المشكلة أنه لا يمكننا التحدث عن أي شخص دون أن نذكر
المعلومات الأساسية في سيرته الذاتية , لذا سنمر بهذه المعلومات سريعًا ,
ثم سنبدأ في القسم الممتع في الموضوع ..
ولد
( ستيفن إدوين كينج ) في مدينة ( مين Maine ) في الواحد و العشرين من سبتمبر لعام 1947 , لكل من ( دونالد ) و ( نيللي كينج ) الذان انفصلا و
( ستيفن ) لا يزال طفلاً – لم يكن الأمر انفصالاً بالمعنى المفهوم .. لقد خرج الأب
لشراء السجائر كما قال , و لم يعد بعدها أبدًا ! - و ليفقد
( ستيفن ) إحساسه
بالعائلة مبكرًا , و لتبدأ رحلة انتقاله مع والدته عبر الولايات المتحدة ,
حتى انتهى به الأمر في ( مين ) حيث أخذت الأم تعمل كطاهية في مؤسسة لذوي
الإحتياجات الخاصة , بينما تفرغ
( ستيفن ) للدراسة و لهوايته الأثيرة .. القراءة ..
التحق ( ستيفن ) بمدرسة ( Lisbon Falls ) و تخرج منها ليلتحق بجامعة ( مين
) , و يذكر عنه أنه كان طالبًا نشيطًا في تلك الفترة , إذ انضم لإتحاد
الطلاب , و أخذ يكتب سلسلة مقالات أسبوعية في مجلة الكلية تحت اسم ( بوصلة
مين Maine Campus ) هاجم فيها الحرب ضد فيتنام , رافضًا أن تدخل أمريكا
حربًا لا حق لها فيها كما كان يقول , و وواصل نشاطه هذا حتى تخرج من
الجامعة عام 1970 , ليتحول من طالب إلى مدرس في الجامعة , و قد حصل على
بعض التغيرات منها ارتفاع ضغط الدم و ضعف البصر و ثقب في طبلتي الأذن !!
لكن الجامعة لم تترك له كل هذه الأمراض فحسب , بل تعرف فيها على الفتاة
الرقيقة ( تابثا ) التي أخذ يعمل من أجلها طوال فترة دراسته في محل
للملابس , و أخذ يبيع بعض القصص القصيرة للمجلات , حتى تمكن من الزواج منها
في 1971 و مازال يحيا معها حتى الآن في منزلها في ( مين ) , و رزق منها
بثلاث أطفال حتى الآن ..
لم تطل السيرة الذاتية كما وعدتك .. الآن يمكننا أن نتعرف أكثر على الأديب .. على الملك ..
• بدايات ( كينج : أول قصة قصيرة باعها
( ستيفن كينج ) كانت
( الأرض الزجاجية The Glass Floor
) و باعها لمجلة (Startling Mystery Stories ) و كان ذلك في عام 1967 , لكن أول رواية كتبها كانت
( كاري Carrie ) و التي تتحدث عن فتاة غريبة الأطوار تمتك قدرة تحريك الأجسام عن بعد , و
كان يكتب هذه الرواية كوسيلة لقتل وقت الفراغ لديه , لكنه حين عرضها على
دار نشر (Doubleday ) في ربيع 1973 , قامت الدار بنشرها على الفور , و
أمام آراء النقاد المنبهرة بهذه الرواية , عرض عليه مدير تحرير الدار (
بيل تومبسون ) ترك مهنته في الجامعة كمدرس , وأن يتفرغ للكتابة تمامًا ..
لكن الصعوبات بدأت في مطارد
( ستيفن ) إذ اضطر
للإنتقال بعائلته إلى جنوب ( مين ) بعد أن أصيبت والدته بالسرطان , و ظلّ
يراعاها طيلة النهار , بينما كان يقضي الليل في غرفة صغيرة في جراج المنزل
, يكتب في روايته الثانية التي أسماها
( العودة الثانية ) قبل أن يقرر تغيير اسمها إلى
( حشد سالم Salem's Lot ) و فيها يحكي عن قرية من مصاصي الدماء يقوم بزيارتها رجل و طفله الوحيد ..
