الذاكرة المورثة

لذاكره البشريه امر مربك ومحير للغاية؛ فعلى الرغم من عشرات الافلام
والروايات التي تحدثت عن فقدان الذاكرة وغيابها ، وضياعها ، ونسيان شخص ما
مرحلة من مراحل حياته، واستعادتها بعدئذ بحادث مفاجئ، وعلى الرغم من ان كل
هذا ممكن الحدوث في عالم الواقع، إلا ان المثير في الأمر هو أنه لا يوجد ما
يسمى بمركز الذاكرة ، على نحو فعلي ، في المخ البشري كله...
او في اي مخ حي أخر..
فبعد
ابحاث ودراسات طويلة، أدرك العلماء ان الذاكرة ليست شيئا ينبع من مركز
بعينه، انما هي خلاصة تآزر مجموعه من اجزاء ومراكز المخ في آن واحد...
فهناك ذاكرة بصرية وسمعية ولمسية وشمية وغيرها...
أنت
ترى صديقا لك، فتخبرك الذاكرة البصرية أن هذه هيئته وتؤكد الذاكرة السمعية
هذا مع صوته، وربما تشاركها الذاكرة الشمية ايضا ، لو أنه اعتاد استخدام
عطر مميز...

والحال لا يختلف اذا ما وضعوا امامك طبق حساء دجاج مثلا
. ففي هذه الحاله ايضا ستتأزر الذاكره البصريه مع الشمية مع حاسة التذوق،
لتعرف ان ما امامك حساء دجاج.. وليس عصير طماطم مثلا..

هذا ما يحدث
في كل امر من امور الحياه، وفي كل لمحة من لمحات الذاكره التي حيرت العلماء
طويلا، وخاصه مع كشف مدهش ، توصلت اليه العلوم الحديثة، ويعتقد العلماء
انه سيصبح اهم واخطر علوم الغد، على الإطلاق...

فما توصل اليه العلماء مؤخرا ، هو ان امخاخنا ترث جزءا من ذاكرة الاجداد ، على نحو او بآخر...
والعباره على الرغم من بساطتها ، تفتح امامنا آفاقا لا حدود لها .. للعلم والمعرفه..

انها تعنى باختصار ، ان امخاخنا تحوي مكتبة هائله ، فيها تاريخنا كله، وفيها كل المعارف التي تلقاها الاجداد، ولم تذهب هباء...

ولقد
كانت البدايه – كالمعتاد – مع فئران التجارب....ففي تجربة ما ، لا تهمنا
تفاصيلها الان، كان احد العلماء يطلق زوجا من الفئران عبر متاهه معقده،
ليدرس قدرتها على التذكر والتعلم، وكجائزه ، كان يضع في نهاية المتاهة قطعه
من الجبن الشهي، للفئران طبعا...


وبعد دستة من المحاولات ،
حفظت الفئران المتاهة عن ظهر قلب، واصبحت تعبرها ، وصولا الى قطعة الجبن،
دون ان تخطئ منحنى واحدا، او تتردد حتى عند منحنى آخر...

ولان ذلك العالم يحتاج الى اعداد اكبر من الفئران، فقد ترك ذلك الزوج يتناسل، لينتج المزيد من الفئران الصغيره..

وذات
يوم خطر في بال العالم ان يختبر قدرة الفئران الوليدة على التعلم والتذكر،
فأطلق بعضها داخل المتاهة نفسها ، ووضع قطعة الجبن في نهايتها..

وكانت المفاجأة...

الفئران
الوليدة، التي لم تختبر المتاهة بنفسها قط، قطعت طريقها عبرها ، دون خطأ
واحد، حتى بلغت قطعة الجبن، وكانها تعرف مسارها مسبقا..او كانها ورثت ذاكرة
أبويها ، على نحو او آخر..

وانبهر العالم، وسجل ملاحظاته، وكرر التجربة مره .. وثانية وثالثة , وحصل على النتائج نفسها ..

