قواعد حفظ القرآن الكريم
إخلاص النيه
يجب
إخلاص النية وإصلاح القصد، وجعل حفظ القرآن والعناية به من أجل الله
سبحانه وتعالى والفوز بجنته، وحصول مرضاته، ونيل تلك الجوائز العظيمة لمن
قرأ القرآن وحفظه قال تعالى: {فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين
الخالص} وقال تعالى: {قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين} وقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من
عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه) متفق عليه ــ فلا أجر ولا ثواب
لمن قرأ القرآن وحفظه رياء وسمعة، ولا شك أن من قرأ القرآن مريدا الدنيا
طالبا به الأجر الدنيوي فهو آثم
تصحيح النطق والقراءة
أول
خطوة في طريق الحفظ بعد الإخلاص هو وجوب تصحيح النطق بالقرآن ولا يكون ذلك
إلا بالسماع من قارئ مجيد أو حافظ متقن، والقرآن لا يؤخذ إلا بالتلقي فقد
أخذه الرسول وهو أفصح العرب لسانا من جبريل شفاها، وكان الرسول نفسه يعرض
القرآن على جبريل كل سنة مرة واحدة في رمضان وعرضه في العام الذي توفي فيه
عرضتين. رواه البخاري.
وكذلك علمه الرسول ــ صلى الله عليه وسلم لأصحابه شفاها، وسمعه منهم من أخذوه جيلا بعد جيل.
هذا
هو الواجب الآن أخذ القرآن مشافهة من قارئ مجيد، وتصحيح القراءة أولا بأول
وعدم الاعتماد على النفس في قراءة القرآن حتى ولو كان الشخص ملما بالعربية
يجب
على من يريد حفظ القرآن أن يحدد ما يستطيع حفظه في اليوم، عددا من الآيات
مثلا أو صفحة أو صفحتين من المصحف، أو ثمنا للجزء وهكذا، فيـبدأ بعد تحديد
مقدار حفظه وتصحيح قراءته بالتكرار والترداد. ويجب أن يكون هذا التكرار مع
التغني وذلك ليتبع السنة أولا، ولتثبت الحفظ ثانيا، وذلك أن التغني بإيقاع
محبب إلى السمع يساعد على الحفظ، ويعود اللسان على نغمة معينة فتتعرف بذلك
على الخطأ رأسا عندما يختل وزن القراءة والنغمة المعتادة للآية، فيشعر
القارئ أن لسانه لا يطاوعه عند الخطأ، وأن النغمة اختلت فيعاود التذكير،
هذا إلى جانب أن التغني بالقرآن أمر مطلوب لا يجوز مخالفته لقوله صلى الله
عليه وسلم (من لم يتغن بالقرآن فليس منا). (رواه البخاري)
كيفية تجاوز المقرر
لا
يجوز للحافظ أن ينتقل إلى مقرر جديد في الحفظ إلا إذا أتم تماما حفظ
المقرر القديم وذلك ليثبت ما حفظه تماما في الذهن، ولا شك أن مما يعين على
حفظ المقرر أن يجعله الحافظ شغله طيلة ساعات النهار والليل، وذلك بقراءته
في الصلاة السرية، وإن كان إماما ففي الجهرية، وكذلك في النوافل، وكذلك في
أوقات انتظار الصلوات وفي ختام الصلاة وبهذه الطريقة يسهل الحفظ جدا
ويستطيع كل أحد أن يمارسه ولو كان مشغولا بأشغال كثيرة لأنه لن يجلس وقتا
مخصوصا لحفظ الآيات وإنما يكفي فقط تصحيح القراءة على قارئ، ثم مزاولة
الحفظ في أوقات الصلوات وفي القراءة في النوافل والفرائض وبذلك لا يأتي
الليل إلا وتكون الآيات المقرر حفها قد ثبتت تماما في الذهن وإن جاء ما
يشغل في هذا اليوم فعلى الحافظ ألا يأخذ مقررا جديدا بل عليه أن يستمر يومه
الثاني مع مقرره القديم حتى يتم حفظه تماما
حافظ على رسم واحد
حافظ
على رسم واحد لمصحف حفظـ كما يعين تماما على الحفظ أن يجعل الحافظ لنفسه
مصحفا خاصا لا يغيره مطلقا، وذلك لأن الإنسان يحفظ بالنظر كما يحفظ بالسمع.
وذلك لأن صور الآيات ومواضعها في المصحف تنطبع في الذهن مع كثرة القراءة
والنظر في المصحف، فإن غير الحافظ من مصحفه الذي يحفظ فيه أو حفظ من مصاحف
شتى متغيرة مواضع الآيات فإن حفظه يشتت ويصعب عليه الحفظ جدا ولذلك فالواجب
أن يحافظ حافظ القرآن على رسم واحد للآيات لا يغيره.
الفهم طريق الحفظ
من
أعظم ما يعين على الحفظ فهم الآيات المحفوظة ومعرفة وجه ارتباط بعضها
ببعض، ولذلك يجب على الحافظ أن يقرأ تفسيرا للآيات التي يريد حفظها وأن
يعلم وجه ارتباط بعضها ببعض، وأن يكون حاضر الذهن عند القراءة وذلك ليسهل
عليه استذكار الآيات، ومع ذلك فيجب أيضا عدم الاعتماد في الحفظ على الفهم
وحده للآيات بل يجب أن يكون الترديد للآيات هو الأساس، وذلك حتى ينطلق
اللسان بالقراءة وإن شت الذهن أحيانا عن المعنى، وأما من اعتمد على الفهم
وحده فإنه ينسى كثيرا وينقطع في القراءة بمجرد شتات ذهنه وهذا يحدث كثيرا
وخاصة عند القراءة الطويلة.
