كثيراً ما شغلني تدبر وفهم لفظة ( طيراً أبابيل ) وطريقة
رميها لـ ( حجارة من سجيل ) وما يتعلق بهذا الحدث من أخبار قد وصلتنا عن
طريق المرويات الشريفة التي تصفه بوصف يجعلني لا أتردد في أن أطلق عليه
للوهلة الأولى كائن غريب عن طبيعة الطيور المألوفة لدينا والمتواجدة على
هذا الكوكب ! .
أنّ كثرت قراءتي وتأملي بهذا الموضوع جعلتني أتيقن بل وأجزم أنّ هنالك
أمراً قد خفي على أرباب التفاسير والمؤرخين على حدّ سواء ! في دراسة هذه
الظاهرة الغريبة كدراسة موضوعية تمنحنا رؤيا واضحة لمنعطفات وأحداث قد غيرت
مسار التاريخ منذ القدم ، فالمركب اللفظي ـ طير أبابيل ـ يوحي بشيء غير
مكتشف إلى يومنا هذا ! كما هو الحال للمركب اللفظي الآخر ( حجارة من سجيل )
فالآخر لم يسلم من طائلة التخريب
وقبل أن أخوض في تدبر المعنى اللفظي ( لطير
أبابيل ) سأبحث أولاً في وظيفته التي أرسل بها وهي الرمي بـ ( حجارة من
سجيل ) ولنكتشف سويتاً أخي القارئ ماهية هذه الحجارة ( من سجيل ) وهل
يستقيم مفهوم وحقيقة هذا الطير أو هذه الكائنات الغريبة عن واقعنا مع ما
موجود في كتب التفاسير أو مع ما هو متبادر ومتصور في أذهاننا ! هذه
الكائنات الموصوفة من قبل النبي الأكرم ( ص ) بــ ( إنها طير بين السماء
والأرض تعشش وتفرخ ) !
وسوف يلاحظ القارئ الكريم إن هذه الأحاديث هي أحاديث مرمّزة تتناول مفهوم علمي دقيق ورائع كان غير مفهوم في تلك الحقبة ..والذي فهمته هو
أن هنالك مستعمرات وحضارات فضائية في السماء لا تعتمد معيشتها في التواجد
على كواكب معينة بل تـُنشأ مستعمرات تسبح في الفضاء الخارجي يسميها النص
الشريف ( تعشش ) ومن ثم تزيد من سعة نفوذها بزيادة إنتاجها لمركباتها
الفضائية الطائرة ، وكما يسميه النص ( تفرخ ) ، ولا يخفى علينا أيضاً إن
الفلكلور الشعبي لم تخلوا أحاديثه من وصف هذا الطير فتم الإشارة إليه بطير
الـ ( السِـافّ ) كما سنلاحظ هذه التسمية في الروايات التي أرادت شيء آخر
بهذا الوصف ، ولكن الفلكلور الشعبي ادخلها في حيّز آخر .
حجارة من سجيل
لقد ورد لفظ حجارة من سجيل في عذاب قوم لوط لذلك سننطلق من قصة قوم لوط
التي يرويها لنا القرآن الكريم والتي تعود إلى 1800 قبل الميلاد لنتعرف على
طبيعة الدور الوظيفي الذي قام به هذا الطير من رمي الحجارة والتي هي من
سجيل ! وعندما نقول قوم لوط فأننا نعني بذلك مدينتي سدوم وغومورا اللتان
تقعان في وادي الأردن وهذه المنطقة كانت من أكثر المناطق سكاناً في الأرض
فيما مضى من قرون .. حسب الدراسات الجيولوجية والأثرية التي قام بها وورنر
كيلر وقبل أن ندخل في الدراسات الجيولوجية والأثيرة التي قام بها وورنر
كيلر لنلقي نظرة سريعة على طبيعة الدمار أو العذاب الذي طال قوم لوط وفق
النصوص القرآنية ولنتعرف على التغاير اللفظي بين الحجارتين ( طين ـ سجيل )
اللتان عذبّ بهما قوم لوط .
رؤية عامة لما جرى على قوم لوط من عذاب :
أن واقعة الدمار التي يبينها القرآن والتي شملت قوم لوط لا تقتصر على
حجارة من سجيل فقط كما ستلاحظون بل أن الأمر أوسع مما نتصوره فهؤلاء القوم
مروا بألوان من العذاب وسأذكرها هنا لا على سبيل ترتيب حدوثها بل للإشارة
فقط .