بل،
لقد استخدم فئران وليدة اخرى، للزوج نفسه، فعرفت طريقها الى قطعة الجبن
بكل بساطه ، وعندما أجرى التجربة على فئران اخرى ، تم توليدها من زوج آخر،
بدت حائره داخل المتاهة ، ولم تنجح في بلوغ قطعة الجبن ، الا بعد ست
محاولات على الاقل..

وكان هذا فتحا في دراسات وابحاث الذاكره، مما
دفع ذلك العالم الى تغيير مسار ابحاثه، وتوليد أجيال جديده من زوج الفئران
نفسه، واختباره عبر المتاهة نفسها ..


وفي كل مرة ، كانت النتائج مبهرة...


فعلى نحو ما ، تنتقل ذاكرة الأبوين الى الصغار فور ولادتهم، بحيث يتذكرون كل ما تعلمه الاولون..

على الاقل لفتره ما من الزمن..


ففي
واحده من تجاربه، اختار العالم فأرين وليدين، من جيل حوى ستة فئران،
واطلقهما في المتاهة، فبلغا قطعة الجبن دون تردد، واحتفظ بالفئران الاربعه
الاخرى لشهر كامل، دون ان يختبرها ، ثم اطلقها عبر المتاهه، في بداية الشهر
الثاني، فبلغ واحد منها فقط قطعة الجبن من المحاولة الاولى، واحتاجت
الثلاث الاخرى الى ثلاث محاولات حتى تبلغها..

وفي الجيل الثالث، لم يطلق نصف الفئران، الا بعد مرور شهرين كاملين، فلم يبلغ احدها قطعة الجبن، الا بعد اربع محاولات..!!


جعل
هذا العالم يدرك، ويسجل في ملاحظاته ان الفئران تولد حاملة ذاكرة الابوين،
ثم لا تلبث تلك الذاكرة الموروثة ان تنزاح جانبا ، وتختبئ في كرن مظلم من
المخ، لتفسح الطريق امام الذاكرة المكتسبة، مع مرور الوقت، وتزايد
الخبرات...

الوسيلة الوحدية إذن، للحفظا على الذاكرة الموروثة ، هي تنميتها منذ الايام او الاسابيع الاولى للولاده..

كرر العالم التجربة عشرات المرات، وتيقن من نتائجها ، ثم وضع في نهاية كراس تجاربه تساؤلا هاما..


ترى .. هل يسري هذا الامر على البشر ايضا؟؟

وكان الجواب يحتاج الى تجارب اخرى..


ومختلفة.
الهندوس
والبوذيون ، وبعض أصحاب المعتقدات الشرقية الأخرى، يؤمنون تماما بما
اطلقوا عليه اسم ( تناسخ الارواح) .. وتناسخ الارواح ذا هو ، من وجهة
نظرهم، ان أرواح الموتى لا ترحل تماما، وانما تعود الى الحياه في اجساد
اخرى، تبدا معها رحلة جديده، تحاول من خلالها التكفير عن كل الاخطاء
القديمه والدائمه...

واصحاب تلك المعتقدات لا يؤمنون بها لمجرد
توارثها وترديدها فحسب، ولكن لأنهم واجهوا بعض الظواهر العجيبه، مع ثقافة
علمية محدوده، وايمان تلقائي بالمشعوذات، لدى كل جاهل، ليصنع ذلك المزيج في
النهاية مصطلحا...

وقصة...

وفي العقديه الهندوسية لا تحل
روح المتوفي بالضرورة في جسد بشري، ولكن هذا يتوقف على رصيد اعماله، في
حياته السابقة، فقد تحل روحه في جسد فراشة ، او حمامة ، او قط، او حتى
صرصور غيط..

واذا ما تساوت سيئاتة ومحاسنه، عاد على هيئة انسان أخر، ذكر كان او انثى، بغض النظر عن جنسه، في الحياه الاولى او الثانية..

كلهم
وضعوا هذا المعتقد ، وامنوا به ، لانهم واجهوا حالات، تبدي فيها بعض
الحيوانات ذكاء مدهشا، يفوق بني جنسها بكثير، او تتعلق باشخاص بعينهم، او
تبغضهم..
وهذا يحدث مع الطيور..
والحشرات..