إتمام حفظ السورة
بعد إتمام
سورة ما من سور القرآن ينبغي للحافظ ألا ينتقل إلى سورة أخرى إلا بعد إتمام
حفظها تماما، وربط أولها بآخرها وأن يجرى لسانه بها بسهولة ويسر ودون
إعنات فكر وكد في تذكر الآيات، ومتابعة القراءة، بل يجب أن يكون الحفظ
كالماء ويقرأ الحافظ السورة دون تلكؤ حتى ولو شت ذهنه عن متابعة المعاني
أحيانا، كما يقرأ القارئ منا فاتحة الكتاب دون عناء واستحضار وذلك من كثرة
تردادها وقراءتها. ولكن الحفظ لكل سور القرآن لن يكون مثل حفظ الفاتحة إلا
نادرا ولكن القصد هو التمثيل ثم إن السورة ينبغي أن تثبت في الذهن مترابطة
متماسكة وأن لا يجاوزها الحافظ إلى غيرها إلا بعد إتقان حفظها
التسميع الدائم
يجب
على الحافظ ألا يعتمد على حفظه بمفرده بل يجب أن يعرض حفظه دائما على آخر
أو متابع في المصحف، وحبذا لو كان هذا مع حافظ متقن، وذلك حتى ينبه الحافظ
بما يمكن أن يكون مريد الحفظ قد نسيه من القراءة أو ردده دون وعي.
فكثيرا
ما يحفظ الفرد منا السورة خطأ ولا ينتبه لذلك حتى مع النظر في المصحف لأن
القراءة كثيرا ما تسبق النظر فينظر مريد الحفظ في المصحف ولا يرى بنفسه
موضع الخطأ من قراءته ولذلك فيكون تسميعه القرآن لغيره وسيلة لاستدراك هذه
الأخطاء وتنبيها دائما لذهنه وحفظه
المتابعة الدائمة
يختلف
القرآن في الحفظ عن أي محفوظ آخر من الشعر أو النثر، وذلك لأن القرآن سريع
الهروب من الذهن بل قال الرسول صلى الله عليه وسلم (والذي نفسي بيده لهو
أشد تفلتا من الإبل في عقلها). متفق عليه.
فلا يكاد حافظ القرآن أن
يتركه قليلا حتى يهرب منه القرآن وينساه سريعا ولذلك فلا بد من المتابعة
الدائمة والسهر الدائم على المحفوظ من القرآن وفي ذلك يقول الرسول صلى الله
عليه وسلم: (إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها
أمسكها، وإن أطلقها ذهبت) وقال أيضا: (تعاهدوا القرآن فو الذي نفسي بيده
لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها). رواهما البخاري ومسلم ومعنى تفصيا
تفلتا.
وهذا يعني أنه يجب على حافظ القرآن أن يكون له ورد دائم أقله جزء
من الثلاثين جزءا من القرآن كل يوم وأكثره: قراءة عشرة أجزاء لقوله صلى
الله عليه وسلم: (من قرأ القرآن في أقل من ثلاث لم يفقهه) متفق عليه.
وبهذه المتابعة الدائمة والرعاية المستمرة يستمر الحفظ ويبقى وبدونه يتفلت القرآن.
العناية بالمتشابهات
القرآن
متشابه في معانيه وألفاظه وآياته قال تعالى: {الله نزل أحسن الحديث كتابا
متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى
ذكر الله}. (سورة الزمر آية 23)
وإذا كان القرآن فيه نحوا من ستة آلاف
آية ونيف. فإن هناك نحوا من ألفي آية فيها تشابه بوجه ما قد يصل أحيانا حد
التطابق أو الاختلاف في حرف واحد أو كلمة واحدة أو اثنتين أو أكثر.
لذلك
يجب على قارئ القرآن المجيد أن يعنى عناية خاصة بالمتشابهات من الآيات
ونعني بالمتشابه هنا التشابه اللفظي. وعلى مدى العناية بهذا المتشابه تكون
إجادة الحفظ ويمكن الاستعانة على ذلك بكثرة الاطلاع في الكتب التي اهتمت
بهذا النوع من الآيات المتشابهة ومن أشهرها:
1- درة التنزيل وغرة التأويل. في بيان الآيات المتشابهات في كتاب الله العزيز ــ للخطيب الإسكافي.
2- أسرار التكرار في القرآن ــ لمحمود بن حمزة بن نصر لكرماني. وغيرها
اغتنم سنين الحفظ الذهبية
الموفق
حتما من اغتنم سنوات الحفظ الذهبية وهى من سن الخامسة إلى الثالثة
والعشرين تقريبا. فالإنسان في هذه السن تكون حافظته جيدة جدا بل هي سنوات
الحفظ الذهبية فدون الخامسة يكون الإنسان دون ذلك وبعد الثالثة والعشرين
تقريبا يبدأ الخط البياني للحفظ بالهبوط ويبدأ خط الفهم والاستيعاب في
الصعود. وعلى الإنسان أن يستغل سنوات الحفظ الذهبية في حفظ كتاب الله أو ما
استطاع من ذلك.
والحفظ في هذه السن يكون سريعا جدا والنسيان يكون بطيئا
جدا بعكس ما وراء ذلك حيث يحفظ الإنسان ببطء وصعوبة وينسى بسرعة كبيرة
ولذلك صدق من قال: (الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر. والحفظ في الكبر
كالنقش على الماء) فعلينا أن نغتنم سنوات الحفظ الذهبية وإن لم يكن في
أنفسنا ففي أبنائنا وبناتنا. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه أجمعين
.