أنظروا أخوتي أن هنالك حجارة أخرى أرسلت إليهم وهي ( حجارة من طين ) والتي
هي بطبيعة الحال تختلف عن (حجارة من سجيل ) فهذا التغاير اللفظي يكشف عن
التغاير بين الحجارتين اللتين عُذبّ بهما قوم لوط وعن التغاير في طبيعة
العذاب والتفاوت الزماني بينهما ، وقبل هذا كله تلاحظ أخي القارئ أنهم
عـُذّبوا بشيء آخر وهو الطمس ( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر:37)
وهذا الطمس هو خاص بمجموعة محددة وليس كل القوم وهذه المجموعة كانت تمثل
قوم لوط وهم أهل القرية الذين نعتبرهم وفق المنهج اللفظي من ينظمون
القوانين الاجتماعية والى غير ذلك وستكتشف حقيقتهم في مستقبل البحث إنشاء
الله تعالى ، فلم يشمل الطمس جميع القوم وهذا ما نلاحظه من خلال سياق النص
فهناك من يزال يتحرك من منطقة الى أخرى ويحاور وهذا يتنافى مع طبيعة الطمس
طبعا ومثلا على ذلك : وَجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ [الحجر : 67] وأن مجيء أهل المدينة متأخر زماناً كما نلاحظه من خلال النصوص القرآنية .
فعملية الطمس التي أصيبت بها هذه المجموعة هي لضمان عدم خروجهم أو هروبهم
إلى خارج القرية أو إلى خارج منطقة العذاب الذي سيأتيهم الصبح ، بالإضافة
إلى ذلك هو لحماية لوط وأله ، وكما أخبرتك هو لعدم خروج قوم لوط من منطقة
العذاب إلى أن تحين ساعة الصفر والتي قد تمرحلت على مرحلتين الأولى هي
الصبح
( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ) (هود:81)
( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاء مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ( الحجر :66)
وهذا التوقيت هو توقيت عام يختص بعموم قوم لوط بإضافة مجموعة محددة وهم رؤسائهم طبعا وكل هذا ستلاحظه قريباً بإذن الله تعالى .
أما المرحلة الثانية فهي الشروق (أَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ( الحجر : 73 )
وهذه المرحلة الثانية مرتبطة بالمجموعة الأم وهي أعتا المجاميع ( أهل
المدينة ) لذلك تقرر تأخيرها إلى فترة الشروق التي تلي فترة الصبح ليصيبهم
عذاب من نوع آخر ، وهو ( حجارة من سجيل ) ، لتذوق الخوف والرعب ولتشهد كل
ما يجري على من سبقها حتى يأتي عليها العذاب .
أن هؤلاء الضيوف قاموا بتهيئة الأسباب الطبيعة لعذاب المجاميع كلٌ حسب
استحقاقه ، ولتعلم أخي القارئ أن تأخير العذاب عن أهل المدينة كأن مرتبط
بشيء مهم وهو أنهم عمدوا إلى تحصين أنفسهم في ملاجئ منيعة جداً لذلك وهذا
ما يكشفه لك النص القرآني ( َأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ( الحجر : 73 )
والصيحة بمعنى الدوّي أو (الصوت) الذي يُسقط الأبنية وهذا يعني أنهم كانوا
متطورون جداً من حيث الهندسة المعمارية لذلك كانوا متوقعين مثل هذا العذاب
، بل أن جميع القوى الظلامية تعمل أولاً على حماية نفسها من كل طارئ
كيف تعامل الرسل مع المجاميع التي منعت النبي لوط من أتمام رسالته ؟
وما علاقة الحجارتين ( من طين ـ من سجيل ) بمؤسسة الظلمات ؟
تأمل قول هؤلاء الضيوف وستلاحظ كيف هندسوا عملية العذاب بأسباب منظمة
جداً وبالاتصال مع مركزهم الفوق أرضي ! الذي ستنطلق منه ( حجارة من سجيل )
قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(32)لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33) مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ {34}الذاريات
أن قولهم : لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33 ـ الذاريات )
لهو واضح وصريح على أنهم هم من أرسلوا على القوم حجارة من طين بتنسيق تام
مع القيادات العليا التي أرسلتهم ، وسنثبت بعون الله تعالى على أن هذه
الحجارة تشير إلى الحمم البركانية المتواجد أسفل القرية ومن ثم كيف أصبحت
أعلاها ، فلقد هيئوا الأسباب في تفجير سلسلة من البراكين التي ابتلعت
المنطقة برمتها لتغوص في باطن الأرض ، وهذا هو التصور العلمي لقوله تعالى : ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا ) ثم تأتي المرحلة القاسمة والأخيرة وهي (وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (هود:82)
وهذه المرحلة الأخيرة هي لعذاب القرية وأقصد به التجمع السكاني وهذه
المرحلة تختلف عن المرحلة الأخير لعذاب أهل القرية واللذين هم رؤساء هذا