و حين انتهت الرواية توفيت والدته أخيرًا عن عمر يناهز التاسعة و الخمسين , فعاد
( ستيفن كينج ) ينتقل بعائلته , و عاد لتفرغه التام للكتابة , لينتهي في في أوائل 1975 من روايتي
( الصمود The Stand ) و
( منطقة الموت Dead Zone ) , وكانت روايته
( كاري ) قد نشرت لتحقق نجاحًا مذهلاً , أكدّ له و للناشر أن قرار تركه للجامعة و تفرغه للكتابة كان قرارًا حكيمًا بلا شك ..
و الواقع أن حمى الكتابة انتابت
( ستيفن كينج ) ,
فأخذ رواياته تتلاحق بغزارة غير مسبوقة – لاحظ أننا نتحدث عن روايات من
القطع الكبير و لا يقل عدد صفحات الرواية عن السبعمائة صفحة إلا نادراً –
فكتب رواية
( البريق The Shining ) و التي تتحدث عن كاتب مجنون يقضي الشتاء مع عائلته في فندق مهجور , ثم رواية
( كريستين Christine ) التي تتحدث عن سيارة مسكونة , ثم بدأ في جمع قصصه القصيرة لينشرها في مجموعات قصصية من أشهرها
( وردية الليل Night Shift ) ثم
( أربع دقائق بعد منتصف الليل Four Past Midnight ) , و مع النجاح المتواصل , قرر المخرج الشهير ( برايان دي بالما ) تحويل
رواية ( كاري ) إلى فيلم سينمائي , قامت ببطولته ( سيسي سباسيك ) و ( جون
ترافولتا ) , فحظى الفيلم بنجاح مذهل خاصة مع أداء ( سيسي سباسيك )
العبقري للفتاة المضطربة ذات القدرات الخارقة , حتى أنها رشحت لجائزة
الأوسكار عن دورها في هذا الفيلم .
و هكذا دخل
( ستيفن كينج ) عالم السينما من أوسع
أبوابه , فمع توالي رواياته , توالت افلامه , فقام المخرج العبقري (
ستانلي كوبريك ) عام 1980 بتحويل روايته
( البريق ) إلى فيلم كابوسي مخيف , قام ببطولته ( جاك نيكلسون ) – لم يعجب الفيلم
ستيفن كينج فقام بإعادة إخراج الفيلم 1997 في صورة حلقات تلفزيونية قام
بجمعها فيما بعد – ثم قام المخرج ( جون كاربنتر ) الذي اشتهر بسلسلة أفلام
( هالويين ) بتحويل رواية ( كريستين) إلى فيلم عام 1983 و حصل به على
جائزة أوسكار أفضل مؤثرات بصرية .. من رأى منكم الفيلم و رأى المشهد الذي
تقوم في السيارة بإصلاح ذاتها , سيعرف أن هذا المشهد يستحق الجائزة .
و هكذا أصبح
( ستيفن كينج ) علامة مميزة للرعب سواء على مستوى الروايات أو الأفلام , حتى أن النقاد أخذوا يلقبونه
( ملك الرعب ) و بدأت الملايين تنهال على
( ستيفن ) فبنى قصره الخاص في مدينته الأثيرة ( مين ) – غالبًا ما تدور أحداث
رواياته في هذه المدينة – و أخذ يكتب بلا توقف , ثم قرر استغلال وقته ,
فتعلم الإخراج , ليقوم هو أيضًا بتحويل قصصه إلى أفلام , لكنها لم تكن
بجود كتابته , فتفرغ لإخراج الحلقات التلفزيونية .
ثم و في عام 1994 قام المخرج ( فرانك دارابونت ) بتحويل قصته القصيرة
(Rita Hayworth and Shawshank Redemption ) و التي نشرها
( ستيفن ) في مجموعته القصصية
( الفصول المختلفة Different Seasons ) إلى واحد من أشهر الأفلام في تاريخ السينما على الإطلاق تحت اسم
( وداعًا شاوشانك Shawshank Redemption ) و كانت هذه نقلة تاريخية في حياة
( ستيفن كينج ) فهذا الفيلم لم يكن له أي علاقة بالرعب , لكنه كان يعكس قدرة
( ستيفن ) و تمكنه كأديب من طراز خاص .. و هكذا نال احترام الجميع , حتى ممن لا يؤمنون بالرعب كأدب .
