تصور البشرية كلها من لدن آدم إلى آخر رجل تقوم عليه الساعة، تصور البشرية
كلها، وهي تقف في أرض المحشر في أرض بيضاء نقية، كقرص نقي أي: بيضاء كبياض
الدقيق الذي نخل من الغش والنخال، أرض بيضاء لم يعص ربنا عليها ولم يرتكب
ذنب عليها، يحشر الخلق جميعا عليها للسؤال بين يدي الكبير المتعال - جل
وعلا.
تصور معي هذه المشاهد التي تخلع القلوب، لنستعد من الآن للقاء
علام الغيوب، بالتوبة والأوبة، والعمل الصالح، فالذكرى لا تنفع إلا من وحد
الله ولا تنفع إلا من حقق الإيمان بالله قال الله - عز وجل: ''وَذَكِّرْ
فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ'' (الذاريات/55). اللهم اجعلنا
من المؤمنين الصادقين الذي ينتفعون بالذكر، برحمتك يا أرحم الراحمين.
تقف
البشرية كلها، وقد انقادت لهذا الداعي الذي بعث من قبل الله، ليقودها كلها
إلى أرض حددها الله يتبع الكل هذا الداعي، من الملائكة لا يلتفت أحد، ولا
يتخلف أحد، لا غني، ولا فقير، ولا حاكم، ولا محكوم، الكل عار أمام ربي:
''يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت
الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً'' (108)
يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ
وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً (109) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا
خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً (110) وَعَنَتِ الْوُجُوهُ
لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً'' (طه/108-111).
تقف
البشرية كلها في خشوع وصمت، لا يتكلم أحد، إلا بعد أن يأذن له الرحمن، ولا
يشفع أحد إلا بعد إذن الرحمن، فيشفع سيد الخلق وحبيب الحق (صلى الله عليه
وسلم) يشفع في القضاء، وللرسول (صلى الله عليه وسلم) عدة شفاعات المحب لله
الخائف منه.
يشفع في القضاء ويقبل الله شفاعة إمام الأنبياء صلوات
ربي وسلامه عليه ويتنزل الحق تنزيلا يليق بكماله وجلاله، للقضاء بين عباده،
ويوضع كرسي الملك حيث شاء بالكيفية، التي شاء بعد ما تتنزل ملائكة
السماوات السبع، لتحيط الملائكة بالبشرية كلها من كل ناحية ويتنزل الملك.
قال -جل وعلا: ''هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي
ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَإِلَى اللّهِ
تُرْجَعُ الأمُورُ'' (البقرة/210) قال الله- عز وجل: ''وَأَشْرَقَتِ
الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ
وَالشُّهَدَاء وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (69)
وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا
يَفْعَلُونَ'' (الزمر/69.70) قال الله-عز وجل: ''وَجَاء رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً''، وجاء ربك مجيئاً يليق بجلاله ''وَجَاء
رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً: (الفجر/22). أحاطت الملائكة صفا بعد صف
بالخلائق كلها، من لدن آدم إلى آخر رجل قامت عليه القيامة.