التجمع السكاني أو الذين يمثلون مؤسسة الظلمات فمؤسسة الظلمات يقابلها ـ
أمطرنا عليهم حجارة من سجيل ـ وهذا من كشوفات المنهج اللفظي تأمل النص
جيداً لتلاحظ أن الأمطار الذي قام به المرسلون متغاير فمرة يقولون أمطرنا
عليها :
(وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ) (هود:82)
وأخرى يقولون أمطرنا عليهم :
وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ [الحجر : 74]
ولكن من الجدير بالذكر أن نستوضح قول هؤلاء الضيوف لنفهم مقاصدهم ! فلقد قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ؟
أن النسيج اللفظي الذي يتحدث عن قصة النبي لوط ( ع ) وما جرى على قومه
يكشف لنا أن هنالك مجاميع متداخلة في النص الشريف حاورت النبي لوط ، وأن
لكل مجموعة عذاب معين ومخصص لها فخذ مثلاً ( مجموعة المجرمين ) التي حاورها
النبي لوط والتي يتضح من طبيعة خطابها أنها مجموعة دينية كانت تعيق مشروع
السماء وتعاديه ! وهذا الأمر غير مخفي صراحةً فلكل نبي عدو يتلاعب
بالمفاهيم الدينية ليربك الناس من حوله وهذه الجهة يسميها النص المجرمين
تأمل قوله تعالى :
وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِّنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان : 31]
فمن هؤلاء القوم المجرمين الذين عادوا النبي لوط ( ع ) ؟
والجواب هو : أن هؤلاء المجرمين هم نفس القوم الذين حاورهم النبي لوط ( ع ) والذين يمثلون المؤسسة الظلامية ، إذ قال لهم :
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ
الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ{ الأعراف
: 80} إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء
.... بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ{ الأعراف : 81}.
أن المركب الفظي ـ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ ـ تم استعماله من قبل مرسلين آخرين وصفوا به مجموعة متنفذة هددتهم وتوعدتهم بالعذاب تأمل هذا النص القرآني لتكتشف حقيقة هؤلاء .
َاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ
إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ{يس : 13} إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ
اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا
إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ{14} قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا
وَمَا أَنزَلَ الرَّحْمن مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ{15}
قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ{16} وَمَا
عَلَيْنَا إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ{17} قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا
بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا
عَذَابٌ أَلِيمٌ{18} قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن
ذُكِّرْتُم......... بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ{يس : 19}
نعود إلى قوم لوط لنثبت إلى أنّ هؤلاء المخَاطبين من قبل النبي لوط هم
رؤساء مؤسسات دينية منحرفة وستلاحظ هيكلية هذه المؤسسة إلى أن تكتشف الذين
يقبعون على القمة الهرمية لهذه المؤسسات الدينية المنحرفة وهم وكما يسميهم
النص الشريف ( أهل المدينة ) كما سيأتيك ، فلا يراد من خطاب النبي لوط ( ع )
عموم القوم وسنعطي أكثر من دليلٍ لا يقبل النقض أو الدحض على أنّ هؤلاء
مجموعة قيادية تترأس المؤسسات الدينية التي تبيح المحارم للمجتمع بأساليب
مقنعة يستحسنها ويستسيغها الكثير ، مثلما يجري في عصرك ولا أحسبك غافل عنه ،
فاليوم تجد أن المؤسسة الدينية ومن خلال كنائسها في الكثير من الدول
الغربية تبارك الزواج ( المثلي ) وهذه المباركة تعني إسباغ الصورة الشرعية
على هذا السلوك المنحرف عن الفطرة الإنسانية ، فلا أعتقد أن الفرد يستطيع
أن ينسلخ عن فطرته بسهولة إلا أن يزيّف له أو أن يخدع ! وهذا ما تلاحظه من
مخاطبة النبي لوط ( ع ) لهذه المؤسسة الظلامية حينما يحاججهم في الذي أتوه
من جرأة مشينة بالتعدي على شرع الله عز وجل :
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ [الأعراف : 80] .