و عن هذا الفيلم نذكر حادثة طريفة , رواها
ستيفن كينج في مقدمة مجموعته القصصية
( Everything Eventual ) إذ كان يقف ذات مرة في السوبرماركت يثرثر مع سيدة لم تكن تعرفه , و حين
ذكر لها اسمه , امتعضت و قالت ( أنا لا أحب قصص الرعب , أرى أنها سخيفة ) ,
فسألها
( ستيفن ) مبتسمًا ( و مالذي تفضلينه
إذن ؟! ) , فأجابت السيدة ( الأفلام الإجتماعية .. وداعًا شاوشانك مثلاً
.. هل رأيته ؟! ) , و هنا اتسعت ابتسامة
( ستيفن ) أكثر و هو يجيب ( لم اره فحسب .. بل كتبت قصته كذلك ) !!
و مع النجاح تتوالى الملايين , و قد ذكر
( ستيفن كينج ) نفسه أن رصيده يزداد بمقدار عشرة ملايين دولار أسبوعيًا , من أرباح إعادة
طبع رواياته .. الرجل باع أكثر من 300 مليون نسخة حتى الآن , و تترجم
رواياته بأكثر من خمس و ثلاثين لغة , أي أنه لم يتحول إلى كاتب , بل إلى
ظاهرة تستأهل الدراسة .
لاحظ أن أدب الرعب يصنف على أنه ( أدب مسلي Pop Art ) و هذا في الغرب ,
بينما نحن العرب , لا نتعامل معه إلا على إنه أدب أطفال , لكن هذا الرجل –
و بأدب الأطفال !! – ارتقى بأدب الرعب ليقف به إلى جوار كبار الكتاب ,
بروايات تجاوزت الاثنان و أربعون رواية , و عدد لا ينتهي من القصص القصيرة و
المجموعات القصصية , و السيناريوهات التلفزيونية .
و لكن الرياح تأتي بما لا تتشتهي السفن , فهناك ذلك الحادث الذي غيّر الكثير في حياة هذا الرجل .. فالذي حدث هو ..
• حادث مؤسف :حدث هذا عام 1999 حين صدمت شاحنة
( ستيفن كينج ) , لتلقيه مهشم العظام , غارقًا في دماءه على قارعة الطريق .. بالطبع تم
نقله إلى المستشفى , و هناك تلقى العلاج اللازم لكنه خرج منها بكسور صعبة
الإلتئام و بضعف شديد في العصب البصري , يهدده بالعمى في أية لحظة .
العجيب أنه لم يقضي وقته في المستشفى للراحة فحسب , بل كتب هناك روايته القصيرة
( The Plant ) و نشرها اليكترونيًا على أحد المواقع , على أن تكون قابلة للتحميل مقابل
دولار واحد .. يقال أن ارباح هذه الرواية فحسب كانت كافية ليشتري المستشفى
التي يعالج فيها !!
لكنه لم يشتري المستشفى , بل اشترى الشاحنة التي صدمته و أحرقها في احتفال مهيب طلبًا للراحة النفسية !
و كأنما يخاف من العمى ازداد حماسه للكتابة , حتى أنه انتهى مؤخرًا من سباعيته التي تحمل اسم
( برج الظلام Dark Tower
) و موقعه على الانترنت يعلن أن هناك روايات و مجموعات قصصية له ستطرح و حتى عام 2007 .
و صحيح أنه نال عشرات الجوائز حتى الآن من الجمعيات النقدية على مستوى
العالم , لكن أهم جائزة كانت ميدالية الإستحقاق التي قدمتها له جمعية
الكتاب الوطنية , لإسهامه الذي لن ينسى للأدب , و كان ذلك عام 2003 , و
بهذه الجائزة توّج
( ستيفن كينج ) كواحد من أهم و أشهر كتاب القرن العشرين على الإطلاق .
و بينما تتوالى أفلام و روايات هذا الملك , سننهي المقال بواحدة من أفضل
الجمل التي قالها هو , و هي تلك التي وضعها في مقدمة كتابه
( On Writing ) و الذي يتحدث فيه عن فن الكتابة :
( القراءة مهمة جدًا لأي كاتب .. إن من لا يوجد لديه وقت ليقرأ , لا يملك الأدوات اللازمة ليكتب )