والزواحف..
وحتى البشر..
راجع نفسك ، فستجد احيانا انك تضيق بشخص ما , او مكان ما ، دون ان يمكنك تحديد سبب واضح محدود لهذا الضيق..
او العكس تماما..
وبغض
النظر عما يؤمن به اصحاب المعتقدات الشرقية ، وعما يؤكدونه ويطرحونه، من
اسباب ومبررات وتفاسير، فالعلم يخالفهم في كل ما يتصوروه.. ويطرح صورة
مختلفة تماما.. عن الظواهر نفسها..
صورة لا تقل غرابة!!!

فالعلم يقول: ان الذاكرة التي نحملها في رءوسنا وامخاخنا، والتي نحيا ونتعايش بها ومعها ، ليست خاصة بنا وحدنا ..

انها ذاكرة جماعيه..
ذاكرة نتوارثها جيل بعد جيل، وعصر بعد عصر، وخلية بعد خلية...
لذا ، فذاكرتنا هي ملخص مجموع ذاكرة كل الاجداد والاعمام، والاقارب، الذي تسلسلوا من نسل واحد..
كل جيل ينقل ذكرياتة الى الجيل التالي..
فالتالي..
فالتالي..

وفي كل مره .. تضاف الذاكرة المكتسبة الى الذاكرة الموروثة، فيتم توريث ذاكرة اكبر..
وبعد خسمة او ستة اجيال، سنجد لدينا ذاكرة هائله...

عملاقة..
جبارة..
ذاكرة تحوي اضعاف ما كانت تحويه ذاكرة الاجداد..
وبهذا ، فكل جيل يولد، يتوافق مع الزمن، الذي ولد فيه، فيأتي اكثر ذكاء وبراعه ، وحنكه..
وتكون معلوماته اكثر..

واكثر..
واكثر..

ولقد اثبت العلم نظرية توارث الذاكرة، ووضع اسسها وقواعدها منذ بضعة اعوام..
ولم يكتف بهذا..
فمزية العلم ومشكلته في الوقت ذاته، هي انه لا يشبع ولا يكتفي ابدا..
انه دوما يطمح الى المزيد..
والمزيد
والمزيد..

لذا فقد غرقت عدة فرق من العلماء في دراسة الذاكرة..
واسرارها
وخفاياها..
وغوامضها .
وقوتها..
ثم فجاه، وبمصادفة بحتة، توصل فريق منها الى حقيقة مدهشة.. تتعلق بالذاكرة البشريه..
توصل الى ما يعرف باسم الذاكرة البشرية التراكمية..
المشتركه..
نعم..

ذاكرة تراكمية مشتركه..

ولكي تفهم هذا المصطلح ، لابد وان تعود الى كيفية عمل شبكات المعلومات والانترنت..
ولهذا حديث آخر..

قريب.


الانتر نت شبكة معلومات هائله، تمتد من اقصى الارض الى اقصاها ، في كل الاتجاهات..
كل شخص، وكل جهة وكل شركه وكل مؤسسة ، تضيف ما لديها من معلومات الى تلك الشبكه ، فتتاح المعلومات الى كل مستخدمي الشبكه..

مجموعة إذن من المعلومات الفردية، والعقول المنفرده ، صنعت ، عن طريق ربط بعضها ببعض، شبكة معلومات لا حدود لها..

وعصرنا هذا عصر الشبكات..

التليفونات
اصبحت شبكة هائله ، تربطها الاقمار الصناعية ببعضها البعض حتى يمكن لشخص
في اقصى القطب الشمالي، ان يتحدث مع صديقه في القطب الجنوبي، عبر تلك
الشبكه..
الاعلام صار شبكة متصله ، عبر مجموعة من الاقمار الصناعية
ايضا، تربط ما يشاهده المواطن في روسيا بما ينعم به الشخص العادي في
امريكا..
ولكن ما اثبته العلم مؤخرا ، هو ان عقولنا ايضا ، شئنا ام ابينا ، تصنع فيما بينها شبكه..
شبكة عقلية ، مخية ، معلوماتية بلا حدود..

