من هو المتنبي
هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي ولد في مدينه
الكوفة (في العراق) في محله كنده سنه 303 هجريه [915م] (2). وعدا ديوان شعر
المتنبي فأن ما هو معروف عن سيرة حياته فهو القليل المأخوذ عن روايات منقولة
ومختلف فيها في كثير من الأحوال. والد المتنبي كان سقاءا ليس ذي صيت وشأن ووالدته
توفيت في صباه ونعرف القليل عنهما إذ لم يتناولهما شعره. ويبدو أن المتنبي قد تربى
على يد جدته بعد أن قضى فترة من طفولته في البادية. ولقد ذكر جدته في شعره مسميا
إياها أما ونعرف عنها أنها من صلحاء النساء العربيات في الكوفة (2). ولقد رثاها
المتنبي حين ماتت في غيابه بقصيده مشهورة مطلعها (3):
ألا لا أرى الأحداث مدحا ولا ذما فما بطشها جهلا ولا كفها حلما
لزم الوراقين وقرأ على أكابر العلماء الذين منهم الزجاج وأبا إسحاق والسراج وأبا
بكر ونفطويه وأبن رستويه ولقد أهتم بأبي تمام والبحتري وبشار وأبي نواس كما قرأ
الفلسفة والمنطق والتصوف (4). وقد كان واسع الإطلاع بالعربية شعراً ونثرا (لا يسأل
عن شيء إلا وأستشهد له من كلام العرب)(5).
عاش طفولته في زمن مضطرب في نهاية الخلافة العباسية (6). وقد صلب الحلاج بعد أن
عذب بسبب اعتقاده الصوفي عندما كان المتنبي طفلاً في السادسة من العمر. وشغلت
العباسيين فتن الخوارج والزنج والقرامطة. فقد قتل الخليفة المعتضد في بغداد سنة
320 هج وكان قد خلع قبل قتله مرتين. ويستولي البويهيون على بغداد عام 334هـ
ويستولي الأخشيديون على حكم مصر عام 323هـ كما يؤسس الحمدانيون دولتهم في شمال
الشام بعد صراع مع الإخشيديين.
وإذا كان المتنبي قد عاش فترة انهيار الحضارة العربية الإسلامية فقد جعله ذلك يسعى
لإنقاذ روح هذه الحضارة ومن خلال شعره (4). لقد هاجم القرامطة الكوفة عام 312
هـ/927 م مما جعل عائلته تنتقل إلى بلدة السماوة هرباً حيث عاش سنتين قبل رجوعه
إلى الكوفة عام 315هج ولم يبق طويلاً إذ توجه إلى بغداد في عام 316هـ (928م) ومنها
إلى اللاذقية ومنها الى مختلف مدن الشام. أعتقل وأودع السجن في العام 322هـ [934م]
حين أتهم بإدعاء النبوة بسبب أبيات قالها ثم أطلق سراحه أثر تدخل أحد الأمراء.
تزوج في العام 329هـ[940م] على الأرجح من شامية أنجب منها ولده الوحيد محسد. أستمر
بالانتقال بين الشام ومصر إلى أن أستقر به المقام في حلب عند أميرها سيف الدولة
الحمداني الذي جعله شاعره المفضل سجل مفاخر ومعارك هذا القائد العربي إلى أن أوقع
الحاسدون بينه وبين سيف الدولة فسافر المتنبي وقلبه مليء بالأسى عام 346هـ[957م]
إلى دمشق ثم إلى مصر حيث أتصل بحاكمها كافور الإخشيدي. ولما لم يجد عند كافور
المكانة التي تليق به والتي وعد بها رحل هاربا من مصر إلى نجد ثم إلى الكوفة التي
بلغها في 351هـ [962م].توجه بعد ذلك إلى بغداد ومنها سافر إلى بلاد فارس حيث وصل
أرجان بشيراز في عام 354هـ [965م] حيث مدح عضد الدولة البويهي الذي أجزل العطاء
اليه. توجه في نفس العام إلى بغداد ثم منها إلى الكوفة حيث قتل في الطريق إليها
عند دير العاقول على يد أقارب رجل يدعى ضبة كان المتنبي قد هجاه. قتل مع المتنبي
أبنه المحسد وكل من كان معه من خدم ومرافقين وتناثرت كتبه وأوراقه وبينها ديوان
أبي تمام شاعر المتنبي المفضل. وقد رثاه الطبسي بقوله (5):
ما أرى الناس ثاني المتنبي أي ثانٍ يُرى لبكرِ الزمان
هو في شعره نبيٌ ولكن ظهرت معجزاته في المعاني
أدب ومكانة المتنبي
حظي شعر المتنبي باهتمام وقراءة وشرح لم يحظ به أي
شاعر آخر لا في الجاهلية ولا في صدر الإسلام ولا في أي عصر بعده. ولقد أقترح بعض
نقاد الشعر القدماء بأن أجمل بيتا للشعر قالته العرب هو بيت المتنبي في الغزل:
لك يا منازل في القلوب منازل أقفرت أنت وهن منك أواهل
لكن مكانة المتنبي تبرز من خلال تعبيرة عن خوالج النفس العربية على مدى الأزمان
بما جعله أكثر الشعراء شعبية (4). لقد جرى شعر المتنبي مجرى الأمثال الشعبية لما
فيه من بلاغة وحكمه وفهم ومحاكاة للطبيعة الإنسانية (7). ومن بعض الأبيات التي جرت
مجرى الأمثال:
-ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن
-ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في الشقاوة ينعمُ
لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدمُ
-والهجر أقتل لي مما أراقبه أنا الغريق فما خوفي من البللِ
-,إذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأني كاملُ
-إذا أنت أكرمت الكريم ملكته ,إن أنت أكرمت اللئيم تمردا
-أعز مكان في الدنا سرج سابحٍ وخير جليس في الزمان كتابُ
-من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميتٍ إلامُ
-ومن يك ذا فم مر مريض يجد مراً به الماءا الزلالا
-عيد باية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد
-على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
-الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
-كريشة بمهب الريح ساقطة لا تستقر على حال من القلق