عُني الإسلام بزينة المرأة عناية عظيمة، جاء ذلك مفصلاً في كتاب الله وسنة
رسوله - e- تفصيلا دقيقاً، فَوُضِعَتْ لها القواعدُ والضوابط، التي تجعلُ
الزينةَ تلبي فطرةَ المرأة، وتناسبُ أنوثتها من جهة، وتحفظها في مسارها
الصحيح بلا إفراطٍ ولا تفريط، من جهة أخرى اهتم الإسلام بزينةِ المرأة
ولباسها، وزِيِّها أكثرَ من اهتمامه بزينةِ الرجل ولباسه، وما ذلك – والله
أعلم – إلاَّ لأنَّ الزينةَ أمرٌ أساسي بالنسبة للمرأة، حيثُ إنَّ الله
تعالى فطرها على حبِّ الظهورِ بالزينة والجمال، ولهذا أُبيح للمرأة في
موضوع الزينة أكثر مما أُبيح للرجل، فأُبيح لها الحرير، والتحلي بالذهب دون
الرجل، كما قال النبي - e-: (( حُرَّمَ لباس الحرير والذهب على ذكور أمتي
وأُحِلَّ لإناثهم)) [1].
فالزينة – بالنسبة للمرأة – تعتبر من
الحاجيات، إذ بفواتها تقعُ المرأة في الحرج والمشقة، لأنَّ الزينةَ تلبيةٌ
لنداء الأنوثة، وعاملٌ أساسي في إدخال السرور على زوجها، ومضاعفة رغبته
فيها ومحبته لها.
وأمرٌ آخر، وهو أنَّ المرأةَ يجبُ أن تُصان وتحفظ
بما لا يجبُ مثله في الرجل، وهذه الزينةُ متى فقدت المسار الصحيح والاتجاه
المرسوم، صارت من أعظمِ أسباب الفتنة والفساد.
فلا غرو أن يهتم
الإسلام بزينةِ المرأة، ويضعَ لها القيود والشروط في اللباس والحلي والطيب
ونحوها، ويزودها بالوصايا النافعة، والآداب السامية، التي تُرشدها إلى
الطريق المستقيم، والاتجاه السليم، الذي يكفلُ سعادتها، ويحفظُ لها كرامتها
وعفتها.
وهذا الباب من أبوابِ حفظِ الإسلام للمرأة.
إنَّ
الإسلام رفع شأن المرأة، وأعلى قدرها، وحفظ لها كرامتها، وجعل لها من
الاحترام والتقديرِ، والثواب على العمل الصالح مثل ما للرجل، قال تعالى: ((
مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ
فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ
بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)) (النحل:97) .
وروى أبو داود
في سننه، أن أم هانئ بنت أبي طالب أجارت رجلاً من المشركين يوم الفتح: فأتت
النبي - e- فذكرت ذلك له، فقال: (( قد أجرنا من أجرت وأمّنا من أمنت))
[2].
أحاطها الإسلام بالستر والحفظ والعفاف ستراً في الملابس،
وتحريماً للخلوة بالأجنبي، وغضاً للطرف، وقراراً في المنزلِ حتى في الصلاة،
وبعداً عن الإزراءِ بالقول والإشارة، وكلُّ مظاهر الزينة، وبخاصةٍ عند
الخروج لحاجتها، كل ذلك لتبقى المرأة في المجتمع المسلم درةً مصونة، لا
تطمعُ فيها أعين الناظرين، ولا تمتد إليها أيدي العابثين.
هذه هي الحقيقة فما الواقع؟
الواقع
مؤسفٌ حقاً !! لم تعد كثير من نسائنا اليوم متقيداتٍ بتعاليم الإسلام في
موضوع الزينة!! المرأةُ اليوم تجيدُ التقليد والمحاكاة! سريعةَ التأثر بتلك
الدعايات الخبيثة، والشعارات البراقة، التي توهم أنَّها في صالح المرأة،
وأنَّها تدافعُ عن المرأة! وأنَّها تسعى إلى تحرير المرأة!!
