الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم
لوتأملتم إخواني وأخواتي ستجدون أن الإسلام إهتم بالوقت وقد أقسم الله به
في آيات كثيرة فقال الله تعالى ( والعصر إن الإنسان لفي خسر ), وقال تعالى (
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ), كما قال الله تعالى ( والفجر وليال
عشر ) وغيرها من الآيات التي تبين أهمية الوقت وضرورة اغتنامه في طاعة الله
.
وهناك أحاديث كثيرة توضح ذلك: فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
" لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما
أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه
ماذا عمل به ؟ ", وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ ", وعن أنس
رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن قامت الساعة وبيد
أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل "
فالآيات والأحاديث تشير إلى أهمية الوقت في حياة المسلم لذلك فلابد من
الحفاظ عليه وعدم تضيعه في أعمال قد تجلب علينا الشر وتبعدنا عن طريق
الخير, فالوقت يمضي ولا يعود مرة أخرى.
ولقد طبق مفهوم أهمية الوقت في صدر الإسلام, ومن ذلك:
1- ذكر الطبراني في الجامع الكبير: فعن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال
سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي: ما يمنعك أن تغرس أرضك ؟ فقال له أبي: أنا
شيخ كبير أموت غدا فقال له عمر: أعزم عليك لتغرسنها, فقال عمارة: فلقد رأيت
عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي "
2- قال ابن عبد البر في جامع بيان العلم: - عن نعيم بن حماد قال: قيل لابن
مبارك: إلى متى تتطلب العلم ؟ قال: حتى الممات إن شاء الله "
3 – قال سيدنا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت الرجل أن أراه فارغا ليس في شي من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة "
4- روي أن أبا الدرداء رضي الله عنه, وقف ذات يوم أمام الكعبة ثم قال
لأصحابه " أليس إذا أراد أحدكم سفرا يستعد له بزاد ؟ قالوا: نعم, قال: فسفر
الآخرة أبعد مما تسافرون !
فقالوا : دلنا على زاده ؟
فقال: ( حجوا حجة لعظائم الأمور, وصلوا ركعتين في ظلمة الليل لوحشة القبور, وصوموا يوما شديدا حره لطول يوم نشوره ).
5- يقول عبد الرحمن ابن الأمام أبي حاتم الرازي " ربما كان يأكل وأقرأ عليه
ويمشي وأقرأ عليه ويدخل الخلاء وأقرأ عليه ويدخل البيت في طلب شيء وأقرأ
عليه " فكانت ثمرة هذا المجهود وهذا الحرص على استغلال الوقت كتاب الجرح
والتعديل في تسعة مجلدات وكتاب التفسير في مجلدات عدة وكتاب السند في ألف
جزء.
(1)لذا حبيت تشاركوني في هذا الموضوع والذي يبين قيمة الوقت في حياة كل إنسان وكيف يستثمره
إذا كان باستطاعة الإنسان أن يستعيد مالاًضائعاً عن طريق العمل مجدداً،
وإذا كان بإمكانه أن يستعيد بالدرس علوماً قد نساها،فليس بمقدوره أن يستعيد
لحظة ضائعة، ويكفي ذلك واعظاً لقيمة الوقت في حياة الإنسان.
إنك قد تعجب لحجم الإنجازات التي يقوم بها بعض العلماء خلال فترات وجيزة من
أعمارهم، وكأنما دقائق ساعاتهم ليست كدقائق ساعاتنا، وأيامهم ليست
كأيامنا، ولكن ليس ذلك إلاّ لتنظيمهم لأوقاتهم، فهم يستريحون حيث تجب
الراحة، ويقرأون فيما حددوه من وقت القراءة،ويكتبون حيث خططوا للكتابة، وهم
أزواج أوفياء لم يُقصروا، وآباء عطوفين لم يحرمواالأبناء عنايتهم.
