذرى بها الحبّ و ينقى ) لا تدنو منه دابة إلا نخس أنفها و ضربها حتى شق علينا فقُتل ، و لم نصل إلى الآخر حتى مات فرقاً فأمرت بهما فبقرت بطونهما فإذا فؤاد الضخم يابس مثل الحشفة ، و إذا فؤاد الأصيفر مثل فؤاد الجمل يتخضخض في مثل كوز من ماء .
ذكر عمرو بن معد يكرب الزبيدي عندما سأله عمر بن الخطاب عن أجبن رجل لاقاه فقال : يا أمير المؤمنين كنت أشن الغارة فرأيت فارساً لابساً لامة الحرب ، و هو راكب على فرسه فقلت : يا بنىّ خذ حذرك فإني قاتلك لا محالة ، فقال لي : و من تكون ؟ فقلت: عمرو بن معد يكرب فسكت و دنوت منه فوجدته قد مات ، فهذا أجبن من لقيت . ذكره في كتاب بدائع السلك لابن الأزرق .
يقول الراغب: الشجاعة إن اعتبرت و هي في النفس ، فصرامة القلب على الأهوال و ربط الجأش في المخاوف ، و إن اعتبرت بالفعل فالإقدام على موضع الفرصة . و هي فضيلة بين التهور و الجبن و هي تتولد من الفزع و الغضب إذا كانا متوسطين .