إنَّها
مسخٌ للمرأة، وقضاء على عفتها، وهتكٌ لحرمتها! وهي تحريرٌ لها من عقيدتها
وخلقها، وتحريضٌ لها على الخروج من بيتها، والتخلص من الحجاب، وترك العفة
والتصون، والاختلاط بالرجل، والتشجيع على العري والملابس المثيرة،
والملاحقة العمياء للمبتكرات المستحدثة (الموضة)، وما إلى ذلك ممَّا صاغوه
في قالب التطور والتقدم، ومسايرة ركب الحضارة!!
ولم تجد هذه
الدعايات الخبيثة ومخططات التضليل، ميداناً أكثرَ تأثيراً على المرأة من
ميدان الزينة؛ لأنَّها تدركُ مدى أهمية الزينة في نظر المرأة، فقامت
مؤسساتٌ كبرى لتصميم الأزياء، التي هي بعيدةٌ عن الحشمةِ والسترِ والعفاف،
بل هي إلى الفتنة والإثارة والإسراف أقرب، ثم التفنن في أدوات التجميلِ
تلاعباً بعقل المرأة، وابتزازاً لمالها، وإفساداً لجسمها، وسخرت لذلك كله:
الأفلام، والصور، والروايات، والقصص، والمجلات، والصحف: دعايةً وتضليلاً،
لإفسادِ الفطرة، وإشاعةِ الانحلال، وصارت المرأة أُلعوبةً في أيدي مصممي
الأزياء، ووسائل التجميل.
ومن مكرِ القوم هذا التغير المذهل في صنوفِ الأقمشة، وأدوات الزينة، ليكون من وراءِ ذلك الإسراف في الاستهلاك لهذه الكماليات.
فانطلقت
كثيرٌ من النساءِ متأثرات بهذا الواقع المرير، لاهثاتٍ وراءَ المرأة
الغربية، معجبات بما هي عليه من حالةٍ لا تحسد عليها، مبتعداتٍ عن تعاليم
دينهنَّ فيما يتعلقُ بموضوع الزينة والستر والعفاف، عن علمٍ وعنادٍ
ومسايرةٍ لنساء الجاهليةِ المعاصرة، اللاتي تلقين عن تلك الدعايات أنَّ هذا
تقدمٌ ورقي وتجديد!!.
هذا واقعَ كثيرٍ من النساءِ اليوم، لباسهنَّ
وزينتهنَّ لا يمت إلى الإسلامِ بصلة، لا من قريبٍ ولا من بعيد، اللباس قصير
، شفاف، يصفُ مفاتن جسمها، نشرت شعرها، عبثت بحواجبها، بعينها، سفرت عن
وجهها، تتطيبُ إذا خرجت، تحسرُ عن ذراعيها، عن ساقيها، ترفعُ عباءتها فوق
عجيزتها، تسرفُ في اللباس، في الحلي، في الزينة ، تخضعُ بالقولِ ليطمع الذي
في قلبه مرض، تنظرُ للرجالِ نظراتٍ فاتنة ، إلخ.
هل هذا من
الإسلام؟ كلا، الإسلامُ أباح لها الزينة بشروط، تلبيةً لنداءِ فطرتها،
وحَفِظَ لها كرامتها، وأرادَ أن تكون وسيلةَ إصلاح، زوجة مطيعة، وأُماً
مربيةً لأجيالِ الغد المشرق بإذن الله، ويكفيها عزاً أنَّ رسول الهدى، e
قال: (( استوصوا بالنساء خيراً )) [3].
فهيا- أختي المسلمة - إلى
أحكام الإسلام، وآداب الشريعة الربانية، فهي الحصنُ المنيع، الواقي لك من
الفتنِ والمصائب، والكفيلةِ لك بسعادة الدنيا والآخرة