بينما تجد الكثيرين يعملون حين تجب الراحة، وإذا قرأنا فلا نُكمل ما بدأنا
به فسرعان مانُصاب بالسأم والملل، نعم تجذبنا إلى النهاية القصص الغرامية،
والروايات البوليسية،والمجلات التافهة التي ليست مطالعتها بأحسن نتيجة من
الفراغ نفسه، وإذا أخذنا وقتاً للراحة والاستجمام استغرقنا الوقت كلّه،
ونسينا بقية الواجبات والأعمال.
ثمار تنظيم الوقت:
إن مسألة تنظيم الوقت ليست مسألة اعتيادية، جربوا ذلك في حياتكم، وانظروا كم ستُثمرون وكم ستنجزون، فتنظيم الوقت موجب لـ:
(1)استثمار الحياة فيما ينبغي: وترك الانشغال بما لا ينبغي، فدقات قلب
المرء قائلة إن الحياة دقائق وثوان، فإذا كانت قصيرة وقليلة، فالعاقل هو من
يعمل على
استغلالها فيما سيفيده، وسيتجنب منها ما سيضرّه.
(2) النجاح: فمن لم يُنظّم وقته، ,لم يُبرمج حياته، أصبح يدور في دوامة مفرغة، يشبه السفينة التي تسير بدون قبطان في بحر هائج.
(3) الإنجاز: فهناك الكثير من القضايا التي
يهملها الإنسان، أو يأتي بها في غير وقتها، فهي بين الإهمال والإتيان بها
في الوقت الضائع حيث يخسر إيجابياتها،
ويُحرم من ثمارها، ومثال على ذلك الصلاة اليومية، فعندما لا يُبرمج الإنسان
حياته من أجل الحفاظ عليها، أهملهاالإنسان أو أتى بها في غير وقتها.
(4) الإتقان: البرمجة تُتيح للإنسان الإتقان
في العمل، فليس هناك ما يضغط على الإنسان ويشغل باله، فهناك وقت مرسوم لكلّ
عمل وهذا له انعكاسه على طبيعة العمل، لاحظوا لو كان يعرف الإنسان أنّ وقت
الصلاة المحدد لديه نصف ساعة، وبينما إذا لم يعلم فسوف ينشغل باله، لاحظوا
لو كنتم في سفر، ولم تعلموا متى سُتقلع رحلتكم، وتنتظرون الحصول على بطاقة
السفر فبعد حصولكم على البطاقة، وعلمكم بأن الطائرة ستطير بعد ساعة، فإن
بالكم سيبقى هادئاً وستؤدون أعمالكم كالصلاة بإتقان وتوجه، لكن لو صلّيتم
قبل أن يتحدد ذلك، فسوف تكون صلاتكم غير متقنة، لأن برنامجكم غير واضح، لم
ينتظم بعد، فالتنظيم يُتيح للإنسان فرصة أكبرلأداء عمل مُتقن.
متطلبات تنظيم الوقت:
(2)إن تنظيم الوقت يتطلب الكثير من المسائل التي هي مهمة في حدّ ذاتها:
أولها: توفيق الله العلي العظيم، وتوفيق الله
يعني تأييده للإنسان، وأن لا يكله إلى نفسه، يعني اللطف والرعاية
الربانية، ولكنّ هذا التوفيق لا يأتي لكلّ إنسان ، بل يتوقف على نوايا
الإنسان ذاته فيكون مؤمناً حقا ومتوكلا عليه حق التوكل مراقبا له في السر
والعلانية، عابداً، عاملاً، مخلصاً،متجنباً معاصي الله . عند ذلك تلف
الإنسان عناية الله ورعايته،فما أجمل أن نتوسل بالحي القيوم ونستشعرلذة حبه
ووجوده معنا في كل لحظة وحين ،عند ذلك يعينه ربه على نفسه.
