في أدب الدنيا والدين للماوردي رحمه الله
(
ولما كان الخط بهذا الحال وجب على من أراد حفظ العلم أن يعبأ بأمرين :
أحدهما : تقويم الحروف على أشكالها الموضوعة لها . والثاني : ضبط ما اشتبه
منها بالنقط والأشكال المميزة لها . ثم ما زاد على هذين من تحسين الخط
وملاحة نظمه فإنما هو زيادة حذق بصنعته وليس بشرط في صحته . وقد قال علي بن
عبيدة : حسن الخط لسان اليد وبهجة الضمير . وقال أبو العباس المبرد :
رداءة الخط زمانة الأدب . وقال عبد الحميد : البيان في اللسان والخط في
البنان . وأنشدني بعض أهل العلم لأحد شعراء البصرة : اعذر أخاك على نذالة
خطه واغفر نذالته لجودة ضبطه فإذا أبان عن المعاني لم يكن تحسينه إلا زيادة
شرطه واعلم بأن الخط ليس يراد من تركيبه إلا تبين سمطه ومحل ما زاد على
الخط المفهوم من تصحيح الحروف وحسن الصورة محل ما زاد على الكلام المفهوم
من فصاحة الألفاظ وصحة الإعراب . ولذلك قالت العرب : حسن الخط أحد
الفصاحتين . وكما أنه لا يعذر من أراد التقدم في الكلام أن يطرح الفصاحة
والإعراب وإن فهم ، وأفهم . كذلك لا يعذر من أراد التقدم في الخط أن يطرح
تصحيح الحروف وتحسين الصورة ، وإن فهم ، وأفهم . وربما تقدم بالخط من كان
الخط من جل فضائله ، وأشرف خصائله ، حتى صار عالما مشهورا ، وسيدا مذكورا غير
أن العلماء أطرحوا صرف الهمة إلى تحسين الخط ؛ لأنه يشغلهم عن العلم
ويقطعهم عن التوفر عليه . ولذلك تجد خطوط العلماء في الأغلب رديئة لا يخط
إلا من أسعده القضاء وقد قال الفضل بن سهل :
من سعادة المرء أن يكون رديء الخط ؛ لأن الزمان الذي يفنيه بالكتابة يشغله
بالحفظ والنظر . وليست رداءة الخط هي السعادة ، وإنما السعادة أن لا يكون
له صارف عن العلم . وعادة ذي الخط الحسن أن يتشاغل بتحسين خطه عن العلم فمن
هذا الوجه صار برداءة خطه سعيدا ، وإن لم تكن رداءة الخط سعادة
انتهى
تنبيه
النص من موقع جامع الفقه