فليس المفهوم من هذا الخطاب هو نكران ورفض لهذا السلوك أو لهذه الممارسة
فقط بقدر نكران هذا التشريع الغريب الذي أقدمت عليه هذه المؤسسة في تحليل
هذا السلوك بصورة تمنح الذكر في أن يأتي الذكر الآخر ، فالنبي لوط ( ع )
كان له هدف محدد وهو فضح هذه المؤسسة وكشف أهدافها الغير معلنة وهي إبقاء
الناس في غفلة عن معرفة إمكانياتهم أو فطرتهم الحقيقية، كي يظلوا في مستوى
معرفي متدنٍ، وإبعادهم منذ ولادتهم عن إدراك ماهيّة الحياة ، ذلك من خلال
إلهائهم بشؤون دنيوية ثانوية والتلاعب بهم بواسطة برنامج ديني ! منظم يشمل
جميع مجالات وجودهم ، وإلى توجيههم نحو تسليم السلطة والقوة دائماً وأبداً
إليهم أقصد إلى تلك المؤسسة المنحرفة. وقد نجحوا بطريقة ما بجعل الناس
يعتقدون أن هذا الوضع هو الطريقة الوحيدة للحياة وليس لديهم أي ملاذ آخر في
التفتيش والبحث عن نظام أو وعي آخر، وقد أصبح من المستبعد جداً لدى الناس
أن يحاولوا تغيير الحالة الراهنة ! لقد تم تصميم النظام عبر أجيال لقوم لوط
من قبل المؤسسة الظلامية الغير مستقيمة وذلك كي يُخَلِّدَ هذا النظام
القائم نفوذهم وثروتهم. وبما أنهم الذين أسسوا هذا النظام، فبالتالي هم فقط
اللذين يعلمون بكل حلقة في سلسلته المتشعّبة ولا يحق للنبي لوط أو غيره في
تغيير مسار هذا البرنامج ، وهذا ما أبقا قوم لوط في نير الاستعباد لمدة
طويلة من السنين إلى أن رضوا بهذه الحياة وأصبحت هذه الممارسات مقبولة ومن
المسلمات لديهم فشملهم من العذاب ما شمل رؤسائهم !..
وما نريده من هذا الكلام هو أثبات وجود مؤسسة دينية منحرفة في قوم لوط هي
التي تلاعبت وغيرت الخلق وأن خطاب النبي لوط ( ع ) في النص كان موجه لهم ،
انظر أخي القارئ إلى النص القرآني كيف سيكشفهم ويفضحهم ويبين من هم
المجرمين .
الدليل الأول :
أن النص بثبت لنا بان الرسل عندما جاءوا إلى النبي إبراهيم ( ع ) أخبروه
بأنهم سيهلكون ـ أهل هذه القرية ـ وأنت تعرف معنى المركب اللفظي ( أهل
القرية ) فدلالته تشير وكما في كتاب النظام القرآني للمرحوم النيلي هو :
إنَّ الأمر الذي يكشفه المنهج يطابق قاعدةً وضعها آنفاً وهي إنكاره وجود
إضمارٍ أو مجازٍ أو حذفٍ في التركيب القرآني في أي موضعٍ كان.
فالقرية هي في القرآن (تجمّعٌ سكانيٌّ) وليست هي (الدور والأبنية) كما
زعموا. أمَّا (أهل القرية) فهم الأفراد الذين يؤسّسون النظام الاجتماعي
للقرية.
تأمل ما قاله المرسلون إلى النبي إبراهيم ( ع ) :
وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ
بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ
أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ{ العنكبوت : 31} قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً
قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا
امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ{ العنكبوت : 32 } وَلَمَّا أَن
جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالُوا
لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا
امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ{ العنكبوت : 33 } إِنَّا
مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ
بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ{ العنكبوت :34}
موارد لفظة ـ رجز ـ رجزاً ـ
وفي الآية 34 من سورة العنكبوت ومن نفس قول المرسلين للنبي إبراهيم ( ع )
تجدهم يخبروه بأنهم ـ منزلون على أهل هذه القرية رجزاً م السماء ـ وأن
موارد لفظة ( رجز ) أغلبها تشير إلى أن المقصود بها هم رؤساء المؤسسات
الظلامية الذين يتلاعبون بالدين تأمل هذه النصوص جيداً .
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ قَوْلاً غَيْرَ
الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ رِجْزاً
مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [البقرة : 59]
وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا
رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ
لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ [الأعراف :
134]
فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ
لَهُمْ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُواْ
يَظْلِمُونَ [الأعراف : 162]
إِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [العنكبوت : 34]
وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ [سبأ : 5]
هَذَا هُدًى وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذَابٌ مَّن رِّجْزٍ أَلِيمٌ [الجاثية : 11]
وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ [المدّثر : 5]
ِنَّا مُنزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزاً مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [العنكبوت : 34]
لعلك تتساءل أخي القارئ وتقول أن كان المقصود من العذاب هو رؤساء قوم لوط فما دخل قومه وبأي سبب شملهم هذا العذاب ؟
وهذا سؤال بمحله فأسمح لي في أن أسالك سؤال متعلق بما يدور بخلدك ... هل
تعلم ماذا تفعل التربية المضادة للطبيعة الروحية أو الفطرة الإنسانية ؟
إنك ومن خلال استقراءك لكل المجاميع البشرية بمختلف مذاهبها الفكرية
والاعتقادية تجدها تتميّز حسب انتماءاتها بعقليات وطرق تفكير ومعتقدات خاصة
بها، وبالتالي، إلى أنواع متفاوتة من الوعي... فالوعي عند كل مجموعة
بشرية، تم قولبته ضمن صيغة معيّنة تعتمد على نظرتها الخاصة تجاه الحياة
وهذا بفعل منظم من قبل المؤسسات الظلامية ، فإن عملية قولبة الوعي تشبه
تماماً وضع قطعة عجين في قالب. قطعة العجين تمثّل الوعي، والقالب يمثّل
العقلية وطريقة التفكير. فشكل القالب الذي نختاره هو الذي يحدد شكل
العجينة. وهذا ينطبق على الوعي.
