الصراع على قره باغ - الجولة التالية الصراع على قره باغ - الجولة التالية
تحت عنوان "الصراع على قره باغ..الجولة الثانية"، نشرت صحيفة
"موسكوفسكيه نوفوستي" مقالا جاء فيه أن النزاع حول قره باغ بات منذ زمن
بعيد خارج مركز اهتمام الرأي العام العالمي، وبالرغم من ذلك، يبدو أن تحوله
في المستقبل المنظور إلى حرب جديدة أمر لا مفر منه. وتعزو الصحيفة ذلك إلى
تصلب الطرفين الاذربيجاني والارمني والتضارب المطلق بين موقفيهما، إذ
يستحيل على باكو، من حيث المبدأ، القبول باستمرار الأمر الواقع الحالي،
بينما القضاء على هذا الأمر الواقع مرفوض بتاتا بالنسبة ليريفان.
أما
مجموعة مينسك، فليس بوسعها ( ولا بوسع سواها )، أن تفعل شيئا هنا، ولو أن
أعضاءها (روسيا، الولايات المتحدة، فرنسا)، يبدون اجماعا فريدا من نوعه.
ومع كل تأثيرهم المهم على كل من باكو ويريفان، فإن هذا التأثير ليس بتلك
الدرجة من القوة، بحيث يتنازل أحد الطرفين عن مصالحه القومية الجذرية. إن
الحل الوسط لا يبدو ممكنا. وفي حال نشوب حرب فسيكون لكل منهما أفضلياته.
فلدى
أرمينيا مواقع دفاعية مريحة ومجهزة على نحو ممتاز على طول خط الجبهة،
ويتمتع عسكريوها بمزايا قتالية أرفع من الخصم. أما أذربيجان فلديها إمكانات
اقتصادية أكبر بكثير من إمكانات أرمينيا، إذ أن ميزانيتها العسكرية أكبر
من اجمالي الناتج الداخلي لأرمينيا.
وبفضل العائدات النفطية المهمة
تواصل أذربيجان زيادة تفوقها العسكري على أرمينيا وجمهورية ناغورني قره باغ
في الجو والبر. وهذا ما يؤدي إلى اشتداد الإغراءات بحل المسألة بالطرق
العسكرية. ومن المحتمل جدا أن باكو كانت ستقدم على محاولة من هذا النوع
لولا الحرب الروسية الجورجية عام 2008، التي سببت صدمة للقيادة
الأذربيجانية، التي تتخوف من المصير نفسه، الذي واجهته القيادة الجورجية.
غير أن مفعول تلك الصدمة انتهى الآن، والتفوق العسكري الأذربيجاني يتزايد
أكثر وأكثر.
وبالنسبة لأرمينيا، فإن عضويتها في منظمة معاهدة الأمن
الجماعي، ووجود القاعدة الروسية في أراضيها، قد يشكلان ضمانة لها من ضربة
أذربيجانية، غير أن هذه الضمانة وهمية على الأرجح، فلا بيلاروس، ولا
كازاخستان، ولا غيرهما من بلدان آسيا الوسطى، لن تحارب إلى جانب أرمينيا ضد
أذربيجان. وكذلك روسيا لن تقدم على ذلك. وقاعدتها في أراضي أرمينيا هي في
واقع الأمر ضمانة لأرمينيا في وجه تدخل تركيا في النزاع (إلى جانب
أذربيجان). أما إذا اندلعت الحرب وبقيت محض أرمنية ـ أذربيجانية، فإن
احتمالات تدخل روسيا فيها إلى جانب أرمينيا تعادل الصفر تقريبا.
أما
موقف الغرب فسوف يتأثر بعاملين متناقضين، أولهما عامل الجالية الأرمنية
القوية (وخاصة في الولايات المتحدة وفرنسا)، والثاني هو أهمية أذربيجان
الاستثنائية بالنسبة للعديد من مشاريع النفط والغاز البديلة للمشاريع
الروسية. ومما لاشك فيه أن الاختيار هنا أمر في غاية الصعوبة. وتجدر
الإشارة إلى أن تدخل الولايات المتحدة، أو البلدان الأوروبية، عسكريا في
هذا النزاع، أمر مستبعد بالمطلق. وفي حال اندلاع الحرب سيكتفي الغرب
بمطالبة كل من يريفان وباكو بوقف الحرب بأسرع ما يمكن. وكذلك ستفعل روسيا
أيضا.
وباعتبار أن الوقت يعمل لصالح أذربيجان، فإن الحرب الآن ستكون
لصالح الأرمن. وطالما كانت قوى الطرفين متعادلة، يمكن للأرمن أن يعولوا على
النصر، أي بإضعاف قدرة الخصم العسكرية بدرجة كبيرة، بحيث لن يكون قادرا
على استعادته قبل 15 - 20 عاما. ولكن الأرمن، إذا اقدموا على شن الحرب،
سيكونون في وضع المعتدي على أراض يعتبرها الجميع تابعة لأذربيجان.
وبناء
على ذلك يمكن الافتراض بأن الاحتمال الأفضل من وجهة نظر أرمينيا وجمهورية
ناغورني قره باغ هو استفزاز أذربيجان على نحو ما، وبأسرع ما يمكن، لتكون
البادئ بشن الحرب. وعندئذ سيكون بوسع الأرمن المتحصنين في مواقع دفاعية
مجهزة ومعدة جيدا، تحقيق مهمتهم الرئيسية المتمثلة بالقضاء على قدرات
أذربيجان الهجومية. وفي هذه الحال ستتكبد باكو هزيمة عسكرية وسياسية على
الصعيدين الداخلي والدولي، ما سيؤدي إلى اعتراف جزئي بجمهورية ناغورني قره
باغ، على الأقل من قبل أرمينيا. ويخلص المقال إلى أن الجانبين يريدان
الحرب، ولكن السؤال الرئيس هو: متى تتحق هذه الرغبة؟
المصدر: صحيفة "موسكوفسكيه نوفوستي ".
الكاتب : ألكسندر خرامتشيخين، نائب مدير معهد التحليل السياسي والعسكري.