ثانيها: التخطيط لتحقيق ما يطمح الإنسانُ
إليه: فهناك تطلعات وأهداف وقضايا يتطلع لتحقيقها،فينبغي أن تكون حاضرة في
برنامج حياته، وحضورها المتميز يأتي ضمن التخطيط المتميز،فمن المهم للإنسان
أن يتبنى سياسة تخطيطية معينة لمجمل حياته وتفاصيلها، لكي لاتضيع الأهداف
والأولويات التي ينشدها.
فالتنظيم من غير تخطيط لا يثمر، لأن الرؤية منعدمة، ويتحرك الإنسان بلا هدف
واضح. وكيف كان فعملية التخطيط تتطلب تحديد عناصربرنامج الإنسان يومي
ومتطلباته، أي الأهداف والتطلعات التي يريد ممارستها، ودراسة احتياجات
الزمن على ضوء العوائق والمحتملات. يعني أنه لا بدّ من وضع تصور للأعمال
التي سوف يمارسها الإنسان وهي مهمة بالنسبة إليه وتساهم في تحقيق تطلعاته.
يعني أولاً لا بد أن تكون التطلعات والأهداف واضحة، حتى يتمكن من وضع
تصورات لأعمال تساهم في تحقيق تلك الأهداف.
ومن المهم التدرج في وضع البرنامج، فلو قلنا أن الإنسان قسّم يومه إلى
أقسام مثل البرنامج العبادي طبعا هذا العمل من أولويات أعمال حياته لأن ما
سواها من الأعمال تبقى ثانويه، والبرنامج الثقافي، والبرنامج الترفيهي،
والبرنامج العلمي،والبرنامج الوظيفي، والبرنامج العائلي، والبرنامج التطوعي
(الإسلامي).
لا يمكن مّرة واحدة أن يجعل تلاوة القرآن (وما كان من أولئك الذين يقرأون
القرآن) ثلاثة أجزاء في اليوم،ويقرأ أدعية الصباح والمساء،والأدعية
المشروعة عن النبي الله عليه وسلم بعد كل صلاة،، ويقوم لصلاة الليل في
الساعة المحددة له،هذا من شأنه الفشل، بل يجعل نفسه تكل وتمل ولا تستأنس،
وتواظب، ما هو المانع من أن يبدأ الإنسان بشكل يومي بقراءة ربع جزء، فبدلاً
من أنه لم يكن يقرأ القرآن، أو يطمع لأن يقرأ القرآن في شهر عن طريق قراءة
جزء كلّ يوم، ليبدأ بقراءة ربع جزء وليختم القرآن كلّ أربعة أشهر، فإنجاز
عظيم للذي لا يقرأ القرآن أبدا أن يختمه ثلاث مرات كلّ سنة، بشكل عام ليبدأ
الإنسان بالتدرج في برامجه، ولا يضغط على نفسه حتى لا يولد لديها
النفوروالفتور.
الأمر الثالث التركيزعلى الأعمال المهمة، ذات الأولوية، فلا يمكن أن ينجز
الإنسان جميع الأشياء ولذاعليه أن يحدد المسائل المهمة عنده ويقوم بإنجازها
لأن الانشغال بغيرها من غير تحديدها يجعل الأمور المهمة متراكمة.
الأمر الرابع في التخطيط هو الإبداع في إنجازالعمل، ينبغي اختيار الوسائل
الملائمة، فمثلاً لو كنت تريد أن تلتقي بشخص معيّن فبدلاً من الذهاب إليه
إلى منزله وربما لا تراه فتخسر من وقتك ساعة، فيمكنك الاتصال به،
والاطمئنان على أنه هل سيكون موجوداً أم لا؟
الأمر الخامس وهي البرمجة، بمعنى أن يتقن الإنسان برمجة مهامه وأعماله
بالشكل الذي يجعله مستثمراً لوقته، فيمكنه مثلاً حتى يواظب بشكل دائم على
تلاوة القرآن أن تكون التلاوة بعد صلاة الفجر، أو قبل موعد نومه، أو بعد
آداء الصلوات، وأن يأخذ موعداً في وقت مناسب لا يكون عائق السيرسبباً في أن
يخرج باكراً ليصل إلى الموعد، وهكذا.