فالوعي الذي نختاره خلال خوض معترك الحياة هو الذي يحدد طريقة إدراكنا الذي
يعمل بالتالي على تكوين نوعية قراراتنا، وأفعالنا، وخبراتنا، وأنظمتنا
الاجتماعية، وعالمنا، ومستقبلنا. إن نوع الوعي ، أو النموذج الذي نتبعه على
المستوى الشخصي أو الاجتماعي، هو كما نوع البرنامج الذي نزوّد به
الكمبيوتر. فالمجتمع بجميع عناصره (العائلة،مكان العمل، بيوت العبادة،
الحكومات، العادات والتقاليد، التراث،..) يعتمد على وعي أو نموذج واحد في
العيش (التفكير و السلوك و رؤية الأمور)، كما البرنامج الذي زوّد به
الكمبيوتر. وإذا كان هذا البرنامج صحيحاً وينجز وظيفته بشكل جيد، سوف لن
نرى عيوب ولا أعطال في أدائه. لكن إذا كان هذا البرنامج مليء بالفجوات
والأخطاء والعيوب في نظامه، فسوف لن يعمل بشكل سليم وسوف تتشابك معطياته
المعلوماتية وتخرج بقرارات ونتائج خاطئة، وقد يتوقّف الكمبيوتر عن العمل في
يوم من الأيام.
وما أريد أن أوصله إليك أن قوم النبي لوط ( ع ) جميعهم توقفوا تماما عن
التفكير السليم وتقولب وعيهم ضمن قالب منحرف ! كما حصل للكمبيوتر الذي
تشابكت معطياته المعلوماتية وبالتالي خرج بقرارات ونتائج خاطئة ، وهذا ما
تلاحظه من خلال مجادلة النبي إبراهيم ( ع ) للرسل الذين أخبروه بما
سيفعلونه بأهل القرية فلقد أدرك النبي إن العذاب سيشمل جميع القوم
فقال لهم إبراهيم عليه السلام : لماذا جئتم ؟ قالوا : في إهلاك قوم لوط ، فقال : إن كان فيهم
مائة من المؤمنين أتهلكونهم ؟ فقال جبرئيل لا ، قال : فان كان فيها خمسون ؟
قال : لا قال : فان كان فيها ثلاثون ؟ قال : لا قال : فان كان فيها عشرون ؟ قال : لا قال :
فان كان فيها عشرة ؟ قال : لا قال : فان كان فيها خمسة ؟ قال : لا قال :
فان كان فيها واحد قال :لا ، قال : فان فيها لوطا قالوا : نحن أعلم بمن
فيها لننجينه وأهله إلا امرأته كانت
من الغابرين ..
الدليل الثاني :
وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ{ الأعراف :82}
وهنا تلاحظ طبيعة خطابهم السلطوي ! على أنهم مجموعة متنفذة تأمر غيرها
فجوابهم هو ـ قالوا أخرجوهم من قريتكم ـ وهذا القول يدل على أن هنالك حشد
كبير كان حاضراً يأتمر بقول هؤلاء الذين وصفهم النبي لوط ( ع ) ـ بالمسرفون
ـ ولكن علينا أن نتساءل لماذا ـ قالوا أخرجوهم من قريتكم ـ ولم يقولوا ـ
أخرجوهم من قريتنا ـ أليسوا هم من نفس قوم لوط ؟
حسب ما أفهمه أن التجمع السكاني للمنطقة الجغرافية التي يتواجد فيها النبي
لوط كان كبيراً جداً ويتكون من عدت قرى موزعة من حول مدينة كبيرة وهذه
المدينة هي التي تسيطر وتحكم على القرى ، فالذي حدث أن جميع السكان بما
فيهم القرى الأخرى جاءوا إلى بيت النبي لوط يهرعون يتقدمهم الساسة
المنحرفون بحشود عسكري متتالية ومتكررة لترويع وتخويف النبي لوط ومن معه
وهذا هو المفهوم من لفظة ـ يهرعون ـ كما جاء في النص القرآني :
وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ..... وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ [هود : 78]
لذلك تكون الأوامر صادرة من جهة أخرى لها تأثير بل وسلطة على القرية
التي كان يسكنها النبي لوط ( ع ) فمن أين أتت هذه الأوامر ؟ أن ما تقدم من
كلام يظهر للقارئ الكريم طبيعة الحوار بين النبي لوط وقومه وكيف كان يدافع
عن ضيفيه ، وبالتالي نستنتج أن هذه المجموعة عجزت في حوارها مع النبي لوط
واكتفت في أن تحاصر البيت وتنتظر إلى أن تأتي المجموعة الأم التي تسيطر على
كل المجاميع والتي هي أشرها وأظلمها على الإطلاق وهذه المجموعة يسميها
النص بـ ( أهل المدينة ) .
َوجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ{67}
قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ{68} وَاتَّقُوا اللّهَ
وَلاَ تُخْزُونِ{69} قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ{70}
قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ{71} لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ
لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ{72} فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ
مُشْرِقِينَ{73} فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا
عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ{الحجر : 74}.
أن هؤلاء ( أهل المدينة ) كانوا يعلمون بطبيعة رسالة النبي لوط ( ع )
وطبيعة اتصاله بالمخلوقات سماوية ! أو لنقل القوى الكونية ـ السماوية ـ
فلهؤلاء القادة المنحرفين محاورات متكررة مع النبي لوط ( ع ) فهذا اللقاء
ليس باللقاء الأول الذي حدث للنبي لوط مع هؤلاء القادة المنحرفين فقولهم
للنبي لوط (قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ) يدل على
محاورات سابقة تكشف عن اختلافهم والافتراق الفكري كما هو واضح في النصوص
القرآنية :
وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ
لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ
الْعَالَمِينَ{28} أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ
السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ
قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ
الصَّادِقِينَ{29} قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ {
العنكبوت :30 }.
وهذا الكلام متقدم على مجيء الرسل إلى النبي إبراهيم ( ع ) ومن ثم إلى
النبي لوط ( ع ) ، ومنه نفهم أن النبي لوط ( ع ) كان قد أخبرهم من قبل بأن
حدث كوني وعالمي سيحدث عليهم وأتباعهم بفعل مخلوقات عالمية فوق أرضية ،
لذلك جندوا زوجته لتتجسس عليه من داخل بيته وهي التي اتصلت بقيادات القرية
لتعلمهم أولاً ومن ثم اتصلت هذه القيادات بالقيادات الرئيسية ( أهل المدينة
) وكما أخبرتك أن قومه كانوا يهرعون إليه على شكل مجاميع على خلاف أهل
المدينة الذين جاءوا إليه يستبشرون (َوجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ )
فلماذا جاءوا إليه يستبشرون ؟ الإجابة بسيطة جدا لقد تم السيطرة على هؤلاء
الضيوف الفوق أرضيين الذين كثيراً ما تكلم عنهم النبي لوط ( ع ) من قبل مع
قومه ، فكيف لا يأتون مستبشرين وهم يضنون أن قد تم السيطرة على الموقف
واحتواءه وقد حسم لمصلحتهم ! فهؤلاء الذين يسميهم النص الشريف بأهل المدينة
قد تجدهم تمرسوا على النفاق بما لديهم من أساليب منحرفة تأمل كيف يصفهم
النص في غير موطن .
وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ
مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ
سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ
[التوبة : 101]
مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ
حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ
يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ
يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ
وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ
عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ
لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [التوبة : 120]
الدليل الثالث :
قَالَ يَا قَوْمِ هَـؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ [هود : 78]
الدليل الثالث الذي يثبت لنا أن هؤلاء المخَاطبين نخبة محدودة هو العرض
الذي تقدم به النبي لوط ( ع ) إليهم عندما قال لهم ـ هؤلاء بناتي هنّ أطهر
لكم ـ وحسب اطلاعي على أغلب المصادر التاريخية وجدت أن للنبي لوط ( بنتان
أو ثلاثة ) ولا يهّمني هذا الاختلاف أو التعرض حول عدد بنات النبي بل أن
الذي أريد أن أبيّنه هو لو كان عرض النبي لوط إلى عموم قومه لكان يحتاج إلى
عشرات البنات بل إلى المئات بقبال الحشود المتجمهرة حول بيته في ذلك الوقت
! لذلك نجد أن العرض كان لشخوص محددين لا يتجاوز عددهم ( الثلاث ) وأراد
بذلك طهارتهم وإصلاحهم فبإصلاحهم ينصلح القوم ! . لأن الملوك والرؤساء هم
أساس الانحلال الأخلاقي والانحراف الاجتماعي وهذا الكلام لا ينطبق على
رؤساء قوم لوط وحسب بل على العموم كما نفهمه من حديث أبي عبد الله ( عليه
السلام ) قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إياكم وأولاد
الأغنياء والملوك المرد فإن فتنتهم أشد من فتنة العذاري في خدورهن. (
الفصول المهمة في أصول الأئمة ج 3 ص 302 ) .
