في
هذا الموضوع نتناول بعضاً من أفعال الإنسان التي تعود آثارها عليه من واقع
مسؤوليته الفردية وهي الهدى والإحسان والشكر والتزكية والجهاد والعمل
الصالح والبخل.
- أوّلاً: الهدى
قال تعالى: (مَنِ اهْتَدَى
فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) (الإسراء/ 15)، يخبر تعالى أن مَنْ اهتدى
واتّبع الحق واقتفى آثار النبوة، فإنّما يحصل عاقبة ذلك الحميدة لنفسه،
قال الكعبيُّ: "الآية دالةٌ على أنّ العبد متمكِّن من الخير والشَّر، وأنّه
غير مجبورٍ على فعل بعينه أصلاً؛ لأنّ قوله تعالى جلّ ذكرهُ: (مَنِ
اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) إنّما يليق بالقادر على الفعل
المتمكّن منه، كيف شاء وأراد. فهي التبعة الفردية التي تربط كل إنسان
بنفسه؛ إن اهتدى فلها.
- ثانياً: الإحسان
قال تعالى: (إِنْ
أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ) (الإسراء/ 7)، أي نفع إحسانكم
عائد عليكم، فإن أحسنتم بفعل الطاعات فقد أحسنتم إلى أنفسكم، حيث إن ببركة
تلك الطاعات يفتح الله عليكم أبواب الخيرات والبركات.
وهذه هي: القاعدة
التي لا تتغير في الدنيا وفي الآخرة؛ والتي تجعل عمل الإنسان كله له، بكل
ثماره ونتائجه، وتجعل الجزاء ثمرة طبيعية للعمل، منه تنتج، وبه تتكيف؛
وتجعل الإنسان مسؤولاً عن نفسه، إن شاء أحسن إليها، وإن شاء أساء، لا يلومن
إلا نفسه حين يحق عليه الجزاء.
- ثالثاً: الشكر
قال تعالى:
(وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ
اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) (لقمان/ 12)، ومن شكر نعمة الله عليه، وفضله
عليه، فإنّما يشكر طلب نفع نفسه؛ لأنّه ليس ينفع بذلك غير نفسه؛ لأنّه لا
حاجة لله إلى أحد من خلقه، وإنّما دعاهم إلى شكره تعريضاً منه لهم للنفع،
لا لإجتناب منه بشكرهم إياه نفعاً إلى نفسه، ولا دفع ضرّ عنها".
فكل
متقرب إلى الله بعمل صالح يجب أن يستحضر أن عمله إنّما هو لنفسه يرجو به
ثواب الله ورضاه في الآخرة، ويرجو دوام التفضل من الله عليه في الدنيا،
فالنفع حاصل له في الدارين ولا ينتفع الله بشيء من ذلك.
- رابعاً: الجهاد
قال تعالى: (وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) (العنكبوت/ 6).
ومن
يجاهد عدوَّه من المشركين فإنّما يجاهد لنفسه؛ لأنّه يفعل ذلك ابتغاء
الثواب من الله على جهاده، والهرب من العقاب، فليس بالله إلى فعله ذلك
حاجة، وذلك أنّ الله غنيّ عن جميع خلقه، له الملك والخلق والأمر.
"فإذا
كتب الله على المؤمنين الفتنة وكلفهم أن يجاهدوا أنفسهم لتثبت على احتمال
المشاق، فإنّما ذلك لإصلاحهم، وتكميلهم، وتحقيق الخير لهم في الدنيا
والآخرة. والجهاد يُصْلِح من نفس المجاهد وقلبه.
فلا يقفن أحد في
وسط الطريق، وقد مضى في الجهاد شوطاً، يطلب من الله ثمن جهاده؛ ويمنّ عليه
وعلى دعوته، ويستبطئ المكافأة على ما ناله، فإنّ الله لا يناله من جهاده
شيء، وليس في حاجة إلى جهد بشر ضعيف هزيل، وإنّما هو فضل من الله أن يعينه
في جهاده، وأن يستخلفه في الأرض به، وأن يأجره في الآخرة بثوابه.
- خامساً: التزكية
قال تعالى: (... وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) (فاطر/ 18).
أي:
ومن يتطهر من دنس الكفر والذنوب بالتوبة إلى الله، والإيمان به، والعمل
بطاعته، فإنّما يتطهر لنفسه، وذلك أنّه يثيبها برضا الله، والفوز بجنانه،
والنجاة من عقابه الذي أعده لأهل الكفر به.
ومَنْ زكى نفسه
بالتنقِّية من العيوب، كالرياء والكبر، والكذب والغش، والمكر والخداع
والنفاق، ونحو ذلك من الأخلاق الرذيلة، وتحلَّى بالأخلاق الجميلة، من
الصدق، والإخلاص، والتواضع، ولين الجانب، والنصح للعباد، وسلامة الصدر من
الحقد والحسد وغيرهما من مساوئ الأخلاق، فإن تزكيته يعود نفعها إليه، ويصل
مقصودها إليه، لا يضيع من عمله شيء.
- سادساً: العمل الصالح
قال
تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا
ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (الجاثية/ 15)، أي: من عمل بطاعة الله
في هذه الدنيا، فائتمر لأمره، وانتهى عما نهاه عنه، فلنفسه عمل ذلك الصالح
من العمل؛ لأنّه يجازى عليه جزاءه، فيستوجب في المعاد من الله الجنة،
والنجاة من النار.
- ميادين العمل الصالح:
العمل الصالح واسع
الدائرة إلى حد يشمل كل شيء في الحياة تباشره باسم الله، ولقد عد الإسلام
أعمالاً كثيرة صالحة لم تكن تخطر ببال الناس أن يجعلها عملاً صالحاً وقربة
إلى الله تعالى، فجعل كل عمل يمسح به الإنسان دمعة محزون، أو يخفف به كربة
مكروب، أو يشد به أزر مظلوم، أو يقيل به عثرة مغلوب، أو يقضي به دين غارم
مُثقَل، أو يهدي حائراً أو يعلم جاهلاً، أو يدفع شراً عن مخلوق، أو أذى عن
طريق، أو يسوق نفعاً إلى كل ذي كبد رطبة.. جعل كل ذلك عملاً صالحاً ما دامت
النية فيه خالصة لوجه الله الكريم".
"وإن الله – تعالى – إذا نبه
عباده إلى أنّ الأرض يرثها عباده الصالحون، فإن معنى ذلك الصلاح أوسع من
ركعات تُؤَدى، أو أيام تُصَام، إنّه علم رحب الآفاق بكل شيء في مقدور
البشر، وعدل محدود الرواق، لا يشقى معه ضعيف، ولا يقهر معه مظلوم، وأمان ضد
الجوع والقلق، وطوارق اليوم والغد، وكفالة لحرِّية العقل والضمير، تنمو
فيها المواهب وتتضح الملكات، وتكمل الشخصية، وتُصَان المرافق العامة
والخاصة".
- سابعاً: البخل
قال تعالى: (وَمَنْ يَبْخَلْ
فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ
الْفُقَرَاءُ) (محمّد/ 38). أي على نفسه، أي يمنعها الأجر والثواب، والآية
تحتمل احتمالين: الإحتمال الأوّل: فإنّما يبْخل عن نفسه إذ يتمكن عدوه من
التسلط عليه فعاد بُخله بالضر عليه. الإحتمال الثاني: فإنّما يبْخل عن نفسه
بحرمانها من ثواب الإنفاق.
فما يبذله الناس إن هو إلا رصيد لهم مذخور، يجدونه يوم يحتاجون إلى رصيد، يوم يحشرون مجردين من كل ما يملكون.