ثالثها: المتابعة: فالمنظم لوقته يعرف أن
هناك قضايا محددة وفق التخطيط،وهذه القضايا تحتاج إلى متابعة لتحقيقها،
فإذا كان هو المسؤول المباشر عن آدائها،وقف عندها ليتعرف كم أنجز منها وكم
لم يُنجز، فما هو الذي تحقق منها وما هو الذي لم يتحقق، وكذا يتابع القضايا
المرتبطة به مع غيره، فهمها حاضراً لديه,
فعملية التنظيم للوقت والمهام والإنجازات تتطلب المتابعة الدقيقة لإعطاء كلّ شيء ما يستحق من الموقف المناسب.
رابعها: تربية النفس على احترام الوقت، الوقت الخاص بها أو الخاص
بالآخرين،إنك تجد قول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في حديثه عن الإنسان
الذي يعد ويخلف بأنه منافق ، من علامات المنافق ثلاث إذا وعد أخلف ، وذلك
يشمل فيما لو وعدهم وأخلف موعده معهم لأنّ فيه خيانة لأوقاتهم، والإسلام
يعطي قيمة لوقت الإنسان،
لاحظوا الفروقات التي تسود عندما تغيب القيم والتعاليم الإسلامية، أصحاب
الوساطات يتقدمون في الطلبات ، ويتقدمون في اللقاء بالأطباء، ويتقدمون في
كلّ شيء، وكأنه لا قيمة لأوقات الآخرين ومعاناة الآخرين، تجدإنساناً يتقدم
الآخرين في صفّ الخباز، أو يتجاوز خطّ السير ليتقدم الآخرين، هذه أمثلة تنم
عن عدم احترام للوقت الذاتي أو للآخرين، فلو كان الإنسان يحترم ويقدروقته
لاحترم وقت الآخرين وقدّر حقوقهم.
خامسها: عزيمة الاستمرار والمحافظة:
فمن المتطلبات الأساسية للعملية التنظيمية أن تكون لدى الإنسان
عزيمة في الاستمرار على ما تمّت برمجته، وإلاّ إذا كان نفس الإنسان
عاديّاً، فهي حالة انفعالية أو لنقل رغبة طارئة، كما ربما تصيب البعض،
فرغبة من أجل أن يكون في برنامجي الحياتي الأمرالفلاني، فتكون هناك اندفاعة
لتحقيقه يوماً أو يومين أو أسبوع أو شهر، ثمّ ينتفي ذلك الأمر، إما لعدم
القدرة على برمجة الوضع الحياتي، بحيث تأتي القضايا الطارئة التي تؤجل
المسألة الفلانية، إلى أن تأخذها إلى دائرة النسيان، أو يكون هناك فتورفي
الرغبة مما يؤدي للتقصير أو لغير ذلك من الأسباب.
لذلك علينا أن نستغل ألأوقات وأن نجعل حياتنا كلها لله فلا نضيع من أوقاتنا
ما نتحسر عليه يوم القيامة فالوقت سريع الانقضاء فهو يمر مر السحاب وفي
ذلك قيل:
مرت سنيـن بالوصـال وبالهنـا *** فكأنها من قصرها أيـام
ثم انثنـــت أيـام هجـــر بعـدها *** فكأنها من طولها أعوام
ثم أنقضت تلك السنون وأهلها *** فكـأنها وكأنـهم أحـــلام
فلتحسن أخي المسلم استغلال وقتك فيما يعود عليك وعلى أمتك بالنفع في الدنيا
والآخرة فما أحوج الأمة إلى شباب وفتيات،، رجال ونساء هممهم عالية ،،
وشموخهم راسخ كقمم الجبال الراسية ويعرفون قيمة الوقت ويطبقون ذلك في الحياة.