كما أن هذا الدليل ينطبق على أهل المدينة الذين جاءوا إلى النبي لوط ( ع
) فعرض عليهم أيضاً نفس العرض وهن بناته طبعا وبذلك ينحسر عددهم ولا
يتجاوز ( الثلاث )
(وجَاء أَهْلُ الْمَدِينَةِ
يَسْتَبْشِرُونَ{67} قَالَ إِنَّ هَؤُلاء ضَيْفِي فَلاَ تَفْضَحُونِ{68}
وَاتَّقُوا اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ{69} قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ
الْعَالَمِينَ{70} قَالَ هَؤُلاء بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ{ الحجر :71}.
التغاير اللفظي في وصف الحجارتين :
يجب أن يلتفت القارئ الكريم إلى أن الحجارة التي تم وصفها من طين في آية 33 من الذاريات (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ ) تشير إلى أنّ هذه الحجارة مختصة بفئة معينة من قوم لوط (عليه السلام ) وكما اسماهم النص بــ ( المسرفين ) ( مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ـ 34 ـ الذاريات )
وهي تختلف بطبيعتها عن تلك الحجارة التي أمطرت عليهم من سجيل والتي ستختص
في المستقبل بفئة أخرى قد أسماها النص وعينها بـ ( الظالمين ) وهؤلاء قد تم
تبيانهم في المنهج اللفظي بأنهم ظلموا جهة خارجية ولم ينحصر ظلمهم على
أنفسهم فحسب بل طال شخوصاً في الخارج لدلالة ـ ألـ ـ التعريف .
ومن الملفت للنظر أن هناك تغاير بين المركبين اللفظيين ( عليها حجارة من
سجيل منضود ـ عليهم حجارة من سجيل ) فأرجو الانتباه فالآية : 74 من سورة
الحجر
( فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ [الحجر : 74] .
وهذا الإمطار خاص موجهة بشكل يفوق التصور بمعنى أن الظالمين تلقوا ضربة
موجهة من الفضاء الخارجي لا تخطيء أبداً كما سيأتيك في معنى ( ترميهم
بحجارة من سجيل ) فهذه الحجارة التي أمطرت ( عليهم ) هي ممغنطة بخصائص
الظالمين ! باعتبارها مسومة وقد تعرفت على المعنى العام لهذه اللفظة ، فلقد
قلنا أنه تشفير خاص بالظالمين وهم (أهل المدينة) فهؤلاء أمطروا بضربة خاصة
مغايرة عن ذلك الإمطار العام الذي شمل جميع التجمع السكاني كما في قوله
تعالى :
(فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ(82) هود (
ومن الفوارق الأساسية التي نستخلصها لطبيعة الحجارة التي أمطرت على
القرية وتلك التي أمطرت على الظالمين هو( الحجم وحجم المكان الذي تصطدم به )
وكما ستلاحظ أننا سنفترض بان الحجارة التي أمطرت على القرية هي نيازك
والتي بطبيعة عملها واصطدامها بالأرض تتحول إلى انفجار نووي كبير ، أما
الحجارة التي ـ أمطرت عليهم ـ هي حجارة صغيرة ينسجم انفجارها النووي مع
طبيعة الكتلة التي تصطدم بها وهي ( أجسام الظالمين ) ولقد تم وصف هذه
الحجارة الخاصة التي تصطدم بالأجسام بمرويات أهل البيت ( عليهم السلام )
إلى حدّ الإغناء والكفاية .
ولعل البعض يقول إذا كانت حجارة من سجيل مرتبطة بالظالمين فكيف خرجت عن التخصيص لتشمل جميع التجمع السكاني ؟
نقول أنّ الظلم المعرف بالـ التعريف هو ظلم جهة خارجية وجميع السكان
بالإضافة إلى رؤسائهم ظلموا جهة خارجية وهي النبي لوط ع وضيوفه لذلك شملهم
العذاب بالحجارة من سجيل .