فكل
منا ، لديه قدره كافيه ، على قراءة عقول الاخرين، واكتسبا الخبرات منهم،
والاستعانه بتجاربهم، وتبادل التحذيرات والمعلومات معهم..

ولا تجعل
هذا يدهشك، ولا تسارع باستنكاره ايضا، بحجة انه امر غير موجود، فهناك
العديد منالسمات ، التي قضت عليها الحضاره، واخمدها التطور، في العقول
والامخاخ البشريه..

الانسان القديم مثلا، كانت لديه القدره على
تحريك صماخ الاذن، لتوجيهه نحو مصادر الاصوات، وكانت هذه قدره معتاده، حتى
لم يتعد يحتاج اليها الانسان، الذي لم يعد يخرج للصيد، الا كمتعه وهواية ،
فضمرت تلك السمة، ولم تعد متاحه، الا لعدد قليل من البشر...

وكل
الناس قديما، كانت لديها غريزة التنبؤ بالخطر، او ما يسمى في الموسوعات
(برى كوجنيشن) الا انها ضمرت ايضا ، مع تطور وسائل الحماية، وكمنت في
عقولنا..

وهذا ينطبق ايضا على شبكة المعلومات المخية..

فقديما،
كان افراد القبيلة الواحده يشعرون ببعضهم البعض، ويمكن لكل منهم ان يقرأ
افكار ومعلومات ومخاطر الاخرين، بحيث يتحرك الكل بقياده واحده، دون الحاجه
الى التخاطب او الحديث..

المخ البشري اذن ، يحوي وسية اتصال بأمخاخ الاخرين، ولكن السمة ضمرت مع الحضاره..

والامخاخ البشرية كلها ، تصنع فيما بينها شبكة متصله، اشبه بشبكة الانترنت والمعلومات..
لأمخاخ لديها القدرة ..

ولكنها ضامرة..


وبالنسبة
للعلماء، هذا يعنى أننا نولد بتلك السمه.. ولكننا نفقدها مع الزمن، وفقا
للمبدا الاساسي، الذي اعتمدت عليه نظريه _( داروين )

العضو المستعمل ينمو.. والمهمل يضمر..

وكتطوير للقاعده، نقول: ان القدره المستخدمه تنمو، والقدرة المهملة تضمر..

اذن ، فبعد عام او عامين من الولاده، ومع عدم تنمية قدرة الاتصال العقلي الشبكي، يفقدها الانسان تماما.

الوسيلة الوحيدة للابقاء عليها اذن، هي تنميتها طوال الوقت..

ومنذ الولاده..

ولقد
لاحظ العلماء ، ان التوائم المتماثلة. والصغار الذين يولدون في مكان واحد،
يمكنهم الاتصال والتتفاهم، دون ان يمتلكوا القدرة على الكلام، ودون ان
تتطور لديهم لغة حوار واضحه..

لذا ، فقد بدا العلماء تجاربهم من هذا المنطلق..

الصغار..

سبحان الله الدي خلق الانسان في احسن تقويم
جميل ما خطت اناملك
دمتي متالقة ومبدعة
تقبلي مروري

راائع طرحك بارك الله فيك اختي

دائماً مواضيعك راائعة

معلمات رائعه كالعاده منك
شكرا على الموضوع الرائع

fouad كتب:

سبحان الله الدي خلق الانسان في احسن تقويم
جميل ما خطت اناملك
دمتي متالقة ومبدعة
تقبلي مروري

ســبحان الله

مرورك هو الاجمل

Saher night كتب:

راائع طرحك بارك الله فيك اختي

دائماً مواضيعك راائعة

مرورك هو الرأئع


سلمت أخي على المرور

saso0o كتب:

معلمات رائعه كالعاده منك
شكرا على الموضوع الرائع

أنتي الرائعة ااختي
منورة حبيبتي