حركة الحجارتين ( من طين ـ من سجيل ):
تلاحظون أخوتي حركة هذه الحجارة التي هي من سجيل تأتي بعدما جعل عاليها
سافلها أي تأتي بعد حركة تسبقها وهي ( حجارة من طين ) وكما ستلاحظون دلالة
وإشارة هذه الحجارة قريبا على أنها سلسلة من البراكين التي انفجرت على
القوم وابتلعتهم بشكل منظّم يفوق تصورنا فالنص يؤكد على أن الحجارتين (
مسوّمتنان ) أي أن كل حجارة تحمل في طبيعة حركتها ( code ) شفرة توجيهية
لتصيب أهدافها بدقة بالغة ! فالحجارة التي هي من طين مشفرة فقط للمسرفين مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ ـ 34 ـ الذاريات ) ، أما الحجارة التي هي من سجيل فتشفيرها خاص جداً مرتبط بالظالمين ( مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) [هود : 83]
( حجارة من طين ) من أين أتت :
وعلى ما تقدم سنبين للقارئ أنّ هنالك أمر قد خفي على علماء الآثار
وغيرهم بخصوص هذه الحجارة ! ( حجارة من سجيل ) فأغلب الدراسات الجيولوجية
والأثرية تشير إلى أنّ قوم لوط تعرضوا إلى هزة أرضية ابتلعت وادي سديم الذي
يتضمن سدوم وغومورا مع الشق العظيم ، الذي يمر تماماً في هذه المنطقة ، في
يوم واحد إلى أعماق سحيقة ، وهذا القول لعالم الآثار الألماني ( وورنر
كيلر ) كما قال أيضا .. أنّ هذا الدمار بفعل هزة أرضية عنيفة صاحبتها عدة
انفجارات ، وأضواء نتج عنها غاز طبيعي وحريق شامل فتحررت القوى البركانية
التي كانت هامدة في الأعماق على طول الصدع من ذلك الغور، ولا تزال فوهات
البراكين الخامدة تبدو ظاهرة في الوادي العلوي من الأردن قرب باشان، بينما
تترسب الحمم البركانية وتتوضع طبقات عميقة من البازلت على مساحة واسعة من
السطح الكلسي، تدل هذه الحمم المتحجرة وطبقات البازلت على تعرض هذه المنطقة
إلى هزة عنيفة وبركان ثائر في زمن من الأزمنة.
والى هنا نلفت عناية القارئ أن هذا الكلام الذي يتكلمون عنه مختص بالحجارة
التي هي من ( طين ) وهو ما وصفوه بالحمم المتحجرة التي اكتشفوها فالحجارة
الطينية أو الرسوبية تعتبر سجل لتاريخ الأرض، والأحداث والتغيرات التي حدثت
عليها، فكانت هذه الحجارة من الطين أسفل القرية قبل الحدث ، ومن ثم أصبحت
أعلاها بعد الحدث !
فأين الحجارة التي على الظالمين والتي هي من
( سجيل ) أين هذه الحجارة في دراساتهم !؟ أليست هي نفسها التي ستضرب
الظالمين والتي هي من علامات طور الاستخلاف ؟ والتي وصفها النص على إنها (وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) في مستقبل البشرية القادم .
حجارة من سجيل ـ من أين أتت ؟
أنّ الحجارة المقترنة بلفظة سجيل جهة إتيانها من فوق أو من السماء
لدلالة لفظة المطر التي أتت في كل الموارد مقترنة مع الحجارة التي هي من
سجيل والتي تكون على خلاف الحجارة التي هي من طين وجهة إتيانها من الأسفل
من الطين أي من باطن الأرض ، وعلى ذلك نستنتج أن قوم لوط تلقوا ضربة أخرى
وبسلاح آخر غير ( الحجارة من طين ) وهذه المرة يخبرنا النص أنهم تلقوا ضربة
موجهة وموجعة من خارج الكرة الأرضية وتحديداً من الفضاء الخارجي من
مخلوقات فضائية أو مخلوقات ( فوق أرضية ) وهذا الكشف تجده صريحا في النص
التالي :
( إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِباً إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ [القمر : 34] .
والسؤال المطروح الآن هو : من الذي يرسل حاصباً ؟
والجواب هو قوله تعالى :
أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ [الملك : 17] . وعلى ذلك تكون هنالك مجموعة حددها النص على أنها ( في السماء ) هي التي ترسل حاصباً .
والسؤال الثاني هو : أن السماء واسعة جداً فضلاً على أنها متعددة فهل نستطيع أن نحدد تواجد هؤلاء وطبيعة حركتهم في أي سماء ؟
أن المصدر الذي تأتي منه الحجارة هو الوحيد الذي يجيبنا على هذا التساؤل
ولقد أوضح النص هذا الأمر وقال ( حجارة من سجيل ) وعلى ذلك يكون مصدر
الحجارة هو من جهة سماوية اسمها سجيل كما اسماها النص ، ولعلها قريبة من
الأرض وبذلك تكون من السماء الدنيا ، ولا اخفي على القارئ إنني تتبعت لفظة
سجيل في كل التفاسير لكلا الطرفين ولم أجد إلا قولين يقربان إلى المعنى
الذي أشرت إليه ، صدر أحدهما عن عكرمة وكان قوله : (انه بحر معلق في الهواء
بين الأرض والسماء منه أنزلت الحجارة) .
أما الأخر فهو ما أخرجه ابن جريرعن ابن زيد في قوله : (حجارة من سجيل) ،
قال: السماء الدنيا. قال: والسماء الدنيا اسمها سجيل، وهي التي أنزل الله
على قوم لوط ... ( الدر المنثور ج 5 ص 334 ) ( تفسير القرطبي ج 24 ص 609 ) .
يتبع الجزء الثانى